«خاص» الجنوبٌ في قبضة التحالف الخلفي.. أين تختبئ إسرائيل في اليمن؟
7:30 م - 2025-10-30
72 المشاهدات
الجديد برس| تقرير خاص|
شهدت الساحة اليمنية الجنوبية حركة دبلوماسية وعسكرية لافتة، إذ تتصاعد مؤشرات تورّط “إسرائيل” في مناطق جنوب اليمن عبر تحالف غير معلن مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تسانده الإمارات، تبعه تحالف مع قيادات في المجلس القيادة الرئاسي بدعم استخباراتي وعسكري من الولايات المتحدة والسعودية، في إطار إعادة ترتيب مواقع النفوذ في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وتشير دراسات إسرائيلية ومصادر صحافية إلى أن هذه التحالفات تهدف إلى محاولة السيطرة على اليمن عبر أضعاف حكومة صنعاء “أنصار الله” القوة التي ما زالت حجر عثرة امام التحالف لتحقيق اطماعه في التحكم في مضائق التجارة الدولية في جنوب اليمن بغية حماية إسرائيل من هجمات قوات صنعاء المساندة لغزة. في وقت يشهد الجنوب فيه حالة من التفكّك الأمني والسلطوي، ما يتيح دخول قوى التحالف الخلفي اليه بأسلوب أكثر انسيابية.
لماذا الجنوب؟ ولماذا اليمن؟
يُعد اليمن بوابتيه الجنوبية والشرقية (باب المندب وخليج عدن) من المفاصل الاستراتيجية في حركة السفن البحرية والتجارة الدولية، ومرفقاً حيوياً لخطوط شحن النفط والغاز والسلع بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومن ثم إلى المتوسط.
وفي السنوات الأخيرة، وخاصة منذ اندلاع الحرب في غزة وبعدها، تحول اليمن إلى ساحة دعم واسناد للقضية الفلسطينية ضمن محور المقاومة من جهة، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، وإسرائيل من جهة أخرى.
دراسة إسرائيلية صادرة مطلع عام 2025 أكّدت أن «تعزيز التعاون مع دول الخليج خصوصاً الإمارات والسعودية يشكّل حلاً استراتيجياً لمواجهة اليمن» بإشارة صريحة إلى تحالفات خارجية مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما تشير تقارير أخرى إلى أن الإمارات بسطت وجودها العسكري واللوجستي في جزيرة ميون وزُقَر وعدة مواقع على الساحل الجنوبي، بإسناد إسرائيلي وتقنيات استخبارات أمريكية، ما يعكس حسب ما وصفه مراقبون بـ «تحول اليمن الجنوبي إلى مركز عمليات إسرائيلي-إماراتي–أميركي».
في المقابل، يُعد المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أطراف الصراع الداخلي جنوب اليمن، يدعو إلى انفصال جنوب اليمن أو حكم ذاتي واسع، ويُسانده الإمارات، بينما المجلس الرئاسي وحكومة عدن مدعومة من السعودية. هذا الانقسام الداخلي أعطى مساحة “للتحالف الخلفي” لاستثمار هذا الانقسام.
خطوات التوغل والتعاون
في مناطق مثل جزيرة ميون، بالقرب من مضيق باب المندب، تم إعادة تمهيد مدرج بطول نحو 1.85 كم تحت إشراف مشترك إماراتي-إسرائيلي، وتحويل الجزيرة إلى مركز لتشغيل أنظمة رادار إسرائيلية، بطاريات باتريوت، وأحواض لصيانة السفن الحربية والتجارية، بحسب مصادر تحليلية.
الجزيرة والمواقع المحيطة بها صارت بمثابة منصة مراقبة بحرية وجوية تسيطر على حركة السفن والبضائع، وتقيّمها بعض التقارير بأنها «بوابة للسيطرة على مسار آسيا–أفريقيا عبر البحر الأحمر».
المجلس الانتقالي الجنوبي تلقّى دعماً استخباراتياً ولوجستياً من الإمارات وإسرائيل. تقرير نشره موقع The Cradle أفاد بأن ضباطاً إسرائيليين يعملون ميدانياً في الجنوب، وأن الاتفاقات تتضمن مراقبة وحركة بحرية عبر نظام تبادل استخباراتي مشترك يُسمّى «بلّور الكرة» (Crystal Ball) بين الإمارات وإسرائيل.
دوافع الأطراف – ما الذي تسعى إليه؟
إسرائيل: تسعى إلى تأمين مضيق باب المندب وخليج عدن من أي تهديد بحري، خصوصاً علميات القوات المسلحة اليمنية “أنصار الله” الداعمة لفلسطين وغزة ، كما أنها تريد ضمان وجود شبكة استخبارية وحضوراً عسكرياً يمكنها من التمدد في المنطقة. إنها ترى اليمن الجنوبي «جبهة أمامية» في الصراع الممتد مع محور المقاومة.
الإمارات: تستثمر في الجنوب اليمني لتحقيق أمن بحري، زيادة تأثيرها الإقليمي، والحصول على مواقع استراتيجية في مضيق باب المندب مما يعزز مكانتها كقوة بحرية وإقليمية. كما أنها ترى تحالفها مع إسرائيل والولايات المتحدة وسيلة لتعزيز دورها.
الولايات المتحدة: تهتم بحماية خطوط الشحن الدولية، والسيطرة على المضايق والممرات البحرية الهامة للسفن والتجارة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وعليه تدخل في تحالف ضد اليمن “الحوثيين”. كما أن وجودها في التنسيق مع الإمارات وإسرائيل يمنحها نفوذاً في هذا الممر الاستراتيجي.
مجلس القيادة الرئاسي / المجلس الجنوبي / الحكومة (عدن): هي تسعى إلى تعزيز موقعها في الجنوب، وتحقيق مكاسب سياسية وأمنية ومالية شخصية، والاستفادة من الدعم الخارجي في مواجهة حكومة صنعاء في الشمال التي تواصل مواجهة التحالف واجندته في السيطرة واحتلال اليمن.
الأبعاد القانونية والسياسية – ما هي المشكلات؟
التدخّل العسكري الإسرائيلي في اليمن – رغم عدم إعلان حملة برية كبيرة حتى الآن من إسرائيل في الجنوب – يطرح أسئلة عن انتهاك سيادة الدولة اليمنية، وما إذا كان وجود القوات الإسرائيلية أو العاملة باسمها في الجنوب يُعد «احتلالاً» أو تدخلاً مسلحاً.
التحالفات السرّية أو شبه السرّية تضع علامة استفهام على مدى التوافق الدولي مع مبادئ الشرعية الدولية، خصوصاً أن الجنوب اليمني ليس دولة مستقلة معترف بها، والتحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي يعقد مسألة الشرعية المحلية والدولية.
من جهة أخرى، الدعم الخارجي – خصوصاً الإماراتي والإسرائيلي – لمواقع في الجنوب قد يُعد استثماراً في موارد محلية ومواقع استراتيجية (مدارج، قواعد)، ما يفتح باباً لمقاضاة مستقبلية أو ادّعاءات انتهاك لحقوق الإنسان، أو تحويل هذه القواعد إلى «ذخائر» في صراع أكبر وشن عمليات عسكرية ضد اليمن نفسه كما حدث مع العمليات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية ضد حكومة صنعاء والغارات التي شهدتها العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
أما سياق الحرب اليمنية فيُظهر أن هذه التحالفات قد تزيد من التجزّؤ الداخلي، وتُضعف مساعي السلام الحقيقي داخل اليمن، لأن الجنوب قد يُستخدم كمنصة خارج إطار الدولة الموحدة، ما قد يقوّض أي اتفاق سلام شامل.
واقع الأرض – كيف بدأ التوغل وما هي مراحله؟
في الجنوب اليمني، تحديداً في محافظات مثل شبوة، أبين، لحج، وعدن، وكذلك الجزر الاستراتيجية مثل ميون وزُقَر، حصلت خطوات ملموسة:
تم إنشاء أو تطوير مدارج جوية، مرافئ بحرية، ورادارات مراقبة بحرية وجوية.
استخدام هذه المواقع لتشغيل أنظمة رصد ومراقبة، وربطها بأنظمة إسرائيلية وأميركية، بعد تواجد «ضباط إسرائيليين في الجنوب».
أيضاً، المجلس الجنوبي عزّز حضوره عبر تسلّم مواقع أو إطلاق تشكيلات أمنية بغطاء إماراتي، ما يسهل عمل هذه القوى الخارجية.
من المرجّح أن بعض هذه المواقع تُستخدم لعمليات بحرية أو طائرات من دون طيار ضد أهداف في البحر الأحمر أو في مناطق حكومة صنعاء “الحوثيين” – وإن لم تُعلن رسمياً.
في المقابل، الضربات الأمريكية ضد حكومة صنعاء ومناطق أخرى من اليمن، وإن لم تكن مخصصة للجنوب، فإنها تُقيّم ضمن سياق أوسع لتمهيد الأجواء لهذه التحالفات أو لفتح الجنوب أكثر أمام العمل الخارجي.
تداعيات محلية وإقليمية – ماذا يعني ذلك لليمن واليمنيين؟
على سكان الجنوب: هذا التوغل يحمل مخاطر تجزئة الدولة اليمنية، إذ أن تقوية المجلس الجنوبي بدعم خارجي كبير قد يُعزّز مطلب الانفصال أو التوسّع الذاتي، مما قد يؤدي إلى مزيد من الصراع مع الشمال أو الحكومة المركزية أو حتى بين فصائل الجنوب نفسها.
على الحرب اليمنية: الجنوب قد يتحول إلى منصة انطلاق ليس فقط ضد مناطق سيطرة حكومة صنعاء “الحوثيين” ولكن أيضاً لتدخلات أجنبية أكبر، ما يزيد من تعقيد الصراع ويُضعف فرص التوصل إلى اتفاق سلام شامل، ما يجعل اليمن وعلى وجه الخصوص المناطق الجنوبية ساحة صراع تخدم الأجندة الأمريكية والإسرائيلية للسيطرة على المنطقة ككل.
على المنطقة البحريّة والتجارة الدولية: السيطرة المتنامية على مضيق باب المندب من قبل تحالف يتضمن إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة يُعزز تأثير هذه الدول في أحد أهم الممرّات البحرية، لكنه في الوقت نفسه قد يستفز دول أخرى كبرى كون الولايات المتحدة ليست الضامن الأمن الملاحة البحرية، وكون مسايعها تقتصر على السيطرة على الممرات البحرية والاستحواذ عليها للممارسة ضغط عسكري وسياسي على دول كبرى مثل الصين وروسيا وغيرها، مما يزيد من احتمالات التصعيد وعسكرة البحر الأحمر.
على العلاقات الإقليمية: هذا الوضع يضع السعودية في موقف محرج بعض الشيء، إذ إنها رغم دعمها للمجلس القيادة الرئاسي وحكومة عدن، لكنها تُلاحَظ بأنها أقل نشاطاً مباشراً من الإمارات في هذا الملف، ما قد ينعكس على التنسيق الخليجي والمشهد الأوسع للسياسة اليمنية.
لماذا هذه المعادلة قد تكون محطّة مفصلية؟
يُعدّ الجنوب اليمني محطة استراتيجية مفصلية لأن من يسيطر عليه أو يتحالف معه يمكنه أن يؤثر على مسار التجارة البحرية إلى أوروبا وآسيا، ويمكن أن يتفوّق على أطراف أخرى في المنطقة. والتحالف بين إسرائيل – التي تبحث عن «عمق استراتيجي» خارج حدودها التقليدية التي تسعى اليها عبر مشروعها “إسرائيل الكبرى – والإمارات – التي تسعى لتوسعة نفوذها البحري- والاستخدام الأميركي – يبشّر بتغيّر في خريطة النفوذ الإقليمي.
الدراسة الإسرائيلية التي أشارت إلى أن الخليج وجنوب اليمن جزء من «المواجهة المستقبلية» تؤكد أن الأمر أكبر من مجرد حرب داخلية يمنية؛ بل هو إطار أوسع للصراع الإقليمي.
وبالتالي، فإن ما يحدث في الجنوب اليمني ليس فقط أزمة يمنية محلية، بل جزء من «صفقة كبرى» بين قوى دولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية خدمة للمشروع الصهيوني، بغية السيطرة على المنطقة والقرن الإفريقي – باب المندب – البحر الأحمر – الخليج العربي.
ختاماً
في المجمل، ما يجري في جنوب اليمن اليوم يمكن أن يُقرَأ على أنه «تحالف خلفي» بين إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، يستند إلى المجلس القيادة الرئاسي وحكومة عدن الموالية للتحالف “تحت غطاء الشرعية”، ودعم فصائل خارجها كالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم اماراتيا، تعمل كلها في مجملها كأدوات محلية، يستطع “التحالف الخلفي” تعزيز سيطرته الاستراتيجية على الثروات اليمنية ومضيق باب المندب والممرات البحرية.