الجديد برس : مقالات
بقلم / ملك المداني
يوم البارحة ذهبت لشراء صحيفة الديار التي اكتب فيها ! من احد الاكشاك الموجودة بالقرب من منزلي والذي لايبعد عنه سوى 500 متر تزيد او تنقص مترين او ثلاثة لا يهم …
– سيدي الكريم هل لي بصحيفة الديار ، ! قلت للبائع .
– صحيفة الديار الذي بتكتب فيها ..!؟ قال لي ..!
نظرت اليه بدهشة و تفاجئت بحقيقة كونه يعرفني وامتلكني شعور جميل جداً حينها بالكاد اخفيته ، كنت ممتناً للبائع وكأنه اسدى لي معروفاً وجميلاً لابد أن ارده له او اكافئه بشيء ما ، ثم تابع حديثه ومديحه لي قائلاً :
انت كاتب رائع واسلوبك مثير وتمتلك حس دعابة نادر وقدرة على تطويع الافكار ، ثم اكمل قائلاً :
امتلك لدي كتب ومراجع وكتيبات ساخرة ستفيدك وتنمي من قدراتك وتطور من مهارتك والخ .. .!
ولكني حينها لم اكن استمع لما كان يقول كنت فقط اشاهد حواف قميصي وهي تخرج من تحت خاصرة بنطالي نتيجة الانتفاخ الذي اصابني بفعل مديحه العطر
واراقب اطراف معطفي تطول تدريجياً حتى لامست الارض وارى جيوبه تكبر وتتمدد لدرجةً انها سمحت لي بأن اضع داخلها كل ذلك الكم من الامتنان الذي كنت اكنه للبائع وان اخفي كل شعور بالمعروف والجميل تجاه اطرائاته وتبجيلاته لي ، وبت تماما كالطاووس يملؤني الزهو والاختيال !
قاطعت حديثه بينما كان يقترح لي بعض الكتيبات قائلاً :
– انا لا احتاج كل هذا ، فقط اعطيني صحيفة الديار ورميت له ورقة نقدية فئة مائة ريال ..!
ناولني اياها ساخراً :
بتكتب فيها وعادنت بتشتريها بفلوس ، المفروض يدوا لك نسخة مجانية قبل التوزيع ..!
اجبته بغرور :
هل تعرف المجاهدين الذين في جبهات القتال ، انا مثلهم تماماً لا ابحث عن فائدة او مال ، انما اكتب لأني مؤمن بقضيتي ومستعد ان ادفع من جيبي كما يدفعون هم ارواحهم بلا مقابل !
لم اكتفي بكوني مزهواً ومختالا فقط وانما اصبحت مزايداً ايضاً بدماء الشهداء ..!
اخذت الصحيفة وانصرفت متجاهلاً ندائاته لي وبت افكر جدياً في توظيف ( صاحب ) يجيب الاخرين عوضاً عني ويتلقى مكالماتهم !!
ولكني صحوت فجاءة من غمرة ما انا فيه ، وادركت ان مدائح البائع الماكر لي لم تكن لأعجابه بما اكتب ، انما لتسويق مراجعه وكتبه التي عفى عليها الزمن وعجز عن بيعها وابعادها من رفوف كشكه المتهالك !
وادركت حينها ايضاً ان من يصنع الطغاة وينفخ البالونات ويلون ريش الدجاج هم نحن ، نحن لا احد غيرنا بتعظيم الصغير وتقديس الطبيعي والاعتيادي تارةً لنقص فينا وتارةً بغية انجاز شيء او تحقيق مصلحة ما .. فهمت هذا ( وليت اصحابنا يفهمون ) ونفضت عني كل غبار النفاق والتمجيد والتفت ورائي ووجدت اني لم ابتعد كثيراً عن الكشك ، حمدت الله كثيراً انني مازلت قريباً منه وعدت ادراجي اليه ..
ادخلت حواف قميصي تحت بنطالي ، قصصت اطراف معطفي واخرجت كل الامتنان من جيوبي ودنوت من البائع ، قائلاً :
شكراً جزيلاً ياسيدي على اطرائاتك لي واتمنى ان اكون عند حسن ظنك دائماً بس باقي لي اربعين ريال اديها ..!
اعطاني اياها مبتسماً كأنه يقول ( نجوت من الفخ يانزغة ) !!
اخذتها وقبل ان ادخلها جيبي رأيت محتاجاً على قارعة الطريق ( ربما يكون نازحاً ) فاعطيتها اياه ، واكملت طريقي الى المنزل استذكر ماحصل لي من عبر ودروس تعلمتها في حصة ال500 متر والتي كان مجملها:
_ ان لا اُعطِ احداً اكبر من حجمه فقد يحوله ذلك من ثائر نزيه الى طاغيةً مغرور ومن حر شريف الى لص نصاب يزايد بدماء الشهداء وتضحياتهم .
_ ان احمل دبوساً في يدي قبل ان اثني على احدهم تحسباً لانتفاخه . .
_ أن امشِي في الارض هونا وبالشعب احسانا ..!
–
انتهت اول حصة ، واعتقد بأنني استحق فسحة لأرتاح قليلاً قبل ان اكمل لكم ماحصل لي وماتعلمته فيما تبقى من حصص ..