الأخبارالمحليةتقارير

خاص| بين صراع النفوذ السعودي والإماراتي في اليمن.. «شعب يدفع الثمن» حقائق تكشفها الساعات القادمة

بين صراع النفوذ السعودي والإماراتي في اليمن.. «شعب يدفع الثمن»

الجديد برس| خاص|

عند إعلان التحالف بقيادة السعودية والإمارات تدخله العسكري في اليمن عام 2015 بدت الصورة في ظاهرها عملية دعم عسكري لإعادة ما وصفه في وقته بإعادة حكومة ” الشرعية”. غير أنّ السنوات اللاحقة كشفت عن واقع مغاير تماماً؛ إذ تحوّل الجنوب اليمني إلى ساحة صراع نفوذ بين الرياض وأبوظبي، وإلى منطقة تجري عليها عمليات “استباحة” منظمة للأرض والموارد والموانئ والجزر، عبر تشكيل فصائل محلية متناحرة، وصناعة مراكز قوة متعددة تتجاوز الدولة وتستند إلى مشاريع تجزئة وتمزيق للمشهد اليمني.

تحالف عسكري أم مشروع نفوذ؟

مع مرور الوقت، اتضح أن مشروع «إعادة الشرعية» لم يكن سوى واجهة لمخطط أشمل، قوامه تثبيت حضور دائم للتحالف في المحافظات الجنوبية، وتقاسم النفوذ على الجغرافيا الحيوية الممتدة من عدن وحتى المهرة وسقطرى. وعلى الرغم من الخطاب الإعلامي الذي قدم التدخل باعتباره “إنقاذاً”، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الجنوب أصبح خاضعاً لمنطق السيطرة العسكرية المباشرة والهيمنة الأمنية، بما يخدم مصالح قوى إقليمية ودولية؛ على رأسها السعودية والإمارات، وبمظلة دعم أمريكي بريطاني وإسرائيلي غير مباشر.

فقد ساهم تفكك السلطة المركزية التابعة للتحالف وصعود فصائل جنوبية مدعومة بشكل متواز ومتنافس في خلق خريطة معقدة للنفوذ. ومع التحولات المتسارعة، بات الجنوب مسرحاً لتجاذبات إقليمية تُدار عبر وكلاء محليين، لكل منهم أجندته وخلفياته وداعميه، ما أدى إلى تفتيت المؤسسات، وتكريس حالة «الدولة الموازية» التي تعمل خارج مسار إي دولة يمنية رسمية حقيقية.

الإمارات: بناء أدوات النفوذ وخلق المليشيات المحلية

إن أبرز ملامح المشهد الجنوبي يرتبط بالدور الإماراتي، حيث ركزت أبوظبي جهودها على المحافظات الساحلية والمناطق الاستراتيجية التي تضم الموانئ والجزر. وفي هذا الإطار، دعمت الإمارات فصائل مثل “الحراك الجنوبي” ثم “المجلس الانتقالي الجنوبي”، وساهمت في تشكيل قوات محلية متعددة الهوية، أبرزها: الحزام الأمني، وألوية العمالقة، وقوات الدعم السريع، وقوات الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.

 

هذه التشكيلات لم تكن في جوهرها أدوات أذرع نفوذ إماراتية تعيد تشكيل الواقع الجنوبي وفق رؤية تقوم على خلق كيان سياسي وعسكري موالٍ لها، يمهد لإعادة رسم خارطة اليمن وتقسيمه، مع منح أبوظبي موطئ قدم دائم في بحر العرب وخطوط الملاحة الدولية.

وتشير تقارير عديدة إلى أن الإمارات سعت إلى تحويل بعض المناطق الجنوبية—خصوصاً سقطرى وميون وعدن—إلى قواعد ومراكز نفوذ تخدم مصالح قوى أجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وحتى “إسرائيل”، وهو ما يطرح أسئلة كبرى حول مستقبل الجنوب وسيادته.

السعودية: منافسة النفوذ ومحاولة إعادة ضبط المشهد

في المقابل، لم تقبل السعودية بالمشروع الإماراتي دون مقاومة. فرغم أنها الشريك الأكبر في التحالف، إلا أن مصالح الطرفين سرعان ما اصطدمت في محافظات استراتيجية مثل المهرة وحضرموت وشبوة. فقد دفعت الرياض بقوى محلية موالية لها، أبرزها: المجلس الرئاسي، وقوات موالية لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، وتشكيلات عسكرية قبلية في حضرموت والمهرة، إلى جانب ما يعرف بـ “قوات درع الوطن”.

هذا التداخل في دعم هذه الفصائل خلق انقساماً أعمق داخل المشهد الجنوبي، ما كشف حقيقية ما كان التحالف يروج له عندما شن حربه على اليمن في العام 20215م، تحت مسمى “إعادة الشرعية” والذي سرعان ما تحول إلى مشروع مواجهة بين شركاء التحالف أنفسهم، ما أدى إلى موجات متتالية من الاشتباكات والتوترات التي غيرت خارطة السيطرة أكثر من مرة.

بين صراع النفوذ… شعب يدفع الثمن

مع استمرار الصراع السعودي الإماراتي بالوكالة، وجد المواطن اليمني في المحافظات الجنوبية الشرقية نفسه محاصراً بين فصائل متعددة تتقاسم الأرض وتتنازع الموارد. وقد قاد هذا الوضع اليوم إلى: انهيار اقتصادي غير مسبوق، وانفلات أمني واسع، وارتفاع معدلات الجريمة المسلحة والاغتيالات، وغياب الخدمات الأساسية، وانقطاعات كهربائية ممتدة لأشهر، مع تضخم وانهيار العملة في عدن وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الرئاسي وحكومة عدن.

وتحت عنوان «إعادة الشرعية»، أصبح الجنوب يعيش واقعاً معاكساً تماماً؛ إذ تحولت المحافظات الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للتحالف جنوب وشرق اليمن، إلى مناطق ترزح تحت سلطة مليشيات وفصائل متناحرة، دون وجود مؤسسات دولة حقيقية أو سلطة مركزية فاعلة، وتحول تلك المحافظات إلى ارض مستباحة للقوى الرعاية للتحالف.

فصائل متصارعة وولاءات متناقضة

إن ما أخطر ما شهده الجنوب خلال السنوات الماضية هو تكريس نموذج «الولاءات المتعددة لقوى التحالف»، بحيث أصبحت كل محافظة، بل وكل مدينة أحياناً، خاضعة لجهة مختلفة: فـ عدن تحت سيطرة المجلس الانتقالي وبدعم إماراتي مباشر، وشبوة بين نفوذ العمالقة وقوات دفاع شبوة وقوى موالية للسعودية، فيما حضرموت مقسمة بين الامارات والسعودية، بين قوات المنطقة العسكرية الأولى، والنخبة الحضرمية، وقوى قبلية محلية، إلى جانب محافظة المهرة التي تعيش تحت سيطرة النفوذ السعودي الواسع، رغم ما يقابله من رفض قبلي لهذه الوضع والتواجد. فيما تعيش محافظة سقطرى اليمنية تحت سيطرة ونفوذ إماراتي مباشر وتحركات إسرائيلية مثيرة للجدل، ما جعل سقطرى ارض مستباحة للنفوذ الإماراتي الأمريكي الإسرائيلي.

هذا التمزق ساهم في خلق فراغ سياسي وأمني مقصود ومخطط له من قبل التحالف، فقدت فيه أي اثر للدولة اليمنية التي تفرض سيطرتها الفعلية على مؤسساتها، ما جعل الجنوب أرض مستباحة للتدخلات الخارجية.

الاستباحة السياسية والعسكرية والاقتصادية

وفق مراقبين، فإن ما يعيشه الجنوب اليوم هو فعلاً “معادلة الاستباحة”؛ حيث لم يعد التدخل مجرد دعم عسكري مؤقت، بل مشروعاً لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لليمن. فالحضور الإماراتي والسعودي لم يقتصر على القواعد والموانئ والمطارات فحسب، بل امتد إلى القرار السياسي عبر تشكيل المجلس الرئاسي، والقرار الاقتصادي عبر التحكم بالموانئ وحقول النفط، والقرار الأمني عبر السيطرة على الأجهزة العسكرية والمحلية، والقرار الاجتماعي من خلال دعم مكونات وتهميش أخرى، إلى بقية القرارات التي تشكل في مجملها القرار والسيادة اليمنية المستقلة عن أي تدخلات خارجية.

هذا الواقع جعل اليمن—والجنوب تحديداً—أرضاً محتلة بشكل غير مباشر، تُدار عبر قوى خارجية وأذرع محلية، وبإشراف دولي من واشنطن ولندن و”تل أبيب”.

جنوب مفكك ومستقبل غامض

ما كان يفترض أن يكون مشروعاً لإعادة الدولة أصبح مشروعاً لتفكيكها. وما بدأ تحت شعار «إنقاذ اليمن» انتهى بتمزيق نسيجه، وجعل الجنوب ساحة صراع إقليمي متعدد الأوجه. وبينما يتواصل تنافس السعودية والإمارات، يبقى المواطن الجنوبي هو الضحية الحقيقية؛ يعيش بين فصائل متصارعة، واقتصاد منهار، وأمن غائب، ومستقبل لا يزال رهينة إرادة القوى الإقليمية والدولية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق