المقالات

مع اعتذاري لعالم الحيوانات

مع اعتذاري لعالم الحيوانات

الجديد برس : رأي

عمار الشامي

طلة واحدة على صنعاء وقد اخضرَّت وتحلت بزينتها، تكفي ليعرف الناس أنك واحد من هؤلاء: إما أن تشعر بمهابة المشهد وتحس بأنك شخص طبيعي يرى حدثاً جميلاً بعينين طبيعيتين وبعقل واع، أو أن تقف كحيوان غير أليف لا يقوى على كبح عُقده النفسية ونظراته الناقدة الثاقبة التي لا يعرف الناس كيف كانوا سيواصلون حياتهم لولاها، أو أن تحتار بين أن تكون إنساناً طبيعياً أو تكون حيواناً، لا تعرف ماذا تريد وتعترض لمجرد الرغبة في الاعتراض والامتعاض والتفلسف الجيوسوسيوغرافي الذي لا يقوى على فهمه واحتماله سوى الراسخين في العلم والدين من أمثالك.. إن هذا المقال أبسط مما تتخيل كتبه شخص عادي يهوى الكتابة ولا يمثّل محامياً للنبي أو شيئاً كهذا.. فقط يشعر بالتقزز من المزايدة بحق هذه المناسبة، وإن أخطأتُ في حديثي فأرجو أن تتحمّلني لأنك وأمثالك تخطئون بحق النبي والجميع يحتملكم.. يمكنك أن تصلي على هذا النبي الذي يحتفلون من أجله، لنتحدث حديثاً بعيداً عن الحوثي وبعيداً عن السياسات الحاكمة وقريباً فقط من رسول الله.

أولاً..
لنعد من البداية.. إن كانت مصيبتك الفادحة مع اللون الأخضر ولذات اللون الأخضر، فعلمُ النفس- إن كنتَ مؤمناً بالعلم- يؤكد لي ولك أنَّ اللون الأخضر يرمز إلى الجمال والصحة الجيدة والأرض والنقاء والطبيعة والنمو والتفاؤل والتجديد المستمر والقوّة والنشاط والحيويّة والخير والسلام، إضافة إلى الحبّ وإلى أن كلّ ما ينبض بالحياة يتلوّن به.. فضلاً عن كونه يستخدم كلون قومي في الدين الإسلامي أورده الله بقوله: 《عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا》.
أنا مثلك لا أطيق اللون الأخضر إن كان لوناً مزعجاً كزي الأطفال المدرسي مثلاً، لكنني أحبه لأنه لونُ القات، ولون الخضروات والفواكه، ولون السلتة، ولون الكوت الثمين الذي اشتريتُه العام الماضي..
قد تكون المشكلة بعيدةً عن ذات اللون الأخضر، وإنما لأن حكومة أنصار الله حددت هذا اللون دوناً عن غيره رمزاً للمولد النبوي.. هذا يعني أنهم لو وضعوا اللون الأزرق أو البني أو البرتقالي على سبيل المثال فستكون منزعجاً لمجرد أنهم هم الذين وضعوه.. يعني أن اللون- أياً كان- ليس مشكلة وليس مدعاة للتقزز.. إذن أنصح بحلِّ مشاكلك مع هذه السلطة بعيداً عن رسول الله.

ثانياً..
أنت تشعر بالضيق من أي منشور أو تغريدة أو فيديو أو صورة مصممة أو مقال أو قصيدة شعر في رسول الله.. تكتئب لمجرد رؤية سيارة زينها صاحبها باللون الأخضر.. تضيق لوجود أشخاص سعداء بمولد رسول الله بمقدار السعادة التي تتملكك حين تمارس شيئاً تحبه كمشاهدة فيلم رائع أو كتابة شيء يعجبك.. أنت ذكي بالدرجة التي تجعلك هاوياً لقول أو فعل كل ما هو ذكي وملفت وجذاب، ولك حرية هذا القول وذاك الفعل، لذا دَع “الجهلة”، كما تعتقد، يقولون ويفعلون ما يشاؤون تعبيراً عن محبتهم لرسول الله.
ثم لماذا تشعر بكل هذا الضيق؟ هل لأنك ترى أنه ليس وقتاً مناسباً للاحتفالات والبهرجة والإسراف طولاً وعرضاً؟
لكنك في الوقت ذاته واحد من أولئك الذين ينادون بالإسراف أيضاً لافتتاح دُور سينما ومسارح وإحياء مظاهر الفن وجعْلها جزءاً من ثقافة البلاد.. ألا يمكن اعتبار الاحتفال بالمولد النبوي مظهراً ثقافياً فنياً أيها العميقون؟
بربِّكم، هل يعقل أن تكون المصروفات التي تُبذل من أجل إحياء المولد النبوي كفيلةً بسد حاجة المحتاجين؟ ما هو الفقر في نظركم؟ ما هو شكل القاعدة الشعبية من الفقراء التي ستنقلب أحوالها بمبلغ ٣٠ مليون ريال؟ أظن أن المبلغ المصروف على المولد يصل إلى هذا الحد وأظنه أكثر أيضاً وأرجو تصحيح قولي إن كنتُ مخطئاً.. إلا أن معظم هذه الأموال قادم من خزائن التجار المتبرعين للمولد، لذا فإن مشكلتك مع هؤلاء التجار وليست مع رسول الله..
كما أن مشكلتك ليست من أجل الفقراء، فالفقراء أقرب الناس إلى الله وهذا الذي يخاطبه الفقراء هو رسول الله.. هل تعتقد أن الفقراء بحاجة أن يتحدث أشخاص ميسورون يعيشون في الخارج كعلي البخيتي وسام الغباري وغيرهما عن حوائجهم وأولوية مساعدتهم في محاولة بائسة للمتاجرة بحوائج المحتاجين داخل صراعهم مع الحوثي؟ ماذا يفعلون من أجل المحتاجين ومن أجل الانتصار على الحوثي؟
أما لو كان الوقت “الحرب” وقتاً غير مناسب للاحتفال، فمتى يكون مناسباً برأيك؟
متى يرقُّ فؤادك المكلوم لهذا الطيش الاجتماعي الكبير الذي يرتكبه كل هؤلاء البشر بإحياء حفل لا يليق بذائقتك المكعَّبية العميقة لمجرد أنه عبارة عن حضرةِ صلوات وذكر؟
إنه زمن الحرب الذي نحاول فيه ترميم عقولنا وقلوبنا وضمائرنا وتنقية نفسياتنا وجعل الحياة مستمرة ونابضة واليمني حياً.. وإلا لماذا لم يكن الوقت غير مناسب عندما خرجت عشرات السيارات للاحتفال بالعريس النازح في شوارع صنعاء قبل شهرين على سبيل المثال؟ نحن نبحث عن أي مرحلة فرائحية.. باختصار. أما إذا كانت مشكلتك في ذات “الحرب” فمشكلتك مع السعودية والإمارات وأمريكا وإسرائيل وإيران، وليست مع رسول الله.

ثالثاً..
إن كنتَ مثلي مقصراً في قراءة القرآن، فلنكن على بيّنة بمكانة هذا النبي من خلال هذا القرآن الذي يؤمن به الجميع ولا يختلف عليه اثنان.. وإن كنتَ غير مستعد للأخذ بالقرآن تحت ذريعة أنه المنهج الأساس لخصومك الحوثيين، فهل تعتقد أن الذي بداخل رأسك هو مخ بالفعل أم أنه ليس سوى مَبْولة محاطة ببرميل دماغي وعصيّة على التنظيف مهما حدث؟
تمسك بإيمانك بأن كل جماعة استغلت القرآن كما يحلو لأغراضها، ودع القرآنَ بعيداً عن الحوثي وعمن سواه وانظر إليه ككتاب الله الذي أنزل على رسول الله، ما دمتَ تؤمن بأنك من سيقرأه قراءة صحيحة ويراه رؤية صحيحة، وقل لي موقفك من كل ما ورد داخل هذا الكتاب عن رسول الله النبي والإنسان؟
ولنفترض أنك حيوان إلى أبعد حد- مع اعتذاري لعالَم الحيوانات- ورفضتَ الاستناد إلى القرآن في فهم الشخصية النبوية ومكانتها، فهل يدفعك عمقك المكعَّبي ومواهبك العظيمة إلى الإيمان بالغرب وبما يقوله الغرب علماءَ ومفكرين وأدباءَ وباحثين؟ إن كنت كذلك فالقاصي والداني في كل أطراف هذا العالم يعرفون من هو محمد بن عبدالله وينبهرون بشخصيته ويعطونه بعضَ حقِّه من الإجلال.. هؤلاء العلماء والأدباء والمفكرون يمتدحون شخصاً هو نفسه الذي يحتفل به اليمنيون، لأنه يستحق ذلك، ولأنهم مسلمون وهو نبيُّهم.. ببساطة.. كما أنهم ليسوا العرب المسلمين الوحيدين الذين يحيون هذه الذكرى وهذا الاحتفال!

أخيراً..
يمكنك البحث عن أشخاص آخرين تلقي عليهم عقدك النفسية غير النبي.. لأن حالتك إن عُرضت حتى على خبراء وأطباء النفس العالميين فلن تكون سوى “مسلم يسيء لنبيه” قبل أن تكون مواطناً يعارض السلطة والحكومة.