الأخبار المحلية تقارير

خاص| مناطق رئاسي وحكومة عدن.. سنوات من الانتهاكات «اختطافات وتحرش إلى اغتصابات داخل سجون سرية وإعدامات بلا محاسبة»

الجديد برس| تقرير|
تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي وحكومة عدن المواليتان للتحالف السعودي–الإماراتي، موجة متصاعدة من الانتهاكات الجنائية وخرق حقوق الإنسان. يرتبط هذا الواقع بوجود فصائل مسلحة وقوات أمنية متعددة الولاءات، ارتكبت جرائم وانتهاكات ممنهجة طالت المدنيين —من اعتقالات تعسفية وإخفاء قسري وتعرّض للتعذيب، إلى اغتصاب ونهب وتجنيد أطفال— مما أدى إلى تداعيات إنسانية واجتماعية بالغة على المجتمعات المحلية.
بيئة خصبة للإفلات من العقاب
في قلب المشهد الأمني المتفكك، تختلط عناصر أمنية وعسكرية متعددة تشمل قوات تابعة لوزارة دفاع حكومة عدن، وفصائل تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، إلى جانب تشكيلات مثل الحزام الأمني، وقوات طارق صالح (حراس الجمهورية) في الساحل الغربي، الموالية للإمارات أيضاً، إضافة إلى فصائل حزب الإصلاح المسيطرة على تعز ومأرب.
تحت هذه مظلة الولاءات المتعددة، تتبلور صورة شبه نظامية للاعتقال والاختفاء والتعذيب، تُنفذ أحيانًا بدوافع سياسية أو مناطقية. ويبقى غياب سيادة القانون وضعف الأجهزة القضائية والأمنية في إنفاذ المساءلة، العامل الأساسي الذي يغذي استمرار هذه الجرائم والانتهاكات.
من الاحتجاز إلى الإعدام خارج القانون.. أنماط الانتهاكات
تتنوع الانتهاكات في صورها وأدواتها، لكنها تشترك في سمة مركزية هي استعمال القوة والأدوات الأمنية كوسيلة للهيمنة السياسية والمادية على السكان، خدمة لمصالح نافذين وخدمة لاجندات التحالف في السيطرة الكاملة على هذه المحافظات ونهب ثرواتها.
من تلك الجرائم والانتهاكات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، حيث تنفذ قوات الحزام الأمني وفصائل أخرى حملات اعتقال بحق معارضين سياسيين وصحفيين وناشطين، بناء على أسباب أمنية غامضة. حيث تصل شكاوى عديدة عن احتجاز أشخاص لسنوات في سجون سرية دون محاكمة أو إعلام عائلاتهم بمصيرهم. وقد أشارت تقارير إلى أكثر من 1,200 مختطف مدني بين عامي 2021 و2023، بينهم نساء وأطفال، تزايدت بشكل غير مسبوق لتصل في العام 2025م إلى ذروتها من اعتقالات واخفاء قسري لشخصيات اجتماعية وصحفيين وناشطين ومواطنين.
ومن صور الجرائم التي تصاعدت خلال السنوات الأخيرة جرائم التعذيب وسوء المعاملة والقتل خارج نطاق القضاء، حيث تم رصد حالات تعذيب في مراكز احتجاز غير رسمية أسفرت عن وفيات. من بين النماذج الموثقة، 18 حالة وفاة تحت التعذيب داخل سجون مأرب، أبرزها سجن الأمن السياسي ومعهد الصالح. كما تم تسجيل 3 حالات ولادة لفتيات معتقلات نتيجة اغتصاب داخل سجون مأرب التابعة لحزب الإصلاح، ووفاة صفاء خالد الأمير ورجاء الصنعاني تحت التعذيب في سجون مأرب، وتعذيب المواطن محمد حسن مهدي (من ذوي الإعاقة) حتى الموت في سجون الحزام الأمني بأبين، إلى غيرها من الجرائم التي شهدها العام الحالي 2025م.
كل ذلك على جانب الاغتيالات المنظمة، التي كانت قد اشارت تقرير سابقة إلى تسجيل أكثر من 200 عملية اغتيال في عدن بين 2015 و2018، بينها 30 سياسياً و3 صحفيين. كما سُجلت 55 عملية اغتيال جديدة في عدن بين 2019 و2022، منها 43 استهدفت قيادات أمنية وعسكرية. وكشفت تحقيقات عن تورط مباشر للإمارات في تمويل فرق اغتيال أجنبية عبر شركات مرتزقة، تضاعفت هذه الجرائم بشكل غير مسبوق ايضاً خلال العامين 2024 و2025م.
أما جرائم الاستيلاء على الممتلكات والعسكرة، فقد توسعت الفصائل التابعة للتحالف على الاستيلاء على مساكن وممتلكات نازحين أو معارضين، وتحول مدارس ومبانٍ حكومية إلى ثكنات، ما يحرم المدنيين من خدمات أساسية ويعمق معاناة النازحين.
إلى جانب ما سبق فقد مثلت الجرائم الجنسية وتجنيد الأطفال، النسبة التي فاقت كل التصورات، برزت تلك من خلال التقارير الأخيرة التي صدرت في العام 2025م وجهت اتهامات بالاغتصاب والتحرش، خاصة في مناطق الساحل الغربي (تهامة) حيث تم توثيق حالات اغتصاب وتحرش بفتيات قاصرات في الخوخة وحيس، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال قسراً.
اما جرائم وانتهاكات الابتزاز والجبايات وضبط المساعدات، فقد كان لها اثرها في انهاك كاهل المجتمع في مناطق سيطرة حكومة عدن، حيث تفرض الفصائل جبايات على التجار والمواطنين وتبتزهم، وتنهب المساعدات الإنسانية، مستغلة الاحتياجات الاقتصادية للضغط على السكان أو لتمويل أجنحتها المسلحة.
تداعيات حادة.. تمزق النسيج المجتمعي
لم تؤثر الانتهاكات المتكررة على الضحايا المباشرين فقط، بل أنتجت آثاراً مركبة على المستوى المجتمعي والنفسي والسياسي، تمثلت في تدمير النسيج الاجتماعي والعائلي، وأصبح تصاعد جرائم القتل داخل الأسرة ظاهرة تشير إلى انهيار الضوابط الاجتماعية، حيث أوردت التقارير حالات قتل بين الآباء والأشقاء، ما يترك أثراً نفسياً واجتماعياً مدمراً وينشر حالة من عدم الثقة.
كما تسببت ظاهرة الإفلات من العقاب بتفاقم جرائم الانتهاكات، حيث سجل ناشطون صوراً مختلفة لإفلات منظم لمرتكبي الجرائم في مناطق سيطرة حكومة عدن، خصوصاً من قبل النافذين والمنتسبين إلى فصائل التحالف المختلفة، ما عزز إحساساً بالاستقواء لدى الجناة وأضعف الثقة العامة بالقضاء والسلطة المحلية.
إلى جانب ذلك فقد كان هناك تأثير كارثي على حقوق المرأة والطفل، في مناطق سيطرة التحالف، حيث كشفت تقارير عن جرائم اغتصاب وتحرش، وحالات الأمهات اللاتي فقدن أبنائهن أو قُتلن داخل السجون، ما تسبب وفق تقارير بأزمة إنسانية خاصة ذات تداعيات قانونية واجتماعية طويلة الأمد، كل ذلك إلى جانب تفشي المخدرات وتدهور القيم، حيث ربطت تقارير انتشار المخدرات بين الشباب بتسهيلات من أطراف نافذة فاسدة تابعة مباشرة للتحالف، ما زاد من حالات العنف الأسري والجريمة.
شهادات وحوادث نموذجية.. تجسيد للواقع الميداني
تكشف الوقائع الميدانية نمطاً من الانتهاكات الراسخة. ففي الساحل الغربي، أدان الحراك التهامي الوطني في بيان لها نهاية الأسبوع الماضي جرائم وانتهاكات منهجية أقدمت عليها قوات “حراس الجمهورية” التابعة لطارق صالح المدعوم اماراتياً في الساحل الغربي، شملت تجاوزات منهجية منها جرائم الاغتصابات والتحرشات المتكررة بالفتيات القاصرات في مديريتي حيس والخوخة، وعسكرة المدارس والمنشآت الحكومية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية حرمت مئات الطلاب من التعليم، والسطو على أراضي المواطنين التهاميين ونهبها بالقوة لصالح قيادات عسكرية.
ومن بينها وفق البيان، ايضاً تفشي تجارة المخدرات والحشيش والشبو بتسهيلات من بعض الضباط النافذين التابعين لطارق صالح، إلى جانب جرائم تجنيد الأطفال قسراً والزج بهم في جبهات القتال، والاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري في سجون سرية بتهم “التحوث” دون أي مسوغ قانوني، وفرض فصائل طارق للجبايات الغير قانونية ونهب المساعدات الإنسانية وابتزاز التجار والمواطنين..
وفي مناطق أخرى، نشر ناشطون قوائم لمجندين مطلوبين بجرائم قتل ونهب في تعز، وتحدثت ناشطات وناشطون عن فضائح اغتصاب داخل سجون، وحالات قتل غامضة في شبوة. كما تشير شكاوى عائلات الضحايا إلى إفلات موقوفين وقيادات من المحاسبة، مع إفراجات تهدف إلى تهدئة الضغط الشعبي بصورة مؤقتة.
ختاماً.. نداء للمساءلة
تظهر الإحصاءات الميدانية أن الانتهاكات في مناطق سيطرة التحالف قد تجاوزت الطابع الفردي إلى نظام قمعي منظم تمارسه فصائل متعددة الولاءات، في ظل تواطؤ رسمي وصمت دولي. تتراوح هذه الجرائم بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شملت الاعتقال التعسفي والقتل خارج القانون والاغتصاب والتعذيب الممنهج، ما يجعل ملف الجنوب والساحل الغربي من أخطر ملفات الانتهاكات الإنسانية في اليمن.
إن الأوضاع المأساوية في المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة عدن، تتطلب تحركاً جاداً شعبياً للضغط على المجلس الرئاسي وحكومة عدن وفصائل التحالف التابعة للقيادات النافذة فيهما لايقاف هذه الجرائم والانتهاكات، إلى جانب ضرورة تحرك كل الجهات المعنية بحقوق الإنسان ومجتمع مدني فعال لتوثيق الانتهاكات بشكل مستقل.
إلى جانب ضرورة المسارعة في توسعة دائرة المطالبة الشعبية والحقوقية للكشف عن أماكن السجون السرية لدى فصائل التحالف، والإفراج عن المعتقلين التعسفيين، ومحاسبة المتورطين في القتل والتعذيب والاغتصاب، وإعادة المدارس والمرافق المدنية إلى عملها المدني، مع توفير آليات لضمان سلامة الشهود وحماية الضحايا.
ويبقى القول إن تجاهل هذه الجرائم والانتهاكات التي ترتكب في مختلف مناطق سيطرة المجلس الرئاسي وحكومة عدن، لن يؤدي إلا إلى تعميق المأساة وتفكيك النسيج الاجتماعي، بينما تمثل المساءلة الحقيقية الطريق الوحيد لبناء ثقة المواطنين في مؤسسات من المفترض أن تحميهم بدل أن تهدد حياتهم وكرامتهم.