المحلية تقارير ودراسات

“المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار”… استراتيجية مكشوفة تتبعها السعودية والإمارات لإخفاء أهدافهما الحقيقية في اليمن

الجديد برس/ متابعات

حرصت كل من السعودية والإمارات، وهما الدولتان المحوريتان في حرب اليمن المشتعلة منذ أكثر من ثمان سنوات، على اتخاذ لافتة المساعدات ومشاريع الإعمار، كغطاء لحقيقة الأهداف التي تتعمدان إخفائها من وراء تدخلهما في اليمن والسيطرة على المساحة الأكبر فيه، إما بشكل مباشر، أو عبر أدوات محلية صنعتها كل من الرياض وأبوظبي ومولتها وسلحتها لتكون تابعة لها.

وكأي عملية تمويه من هذا القبيل، فإن الغطاء كان لا بد أن ينكشف وتظهر الأهداف الحقيقية من وراء هذه التدخلات بشأن اليمن وإدخاله في حرب فقد فيها الكثير من مقدراته البشرية والمادية، وبناه التحتية وثرواته، حيث لم تعد تلك الأعمال الإنسانية والمساعدات قادرة على حجب حقيقة الأطماع ومخططات التدمير للبلاد، كما أن تلك المساعدات كانت مثارا للسخرية، نظرا لضآلة حجمها، بالمقارنة مع ما دمرته كل من السعودية والإمارات في اليمن.

وفي حين بات غالبية اليمنيين يدركون أن تلك الأعمال لم تكن سوى غطاء للدور التدميري الذي تقوم به كل من الرياض وأبو ظبي في اليمن فإنها لم تعد أهداف السعودية والإمارات من وراء الترويج لمشاريع مساعدات وإعادة إعمار تقدمها الدزلتان لليمن تخفى حتى على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بل وحتى الرأي العام العالمي

في مقال تحليلي نشره على موقعه، انتقد المعهد الأسترالي للشئون الدولية اتجاه السعودية والإمارات إلى التخفي وراء الدعم الإنساني والتنموي، الذي تروجان له، من خلال مشاريع بنى تحتية بسيطة في المحافظات اليمنية الجنوبية، لحرف الأنظار عن حقيقة تدخلهما في اليمن، ومحاولة التهرب من مسئولية ما دمرته الحرب التي قادتاها في اليمن على مدى ثمان سنوات.

 المقال الذي أعدته الدكتورة كاميليا الإرياني، الباحثة في كلية العلوم الاجتماعية والسياسية، جامعة ملبورن، أستراليا، سلط الضوء على أصرار السعودية على تقديم نفسها كوسيط بين الأطراف اليمنية لا طرف في هذه الحرب، كما هو واضح من تصريحات المسئولين والدبلوماسيين السعوديين، مشيرا إلى أن هذه التصريحات ليست عبثية فقط لمحاولتهم إبراز حياد السعودية، بل إنهم يسعون إلى تمثيل المملكة العربية السعودية كوسيط وصانع سلام بدلاً من كونها طرفًا في الحرب.

أكد المقال  أنه “طالما أن المملكة العربية السعودية (والقوى الإقليمية الأخرى) ترفض الاعتراف بذنوبها، في الماضي والحاضر، في أزمة اليمن، فإن دعوتها إلى السلام ستكون بلا معنى. تشير محاولات السعودية للادعاء بالبراءة في الحرب إلى رغبتها في الاستمرار في ممارسة السلطة والنفوذ على اليمن، حتى لو كان ذلك يعني الحفاظ على الوضع الراهن”.

وتطرق المقال إلى الدورة الذي يلعبه “البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن”، والذي يجري الترويج لما يقوم به من مشاريع في مجال البنية التحتية في عدن وعدد من المدن والمناطق جنوبي البلاد، مشيرا إلى ما يعرضه البرنامج عبر موقعه على الإنترنت وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي من مادة ترويجية حول هذه المشاريع.

وأشار المقال إلى الرسالة التي تحرص البرنامج على عرضها في كافة مواده الترويجية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تقول: “لقد كان مسعانا للمساهمة في تنمية البلاد والبشرية. رحلة متواصلة نحو المساهمة في تنمية الجمهورية اليمنية، حيث تجمعنا أواصر الأخوة والثقافة والجغرافيا “، معلقا عليها بالقول” “من الواضح أن هذا التصوير الذاتي يحجب تورط السعودية في العدوان على اليمن ومساهمتها في التدمير ذاته الذي تدعي التراجع عنه أو التخفيف منه”.

 

وأضاف المقال أن هذه المشاهد والقصص (المساعدات ومشاريع البنى التحتية) ليست جديدة، بل هي تقنيات قديمة استخدمتها السعودية لممارسة سلطتها على اليمن المحرومة اقتصاديًا، لافتا إلى أنه “منذ قيام الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962 (الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية من بين ستة ممالك مجاورة)، لعبت المساعدات التنموية والأمنية من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى دورًا مهمًا في تشكيل واقعها السياسي”.

وبخصوص الدور الإماراتي، أكد المقال أن المساعدات التي قدمتها الإمارات اتخذت منعطفاً أكثر مكراً في عام 2015، عندما انضمت إلى التحالف السعودي في حربه باليمن، حيث “وجدت الإمارات العربية المتحدة في التدخل فرصة للسيطرة على السواحل والمصالح التجارية والأمنية في اليمن من خلال دفع مشروع انفصالي جنوبي. بذريعة محاربة الإرهاب الإسلامي”.

وذكر المقال أن الاستراتيجية الإماراتية لم تختلف كثيرا عن نظيرتها السعودية، حيث “صوَّر القادة في الإمارات مشروعهم على أنه يوفر الدعم الإنساني الذي تشتد الحاجة إليه، في جنوب اليمن، إذ تتظاهر الإمارات بالبراءة من خلال عناوين رئيسية تجسد جهود إعادة البناء في عدن”.

 

وشدد المقال على أن المشاريع التنموية والمساعدات التي تروجها كل من السعودية والإمارات في اليمن، هي في الواقع “جزء من آلة الحرب نفسها”، وخاصة وأن التقارير والمعلومات حول إعادة الإعمار في اليمن بعد الحرب تكشف أن القليل قد تغير بالفعل عن مخططات التنمية السابقة، وأنه لم يكن هناك أي تغييرات جوهرية على أرض الواقع”.

وانتقد المقال موقف سلطات الرئاسي تجاه هذه المساعدات الموجهة لأهداف مضادة، مبينا أن التأثير الحقيقي لهذه الجهود (المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار)، يمكن استقراؤه من خلال موقف كل من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الحكومة معين عبد الملك وغيرهما من المسئولين والنخب السياسية الموالية للتحالف، حيث يعبرون جميعاً عن الامتنان باستمرار للدعم الذي قدمته السعودية والإمارات لليمن.

وفي مقابل ذلك يذكر المقال حرص السفير السعودي محمد آل جابر على إعادة تغريدات المديح الذي يكيله له السياسيون اليمنيون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل منتظم، مشيراً إلى أن السعودية والإمارات تحتاجان إلى تلك التصريحات من قبل المسئولين في الحكومة اليمنية، للحفاظ على سيطرتهما على اليمن، وبالتالي تجنب انتقادات منتقديهما لدورهما في تدمير البلاد، في حين يحتاج المجلس الرئاسي (الذي أنشأته الرياض وأبو ظبي في أبريل من العام الماضي بعد إزاحة عبدربه منصور هادي) إلى إظهار الامتنان والولاء المستمرين حتى يتمكنوا من البقاء في السلطة.

واختتم المقال بالقول: “إذا استمرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في لعب دور الأبرياء، واستمرت النخب السياسية اليمنية في الرضوخ لهما، فما هو الأمل الذي يفعله ملايين اليمنيين الأبرياء والعاديين المحرومين من أرزاقهم، وإلى أين يتجه مستقبل وحدة اليمن وسلامه”.

عن: YNP