المقالات

فلسفة الزيف والخداع في الحرب اللامتماثلة..!

الجديد برس : مقالات

بقلم / مصطفى الخطيب 

بعد سيل من الأسئلة الفلسفية، أدركت في قضية “المملكة” التي بسقوطها سيكتشف العالم ضخامة المشهد التي ستترتب على ذلك “سقوط مقيد”، نتيجة سلسلة حديدية ضخمة من كسر قرني الشيطان “بالمطرقة نفسها إلتي كانت تقمع بها الشعوب”..
فقد حوّلت اليمن الأسئلة الفلسفية والعين المندهشة والعقل الذي لا يستسلم إلى المسلمات على طريقة يدكرها إلى قوانين جديدة غيرت العالم..تقوده لاكتشاف نظرية تفسر الحقائق الجديدة..
[ الإكتشاف غير الاختراع في الحتمية الجدلية ]..فالمحصلة تقول إن إكتشاف الحقائق هو إزاحة الستار عن بواطن الموجودات الحياتية (للعدوان) بعين مندهشة تختبر المسلمات وتخلخل إيقونات اليقينيات..
ذلك يحيلنا إلى مرحلة مهمة من حرب الحقيقة الدائرة في “اليمن”، بموازاة حرب التاريخ الذي تسطو على جغرافية الأرض لليوم، علينا أن نضع المبضع في المكان المناسب لنكتشف، فواحدة من حداثة الحرب الزائفة في مرحلته الجديدة هي تضليل الحقائق لندخل بوابة حقول الحروب الزائفة ويتحول المخيال إلى مجموعة بحوث لها من المعطيات ما يؤهلها لتسلق مضمار حرب نفسية..
هنا علينا أن نتفحص المخيلة في وثائقية الحروب التي تنبأت بالانفتاح المجالات على غرار أفلام الخيال العلمي، إذ نجدها مدعاة للتفحص الجديد ضمن مخيلة الكشف عن الحقيقة الفاعل قبل أن تكون اي نبوءة..
على مر التاريخ كانت تأخذ الحرب من الصمود لغته وحقوله لصياغة النظريات كلاما وجداول ومدونات تخدم المسار الجاد، على حين حرب (المملكة) الحقيرة تدخل مؤخرة حقول السلام من هذي المجالات..في عملية تدعم الحقول السرمدية الكاذبة معاً..
إن العالم الزائف في مختبره اليوم يحاول أن يكتشف العلاج الناجم لأمراض حروب العصر؛ كمهندس جيولوجيا يكتشف مصادفة بئر النفط بصورة عرضية، او كالرحالة يرى المحيطات من عدسة المرقاب بعين مندهشة ..
لكن الدلائل الإلهيّة هي من جعلتنا نعثر على طريق سالك من دون هدى النجوم ويكون مختصرا ومؤديا لطريق إلى الأرض السالكة..
(أفعالٌ تولد من رحم الاكتشاف)…ذلك يعني انك تكتشف آلية جديدة ستؤدي حتما إلى المنجز المكتشف سواء في حقلي الحرب أو السلام ..فإكتشاف الحقيقة غواية للضلال عالقة في عنق الزجاجة..
لكن الحقيقة في النص التاريخي بعضا من دربة فكرية تعنى بالبحث الجمالي والمباحث المنتجة ومتخلصا من حبائل الصمود التي تأكل كثيرا من جرف العدو وفكره وبنيته وترسانته التراتبية، لاستدراجه نحو الطعم الخاص لتفاحة “المهلكة” لا لإشكالية السقوط ومعانيه من أعلى الشجرة..
فاليمني هو رسالةُ تأخذ من أجناسٍ سرديةٍ كثيرةٍ، فمن القصةِ اختزالُها وتكثيف لحظتها، ومن الرواية تعدد أصواتها ومتخيلها ورسم شخوصها المتعددة..
من الصمود تأويل لغة الحياة ومن المظلومية ترجمات لكل لغات العالم لتجعل مراكز البحوث والدراسات استطلاعاتها واستبياناتها، والجعل منه مدرسة في معاني الحياة ومعطياتها الفكرية المنتجة..
لكن عندما تصبح مهمة الحرب في الحديث مهمة تشبه الضربة الاستباقية في مفهوم الحداثة، فلن تجنح في الحرب اللامتماثلة إلى نحو المعلوماتية وتعزيز المتن الحكائي بالوثائق والخرائط والتضمين التضامني، لهذا السبب وأسباب أخرى تتواصل الحرب اللامتماثلة ضد اليمن في تربعها على المربع “الهمجي والحقود” في عصر المضلومية .
المحارب اليمني فيختزن ذلك كله ويطرحه ضمن سياقات الشرف ، تحفر به النصر الحقيقي وتنحت لغة وليدة مختلفة مأخوذة من المألوف اليومي وغير ملوثه بهجينيت (العدوان) المزيفة ومشبعة بلغة اليقينيات وغير متوصفة ..
وفي فن الحرب اللامتماثلة نجد هناك أكثر من آلية جديدة بعيدة عن أنماط التجريب المفتعلة.. فثمة عالم وعالم خلفي..ثمة وجوه وبواطن متخفية ثمة متن وهامش يتربع على القمة ثمة سطح وقفا المرآة العاكسة لأصل الحرب ثمة أصل للحرب ومنعكس عنها يرسم خريطة للحقيقة النسبية ثمة دال ومدلول يؤدي إلى نهاية النفق بسلام ثمة تفاحة شهية وسقوط يتحول إلى قضية كبرى “إسرائيل-أمريكا “..طبعاً !
وهنا التساؤل الأكثر إلحاحا، من يتقصى الطريق المظلم للبواطن والقفا والعوالم الخفية؟ ومنْ سيكتب عن الجند في عراكهم المستعر من الولادة حتى المشيب.. عن مقرات تجانيدهم التي تنظم (طوابير) الموت المؤجل وأوراق الكنى البيض الدساتير الشخصية لصنوف الأفراد، إذ تنظم لهم أيام التسريح ودفاتر الخدمة الموشومة بأسرار الغياب.. عن الهاربين القلقين في نومهم في حلم العذاب الأسر وهم يحلمون في سرقة سجلات الزيف والخداع.. عن النمط القاتل في رسائل الأسرى والجند معا الرسائل المتشابهة في الديباجة والختام ..عن المترهلات العاطلات عن العمل الباحثات عن (معاش).. عن الكراجات الحاكية وفنون الصمود على أرصفتها أيام اشتداد الحرب.. عن الحمامات العتيقة قبل أن تنقرض وتذهب أبخرتها الندية السحرية تحت القصف.. عن مراكز التدريب عن مراكز تسليم الشهداء.. عن جثث مرمية على الأرصفة وتحت الأنقاض.. عن اتساع المقابر وأضمحلال (المقايل) المترهفة.. عن الطب البسيط ومستشفيات مستغيثة ؟
كل تلك الأسئلة تستفز من يعمل على طريقة الدليل الإلهي الذي يكتشف الأرض الجديدة المؤدية إلى منظومة متكاملة تؤدي إلى آفاق لم تُجنس بعد بإرادة منقطعة النظير ..
الم تكن الحرب الحقيرة تنضيدا لأسئلة يومية ملحة؟ لذلك كله لم تعد الأجناس بمواصفاتها التقليدية تحتمل دراما الاغتيالات في الشارع المعاصر خصوصاً بعد أحداث العاصفة الهوجأ، وتحولات الفرد بكل ما اختزنه من تقلبات ومفاجآت يومية، فهذا الشارع يحوّل البعض إلى رهبان يستمتعون في قمع اعترافات وخطايا الأجيال التي مرّت عليه ليسجلها ضمن مذكراته العدوانية..
هنا علينا أن نسجل ملاحظة دقيقة في تحولات العالم من حولنا في العمل على بث جدية بحتية تأخذ من قضية أرض البحر الأحمر والعربي ما يدعم توجهاتنا إلية، والابتعاد عن خارطة التضليل القديمة في كل الإسقاطات العامة ومنها ما اُسقط على التاريخ والحاضر السياسي أو الاجتماعي أو الموروثات الحكائية أو مقارباتها أو الأساطير وتضميناتها، فهو يهضم كل معطيات مدارس الحروب القذرة، ليصبح لزاماً على (العدوان) البحث عن أسلوبية تشتغل في منطقة جديدة تلهي المجتمع بكل أصنافه وامتداداته،تثير الدهشة حولنا..
في الاخير قد تعتبر هذهِ الصياغة الحياتية المكتشفة من مختبر الشخصية اليمنية إلتي يقوده التفرد في صياغة مدمن “الحقيقية” التي بدت ملغزة أحياناً في حقب مختلفة للزايف المحدق بنا .