تقارير

الإمارات والسعودية في اليمن ..الأطماع وسياسات الاحتلال

الجديد برس / تقرير

 

لم يكن صعباً أن يستنتج المراقب للأحداث الدائرة  في الجنوب أن الرياض وأبو ظبي تتسابقان في السيطرة على المحافظات اليمنية في الجنوب ، وأن الفصائل المتناحرة قربانها التي تقدمه للوصول الى  مبتغاها ، إلا أن أحلام المتصارعون في الجنوب أكبر من أن يفيقوا منه لمعايشة هذه الحقيقة ، حيث أحكمت المملكة السيطرة على ميناء نشطون في محافظة المهرة، وبعدها استولى المجلس الانتقالي على مؤسسات الدولة بسقطرى وحديبو عاصمة الأرخبيل.

وسبق للقوات السعودية أن احتلت عدة نقاط برية بمحافظة المهرة باليمن، بإقامة ثكنات، ووحدات عسكرية متحركة، مع بداية ترسيم أماكن لأشغال مد أنبوب بترولي، وإحكام السيطرة على ميناء نشطون.

بعدها مباشرة استولى المجلس الانتقالي، المدعوم من قِبل الإمارات، على مؤسسات الدولة التابعة للحكومة الشرعية، بحجة التصدي لما يسميه المجلس الانتقالي بسيطرة الإخوان على مفاصل إدارة الجزر، وتسعى لتبرير الأمر الواقع. تكمن الخطورة في المرامي الانفصالية للمجلس فيما يعبر عنه بالإدارة الذاتية، ممَّا يشي بمرامٍ انفصالية.

أما فيما يخص محافظة المهرة فتسيطر السعودية عملياً على نقاط برية بداخلها، وتراقب ميناء نشطون بالكامل، وهو المنفذ الوحيد لليمن بعد إحكام المراقبة على مواني الحديدة بالبحر الأحمر، وعلى ميناء عدن ، لتستكمل خطة النفاذ إلى بحر العرب .

وبحسب تقارير موضوعية منها دراسة لمعهد كارنيجي الأمريكي، فإن أطماع السعودية في الحصول على مرفأ ببحر العرب قديمة، تعود إلى أيام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله الصالح، من أجل مد أنبوب بترولي يمكّن من تصدير البترول عبر بحر العرب، دون المرور بالخليج، ومَعبر مضيق هرمز، ومحاذير الاصطدام بإيران.

وإلى جانب ذلك كانت السعودية تسعى لتنفيذ مشروع قناة مائية، في مشروع أضخم من قناة السويس، تمتد من بحر العرب مروراً باليمن إلى السعودية، حتى الربع الخالي، مع مشاريع اقتصادية ضخمة، منها مشاتل للسمك ومنتجعات سياحية ومدن على شط القناة ولم يتحقق .

 

تغذية الصراع الداخلي للفرقاء السياسيون في الجنوب:

وجدت السعودية الفرصة المناسبة التي من خلالها ستحقق أطماعها وفرض الأمر الواقع ، بدخول الأحزاب والفصائل اليمنية في الجنوب في صراع النفوذ والسيطرة وسياسة الإخضاع ، التي يمارسها كل طرف للأخر، فبدأت في وضع أساس لمؤامرة جديدة استوعبت فيها شريكتها الإمارات ، دفع كليهما نحو نشر بذور الفرقة والإختلاف وإدخال وجوه سياسية جديدة في معترك الصراع لتبدأ في التخلص من أكبر القوى السياسية التابعة لها على الأرض وعلى رأسها حزب الإصلاح ،

إن ما يجري عملياً هو محاولة لتقسيم اليمن لوضع اليد عليه، وضرب السيادة اليمنية عرض الحائط.

تزامنُ الاحتلال الفعلي لمحافظة المهرة مع استيلاء قوات المجلس الانتقالي على سقطرى ليس من قبيل الصدفة، فقوات “التحالف” الموجودة بسقطرى لم تتدخل لصد المجلس الانتقالي عن فرض الأمر الواقع مما يفضح تواطؤها. ما يجري في المهرة كما في سقطرى هو عملياً التحضير لتقسيم “الكعكة اليمنية”.

ليس للحكومة “الشرعية” أي شرعية ، ولذلك لم تتجرأ كسلطة تابعة للتحالف على اتخاذ أي موقف ،

إعلامي وناشط سياسي من صنعاء يقول : “ليس على السعودية أن تعلن بأنها على اتفاق مع الإمارات لندرك أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية مخطط يهدف إلى عملية استبدال لما تسمى بالشرعية تبدأ بالقيادات العسكرية وستنتهي بالمسؤولين … يريدون لهذه الخطوة أن تتم على أساس أنها نتيجة صراع عسكري وسياسي لأن ذلك سيجعل الأمر يبدو وكأنه صراع إماراتي-سعودي وهذا من ناحية سيجنب الإمارات ضرباتنا باعتبارها تواجه السعودية وأياديها ومن ناحية أخرى سيشعرنا بنوع من الطمأنينة نظراً لاعتقادنا بأن تحالفهم بات في صراع مع بعضه يستنزف أدواتهم بينما يقوم التحالف بإعادة ترتيب صفوفه ومعالجة الاختلالات”.

 

السعي السعودي والإماراتي القديم الجديد للسيطرة على اليمن :

وتستمر السعودية والإمارات بخوض الحرب في اليمن، يدعم كل منهما فرقاء جنوبيين ، فالإمارات تعمل في تعزيز مجموعات انفصالية مختلفة في جنوب اليمن تتسبب بدورها في إضعاف اليمن أكثر فأكثر. بينما يحافظ السعوديون، على دعم التحالفات الإسلامية التي أنشأها من خلال الجناح العسكري للإصلاح علي محسن الأحمر، ولّدت هذه الخلافات تنافساً على النفوذ، وتسبّبت في اندلاع نزاعات ومعارك شرسة .

إلى جانب المقاربات العسكرية المختلفة التي تنتهجها كل من السعودية والإمارات، يشكّل اليمن أيضاً حلبة يبرز من خلالها الاختلاف في مقاربتهما للإسلام السياسي. لقد أيّدت الإمارات، بصورة شبه رسمية، العلمانية في السياسات الداخلية والخارجية لجميع الدول الإقليمية، وفق ما تكشف عنه تصريحات المندوب الإماراتي لدى الأمم المتحدة يوسف العتيبة، وبحسب ما ورد في مقال في صحيفة “الاتحاد” الحائزة على موافقة الدولة في أواخر آب/أغسطس الماضي. ويهدف ذلك، من جملة ما يهدف إليه، إلى وضع البلدان الأخرى في صورة أن الإمارات ترفض التشدد الإسلامي السياسي في الداخل والخارج. إلا أن هناك اقتناعاً حقيقياً لدى الإمارات بأنه من شأن اضطلاع رجال الدين بدور مستقل في شؤون الدولة أن يشجّع على التطرف ويهدّد الأمن الإقليمي. يعتقد محمد بن زايد أنه يستطيع، عبر الحفاظ على علاقات وثيقة مع السعوديين في اليمن، تشجيع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إجراء تغييرات في الميثاق الإسلامي السعودي.

لقد شجّعت الإمارات السعوديين مراراً وتكراراً على التخلي عن حزب الإصلاح، الذي يُعتبَر بمثابة الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين. ويرفضون العمل مع الإصلاح على أي أساسٍ كان وبدلاً من ذلك، اعتبروا أن المؤتمر ونجل صالح هما الخيارات الأنسب لتنفيذ خططها التوسعية الاستعمارية في الجنوب ،

وتدرك الإمارات أيضاً أن السعوديين وحدهم يستطيعون في نهاية المطاف إطلاق تغيير استراتيجي في التحالفات السياسية. في هذه الأجواء، ولذا تقاربت في اتفاق مع السعودية يتيح لها الاستمرار في ترسيخ دورها في الجنوب وفي البحر الأحمر،

وبالعودة الى السعودية ، فإنها طيلة الـ60 عاماً الماضية، حاولت أن تستغلّ الحروب الداخلية في اليمن لتحقيق أطماعها التوسعية في حضرموت، التي تتسم بمساحة واسعة تساوي ثلث مساحة البلاد ويربطها بالرياض شريط حدودي طويل يمتد من الخراخير حتى شروره في نجران. وعلى مدى العقدين الماضيين، تمكّنت السعودية من التوغّل في عمق الأراضي اليمنية في حضرموت، مستغلة الحروب الداخلية والاضطرابات السياسية التي عانى منها اليمن للتمدد في الشريط الحدودي، وابتلعت عشرات الكيلومترات على الحدود مع حضرموت. وخلال الفترة 2008 – 2015، استغلت أيضاً العديد من الظواهر التي تصاعدت في نطاق المحافظة، كانتشار «القاعدة» وارتفاع ظاهرة تهريب المخدرات. وهي ظواهر يعتقد الكثير من اليمنيين بوقوف الأجهزة السعودية وراءها، خصوصاً أن «القاعدة» نفّذت عمليات تخريبية لا يبدو أنها عشوائية. فخلال تلك الفترة، وقعت حادثة قتل أحد شيوخ صحراء حضرموت على يد أحد العناصر الأمنيين، والتي استغلّتها السعودية لإيجاد ميليشيات موالية لها تحت مسمى «قوات تحالف حضرموت»، كما وصل بها الأمر إلى مضايقة الشركات النفطية في المحافظة.

ومنذ بدأت تحالفها العسكري على اليمن ، حرصت الرياض على إبقاء حضرموت، الوادي والصحراء، بعيدة عن الصراع، لإدراكها أن القوات الموجودة هناك موالية لها، وأن لا صعوبات بالنسبة إليها في نشر أي قوات عسكرية لها هناك، على عكس المهرة التي ترفض ذلك الوجود وتصفه بالاحتلال. ومع اتساع نطاق تحركات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وتوعّده بالسيطرة على الوادي والصحراء، دفعت السعودية بقوات عسكرية ضخمة وتم دمجها في المنطقة العسكرية الأولى في المدينة.

لذلك، يرى مراقبون أن السعودية  بالاتفاق مع الامارات قد تمكّن «الانتقالي» من ممارسة دور شكلي في إدارة محافظات عدن وأبين وشبوة والضالع ولحج، ولكنها ستنفرد بالملفات في حضرموت والمهرة.

 

الدور الأمريكي في خدمة السعودية والإمارات ، المال مقابل الدعم .

صحيفة أمريكية نشرت تقريراً كشفت فيه حجم الدعم الأمريكي للسعودية والإمارات ، الذي يفوق الأرقام المعلن عنها بكثير ، مقابل الحصول على موافقة أمريكا ودعمها اللوجستي لهما لتعزز موقعهما بدون ضغط دولي ، وهو ما أفضى الى مشاركة مباشرة من القوات الأمريكية التي دخلت الى عدد من المحافظات الجنوبية لتهيئتها لتحكمها السعودية والإمارات

وحسب الصحيفة ’’ أن السعودية والإمارات تركزان جهودهما في الوقت الحالي على تحصين وجودهما في المواقع الاستراتيجية من اليمن، بالنسبة للسعودية محافظة  حضرموت والمهرة في شرق البلاد، وبالنسبة للإماراتيين شبوة وجزيرتي ميون وسقطرى.

وتخطط السعودية لإنشاء خط أنابيب نفط من المنطقة الشرقية للمملكة إلى المحيط الهندي عبر المهرة؛ ما يخفف اعتمادها على مضيق هرمز في تصدير النفط وتخفيض التأثير الإيراني على الرياض.

وقد أقام السعوديون خلال فترة تواجدهم بالمهرة 20 قاعدة وموقعا عسكريا، وسيطروا على نقاط الحدود مع عُمان، وسط ترقب من مسقط التي رفضت المشاركة في التحالف العسكري على صنعاء قبل سنوات.

وأظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، أن الإمارات تقوم ببناء قاعدة عسكرية كبيرة في جزيرة “ميون” التي لا تزيد مساحتها عن خمسة أميال مربعة، لكنها تعتبر مفتاحا للتحكم بباب المندب، بمساعدة قوات طارق صالح الموالية له ، وهو ما رد عليه التحالف بالتأكيد أن القاعدة تتبع له.

كما تستمر الإمارات في السيطرة على جزيرة “سقطرى”، وهي أكبر من “ميون”، وتعتبر بسكانها البالغ عددهم 60 ألف نسمة، الأكبر في أرخبيل سقطرى.

وذكرت تقارير إعلامية في الفترة الماضية عن زيارة سياح إسرائيليين للجزيرة كجزء من “اتفاقيات إبراهيم”. وزار آلاف السياح الإسرائيليين أبوظبي ودبي واستفاد بعضهم من الرحلات الأسبوعية إلى الجزيرة.

وتؤكد الصحيفة إلى أن السعودية والإمارات تتطلعان للحصول على منافع من المستنقع الذي قفزتا فيه عام 2015.

وخلصت إلى أن المكاسب المناطقية الاستراتيجية ربما كانت المنفعة الوحيدة من التكلفة الباهظة التي تكبدتها الدولتين الخليجيتين في انخراطهما بالحرب اليمنية بذريعة المحافظة على وحدة التراب، وهو ما تكذبه الوقائع على الأرض.