المقالات

في وداع الاستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم

في وداع الاستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم

الجديد برس : رأي

د فواد عبدالوهاب الشامي
قبل ايام قلائل فقدت اليمن احد مؤرخيها الكبار الاستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم مصري المولد يمني الجنسية والهوى , وقد كان له مواقف مميزة مع اليمن ومع طلابه وفي هذه السطور سوف اتناول بعض تلك المواقف والتي حضرت بعض تفاصيلها بحكم تتلمذي على يديه
– لم يكن الاستاذ القدير والمؤرخ الكبير د. سيد حريصا على ان يحصل على منافع مادية او مكانه رفيعة من بقائه في اليمن , فقد بدأ حياته استاذا في جامعة عين شمس العريقة في مصر بلده الاول ومسقط رأسه ثم تم انتدابه الى اليمن وشارك في تأسيس جامعة صنعاء ,وبعد انتهاء عقده اصبح لزاما عليه ان يعود الى جامعته في مصر والا سوف يتم فصله , ونظرا لان اليمن مازالت في حاجة اليه في تلك الفترة فقد وافق على ان يستمر في جامعة صنعاء الناشئة وترك جامعة عين شمس العريقة مقابل الجنسية اليمنية التي تضمن له البقاء كعضو هيئة تدريس في جامعة صنعاء , وهنا نجد انه فضل حبه لليمن ورغبته في تقديم كل ما في وسعه للمساعدة في تطوير الجامعة برغم المكاسب المالية والمعنوية التي كان سيحصل عليها لو انه عاد الى مصر الى جامعته العريقة ,واستمر في العيش في اليمن برغم احالته الى التقاعد حتى اضطر قبل الحرب الى ان يذهب الى مصر للعلاج ولم يتمكن من العودة الى اليمن بسبب اغلاق المطار وستمر فيها الى ان توفى
– وخلال سنوات طويلة من عمر جامعة صنعاء وصل اليها الكثير من الأساتذة من الدول الشقيقة والصديقة للتدريس في مختلف التخصصات وكان البعض منهم قد كتب عن اليمن قبل قدومه إليها , وبعض من اولئك كان يعيد النظر فيما كتب بما يتماشى مع توجهات سلطة البلاد , وكان الدكتور سيد قد الف كتابين عن اليمن قبل مجيئه اليها (تكوين اليمن الحديث ,الفتح العثماني الاول لليمن), وبعد ان اصبح استاذا في جامعة صنعاء تم اعادة طباعة الكتابين المذكورين مرات عديدة وكانت الطبعة الاولى هي نفس الطبعة الاخيرة دون تعديل او حذف او اضافة وذلك يوضح صلابة موقفه وثبات وجهة نظره وعدم خضوعه لأي ضغط او املاء برغم تعرضه لذلك , كما ألف خلال تواجده في اليمن لفترة طويلة ما يقارب من عشرة كتب عن اليمن بنفس المنهج وبنفس الرؤية مما جعل كتبة مرجع اساسي لتاريخ اليمن الحديث والمعاصر في مختلف الجامعات الحكومية والخاصة
– كان للدكتور سيد مواقف واضحة وثابته من التدخلات السعودية في اليمن وقد عمل طوال حياته العملية على توضيح ذلك من خلال كتبه , ورفض كل الاغراءات التي عرضت عليه من قبل السعودية لتعديل وجهة نظره السلبية من سياستها في اليمن , وكانت لجنة الحدود اليمنية قد استعانت به لجمع وتحليل الوثائق المتعلقة بالحدود السعودية الى جانب عضويته في فريق الحدود البحرية , وقد تنقل في بلدان عديدة بهدف جمع تلك الوثائق ,ولكن عندما تم توقيع اتفاقية جدة الحدودية عام 2000م عن طريق التفاهم السياسي حرص الدكتور سيد على توضيح الحقيقة فأستأذن الدكتور عبدالكريم الارياني رئيس لجنة الحدود لإخراج الجهد الذي بذله في كتاب اسماه (مراحل العلاقات اليمنية السعودية )وقد تسبب نشر الكتاب في اثارة غضب السعودية علية حتى ان احد السعوديين ذكر بمناسبة نشر الكتاب ان الدكتور سيد اصبح ملكي اكثر من الملكيين أي انه اصبح يمني اكثر من بعض اليمنيين , ونتيجة لمواقفه السلبية من السعودية لم يتمكن من زيارتها حسب علمي سواء في زيارة علمية أي بدعوة من الجامعات او المراكز البحثية السعودية او حتى زيارة خاصة (حج او عمرة ) واكتفى بحبه لليمن وارتباطه بهذه الارض الطيبة
– لم يكن الدكتور سيد استاذا ومعلما فقط بل كانت انسانيته تطغى على صفة المعلم في احيانا كثيرة , فقد كان لا يبخل على طلابه بأي شي يملكه فكانت مكتبته مفتوحة ومتاحة لطلابه , واذا لم يجد الطالب الكتاب او البحث الذي يريده في مكتبة استاذه كان الاستاذ يساعد طالبه في الحصول على مبتغاه من أي مكان يوجد فيه ,كما كان في اوقات كثيرة يقدم المساعدة لطلابه في أي مكان او ظرف يقدر عليه سواء في تدبير فرصة عمل او الحصول على تخفيض للرسوم من الجامعة او من الدراسات العليا او تدبير منحه دراسية , فقد كان يوظف علاقاته الواسعة ومكانته العلمية لمصلحة طلابه , وكان الدكتور سيد لا يفرق بين طلابه من حيث المكان الذي اتى منه او التوجه الحزبي الذي ينتمي اليه وكان الطالب المحتاج اقرب اليه من الطالب الذي قد لا يكون محتاج الى مساعده .
رحم الله استاذنا العزيز والمؤرخ القدير الاستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم ونظرا لوفاته خارج البلاد اتمنى من زملائه وطلابه في جامعة صنعاء وخارج الجامعة اقامة اربعينية تليق بمكانة القيد العلمية.