المقالات

الطريق إلى تحرّر الشرق العربي

الطريق إلى تحرّر الشرق العربي
=

الجديد برس : رأي

غالب قنديل

يطوّر المستعمر الأمريكي أدوات حروبه ضد معسكر المقاومة. وهو يستنبط أشكالا جديدة اقتصادية وسياسية وعسكرية في التعامل مع المحور، الذي تمرّد على الهيمنة، وأنشأ معادلة جديدة للقوى في الشرق العربي.
أولا: المرحلة التي نجتازها هي أقرب إلى مرحلة استجماع الإمكانات والقدرات في جبهات الصراع، والاستعداد لجولات جديدة قادمة، خلافا لما يتوهّمه البعض من تسويات مقبلة. فالواضح من المؤشرات السياسية أن المستعمر الأمريكي، الذي يصدر علامات الاستعداد لتسويات أو مهادنة أمام قوة يهابها، ويخشى التصادم معها كإيران، يحتفظ بجاهزية الاشتباك في مواقع أخرى متعددة، أبرزها لبنان وفلسطين وسورية واليمن، دون أن يتراجع خطوة واحدة في مساره العدواني ضد إيران على جميع الجبهات الاقتصادية والعسكرية.
فمن الواضح مدى الحرص الأمريكي على الاحتفاظ بوتيرة الضغوط والعقوبات والحصار، بل والاشتباك في بعض الساحات دون تغيير. ولا يبدو أن تلك الساحات ستذهب إلى تسويات وانفراجات مع استمرار الجاهزية العسكرية، ووتيرة الضغوط القصوى بأدوات العقوبات والحصار، وهو يشمل جميع أطراف محور المقاومة بما فيها إيران.
ثانيا: إن المعطيات الواقعية المتوافرة إقليميا تؤكد قيام الإدارة الأمريكية بفتح المسارين: مسار الاشتباك والتصعيد، ومسار المساومة والتفاهمات. وهي لا تتخلى عن أيٍّ من شروطها المعروفة، ولا عن حرارة دعمها للكيان الصهيوني، ورغبتها في بسط نفوذها اقتصاديا وسياسيا، وتحقيق اختراق لأيّ ساحة كانت من ساحات محور المقاومة، مع الإبقاء على جاهزية عسكرية دائمة للاشتباك والعدوان.
تلجم قدرات الردع التي يملكها محور المقاومة الحلف الأمريكي – الصهيوني، وتغلُّ يده في المبادرة، لكن ذلك لا يعني إلقاءه للسلاح أو اعترافه باختلال ميزان القوى. فالولايات المتحدة تقود مع عملائها وحلفائها في المنطقة حرب استنزاف ضد محور المقاومة من غير أن تضطر لسياسة “الأحذية على الأرض”، فهي كيّفت أدوات تدخّلها وعدوانها في الشرق العربي تبعا لميزان لقوى، وتطبّق مبدأ القيادة من الخلف والتدخّل في الميادين بوحدات عسكرية محدودة من قوات “النخبة” القادرة على تنفيذ العمليات الخاصة، تحاشيا لتكبّد خسائر بشرية كبيرة، والاكتفاء بضربات نوعية محسوبة كالاغتيالات والاختراقات الأمنية في استنزاف الخصوم، بينما قوتها المقاتلة ليست في ميادين الاشتباك، التي تشغلها قوات الوكلاء من الحكومات العميلة في المنطقة، ومن التشكيلات التابعة للاستخبارات الأمريكية.
ثالثا: في هذا المشهد يراهن الأمريكيون على الاستنزاف لإضعاف المواقف السياسية للقوى التي ترفض احتلالهم وتدعو إلى مقاومتهم. ويستدعي إلحاقُ الهزيمة بالإمبراطورية الأمريكية عملية استنهاض واسعة للإمكانات الشعبية والقتالية المهيأة لفرض توازن جديد لصالح حركات التحرّر في المنطقة. وهو التحدي الحقيقي، الذي يواجه القوى التحرّرية وحلفاءها معا، ويتطلّب تعبئة الإمكانات الشعبية وتأمين الموارد المالية والعسكرية للمواجهة القتالية، وتوفير مستلزمات الصمود الشعبي بخطوات اقتصادية عملية، بالإفادة من خبرات حركات التحرّر في العالم الثالث.
ونجد في هذا المجال أن دعم كل من العراق واليمن ولبنان وقطاع غزة هو الاستحقاق الواجب على جميع أطراف محور المقاومة، المطالب كذلك بالالتفات إلى سبل دعم الجبهة السورية على صعيدي النقلة الهجومية في تحرير ما تبقّى من مناطق محتلة، وتوفير مستلزمات الصمود الاقتصادي. فسورية هي رأس سهم استراتيجي للمحور، كما هي قوة مؤهلة لدور كبير وحاسم في مستقبل التوازنات الإقليمية، وفي قلبها لمصلحة محور المقاومة والاستقلال.
لم يعد يفيد البقاء على سياسة انتظار مفاعيل الاستنزاف الجاري لحلف العدوان. فتطوير المبادرات دفاعيا وهجوميا يتطلب حشد المزيد من الإمكانات والقدرات. وهذ مهمة مشتركة لأطراف المحور في المنطقة، وبالذات لكلٍّ من إيران وروسيا والصين.
* كاتب لبناني