المقالات

بايدن والشرق الأوسط ” الصعب” هل تعود الحروب بالوكالة

بايدن والشرق الأوسط ” الصعب” هل تعود الحروب بالوكالة

الجديد برس : رأي

طالب الحسني

عندما وصل اوباما إلى البيت الأبيض 2008 كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أوج قوتها العسكرية ، على الأقل بالنسبة للشرق الأوسط بعد أن غزت بلدين _ أفغانستان والعراق – وبدأت تهدد أنظمة اخرى من بينها الدولة السورية ، وروج مجرموا الحرب على العراق أن تهريبا مزعوما  لسلاح ” الدمار الشامل ” قد حصل وبعلم دمشق .

ما زلنا نتذكر أن المرشح الديمقراطي الأسمر باراك حسين اومابا كان يعدُ في برنامجه الإنتخابي بسحب القوات الأمريكية من العراق – مضى حتى الآن 12 عاما  ولا يزال الوجود العسكري الأمريكي في العراق بل وتوسعه إلى سوريا ، ولكن هذا لا يعني أن الديمقراطيين يعتمدون عليها في سياستهم الخاريجية بل لديهم سلوك آخر يعتمد على الحروب بالوكالة وتثوير الداخل واستخدام المعارضات والجماعات المسلحة وتمويل الفوضى..

لقد وصف من يعارضون ” الربيع العربي ” الذي اجتاح المنطقة العربية منذ 2011 وأدخل بعضها في حروب ونزاعات أهلية مثلما حصل في ليبيا وسوريا ،  بأن ذلك له علاقة بما يسمى  “الفوضى الخلاقة ” في إشارة إلى ارتباط الولايات المتحدة الامريكية بعملية التثوير .

من المهم أن أُشير هنا إلى ما ذكره اوباما في مذكراته ” ارض الميعاد ” عن دوره في إقناع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في إعلان التنحي تحت ضغط الشارع عام 2011، بينما لم يفعل الأمر ذاته مع البحرين التي شهدت هي الأخرى ثورة شعبية، قمعتها السلطات البحرينية بدعم سعودي،  وبتدخل عسكري مباشر بعد أن أدرسلت قوات ما يسمى درع الجزيرة لقمع الاحتجاجات  وعللت ذلك بأنه يأتي ضمن اتفاقية الدفاع المشترك الخليجية  ( لا تنطبق الاتفاقية على قمع المواطنين في دول الخليج ) ومع ذلك تم تمريرها

لكن الصورة الأكثر وضوحا لاعتماد الديمقراطيين على دعم المجموعات المسلحة بالاموال والسلاح وأحيانا بتدخل جوي محدود ما فعلوه في سوريا وليبيا منذ 2011-2016 .

كذلك في اليمن 2015 حين شجعت الولايات المتحدة الامريكي السعودية في إعلان التدخل العسكري باستخدام شماعة ” إعادة الشرعية ” .

 هذا النوع من  الضوء الأخضر الأمريكي يدخل ضمن الحرب بالوكالة وهي الطريقة المفضلة لدى الديمقراطيين الامريكيين ، وإليكم بعض الأمثلة على مدى الـ 70 عام التي مضت فقط وهناك امثلة قبلها .

_ في أيام الرئيس الأمريكي  هاري ترومان – ديمقراطي –  كان  وراء توسيع  حرب الكوريتين الشمالية والجنوبية 1950-1953 بعد أن دعم كوريا الجنوبية ضد جارتها الشمالية – نجحت امريكا في منع المد الشيوعي من توحيد كوريا الشمال والجنوب  تحت توجهه

_ في نهاية عهد الرئيس الامريكي الديمقراطي جيمي كارتر – حدثت  حرب الخليج الأولى ( الحرب العراقية الايرانية )( 1980-1988)  وكان الإمام الخميني في خطابات وكتابات متعددة يحمل جيمي كارتر دعم وتدشين الحرب وبيع السلاح وتحريض النظام العراقي

_ في صيف عام 1994 وقف الرئيس الامريكي بيل كلنتون- ديمقراطي –  مع الرئيس صالح في اجتياح الجنوب بعد فشل الاستمرار في الوحدة  التي وقعت عام 1990 ، ولولا أن صالح أعطي ضوء أخضر من الولايات المتحدة الامريكية  لكان تردد في إعلان الحرب

_ وقفت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة وراء ما سمي ” بالحركة الخضراء ” في الجمهورية الاسلامية في ايران 2009 عندما شجعت  مير حسين موسوي ومهدي كروبي للخروج للشارع ومحاولة الإطاحة بالنظام الايراني كله ، ثم فشلت فيما بعد ولكن بعد أن احدثت متاعب كبيرة على ايران اقتصادية وسياسية  بعضها لا يزال حتى الآن .

_ هذه بعض الأمثلة بالاضافة إلى امثلة مقاربة ، كدعم جورجيا في مواجهة روسيا الاتحادية  2008 فهجوم جورجيا العسكري على ابخازيا وجنوب اوسيتيا وهي جمهوريات مستقلة اعترفت بها روسيا وفنزويلا  وبعض الدول الاشتراكية  بعد أن استقلت عن جورجيا .

الهجوم الذي شنته جورجيا وفشل حدث بدعم من الولايات المتحدة الامريكية .

_ وفي العام 2014 وفي منتصف فترة اوباما الثانية دعمت واشنطن بقوة  احتجاجات اوكرانيا والاطاحة بالرئيس الحليف لروسيا يانوكوفيتش وكادت أن تحصل مواجهات أمريكية روسية ، قبل وبعد أن قامت الاخيرة بضم القرم إليها .

_ وفي العام 2016 تؤكد شواهد كثيرة أن محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كانت بتدبير من ادارة الرئيس الديمقراطي اوباما ، ولعل العلاقة غير الجيدة بين بايدن واردوغان واحدة من أسبابها ، فامريكا حتى الان ترفض تسليم المعارض التركي فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب .

ومقابل هذه المحاولات باستخدام المعارضات والتي تتكرر في عهد الديمقراطيين ينسب إليهم  تأسيس القاعدة وداعش في منطقة الشرق الأوسط ، واستخدامها كشماعة للتدخلات وللضغوط ، رغم الادعاء الأمريكي أنها تقود الحرب على هذه التنظيمات، قبل أن تتكشف حقائق مغايرة ، ولعل تصريحات المرشحة السابقة للرئاسة الامريكية ووزيرة الخارجية في الفترة الأولى من رئاسة اوباما هيلاري كيلنتون بشأن علاقة واشنطن بداعش تكررت كثيرا ـ فضلا عن التشبيك الذي يقوم به الحزب الديمقراطي في كل مرة يتولى السلطة الامريكية مع المعارضات والمنظمات في أغلب البلدان العربية وبلدان منطقة الشرق الأوسط بهدف استخدامها كاوراق ضغط ، سواء كان البلد حليف أو غير حليف لواشنطن .

منشأ هذه السياسة ” للفرع ” الديمقراطي من النظام الأمريكي قادمة من فكرة تٌعرف بالسلامية   (مؤتمر بلاسكو 1901 ) وهي شكل من أشكال مناهضة الحرب المباشرة والاعتماد على دعم التحرك الشعبي والاحتجاجات والمجموعات المسلحة والمعارضات بشكل عام وكيفما تكون مقابل تحييد الولايات المتحدة الامريكية الصدام المباشر أو التفرد فيه .

 بينما يميل الجمهوريون عبر التيار الطاغي فيهم المعروفين بالمحافظين الجدد إلى تعزيز التدخل في الشؤون الدولية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لـ ( إحلال السلام ) باعتباره حزبا يمينيا يؤمن بالتغيير العنيف على المستوى الخارجي .

ولهذا نجد أنهم تدخلوا تأريخيا  بشكل مباشر عسكريا وسياسيا وبصورة واضحة في معظم الحروب الأمريكية ، وإذا حصرنا فقط من حرب فيتنام – أيام الرئيس الجمهوري نيكسون 1960- 1975 ةوما بعدها

  ولاحظوا هنا أن التدخل غير المباشر في حرب فيتام كان في عهد الرئيس الديمقراطي جون كيندي 1955 ، ثم اخذت شكل الحرب الهجينة بعد موت جون كيندي ووصول جونسون  – ديمقراطي  بعد تزايد النفوذ الشيوعي في الحرب ، ومن الملاحظ أن الديمقراطيين أفشلوا إعادة جونسون إلى البيت الأبيض بسبب خروجه عن سياسة جون كيندي في حرب فيتنام التي تعتمد على الحرب بالوكالة وتخفيف التدخل المباشر.

 لقد ازدادت وتيرة التدخل المباشر اثر تولي نيكسون – جمهوري قبل أن تنتهي بالفشل الامريكي والانسحاب المذل .

كذلك  حرب الخليج الثانية بوش الأب جمهوري عندما ارسل قوات عسكرية لاخراج صدام حسين من الكويت 1991 وما سمي بدرع الصحراء ثم غزو أفغانستان 2001 وغزو العراق 2003 في عهد الرئيس الجمهوري جورج جورج بوش .

تجدر الإشارة أن الحكم على السياسة الخارجية لكلا الحزبين يبنى على السائد والسمة الغالبة في توجه كلا الحزبين ، وهذا يعني امكانية وجود تداخل طفيف في سياسة الحزبين لكنها لا تغلب على الطابع العام لكل منهما .

بهذه المقاربات التاريخية والشواهد الكثيرة يمكن فهم السياسة الامريكية عندما يتولى الديمقراطيون السلطة واستشراف ماذا سيقومون به، والملاحظ أن الفوارق بين رئيس ديمقراطي وآخر من نفس الحزب طفيفة ، فبايدن هو نسخة من رؤساء امريكيين ديمقراطيين سابقين مثلما كان اوباما نسخة أيضا من رؤساء امريكيين سابقين .

وما يجعلنا نجزم أن بايدن سيعود لسلوك الديمقراطيين المعهود باستخدام الحروب بالوكالة ومحاولة تثوير الشعوب والاعتماد على دعم المعارضات والمجموعات المسلحة أن الشرق الأوسط أصبح صعب ، حتى على الحروب المباشرة ، ظهر هذا بشكل اوضح في عهد ترامب فرغم عنصريته وتطرفه وتهوره لم يتمكن من اخضاع ايران واستخدام القوة العسكرية ضدها ولكنه استخدم أقسى العقوبات الاقتصادية .

صعوبة التعامل مع الشرق الأوسط يعزز توجه بايدن للبدء في تحريك السياسية القائمة على التدخلات عبر الحروب بالنيابة والتواصل مع المعارضات ، وربما هذا الخط من التعامل بدأ ، فبايدن تحدث عن مصر بطريقة توحي بأنه سيعيد التواصل بالاخوان المسلمين ، سيقوم بذلك أيضا في السعودية ، وسيدعم المعارضة التركية ضد اردوغان ويعيد المحاولة مرة اخرى مع الداخل الايراني ان وجد فرصة ، والفرصة هنا محدودة بعد أن بات الشعب الايراني أكثر تشددا حيال الولايات المتحدة الامريكية وتصاعدت  بعد خروجها من الاتفاق النووي الايراني وفرض عقوبات جائرة واستهداف الشهيد الجنرال قاسم سليماني ، فالمحافظون فازوا فوزا ساحقا في الانتخابات البرلمانية وسيفوزون في الانتخابات الرئاسية منتصف العام القادم ، وربما تحدد من الرئيس المقبل بعد أن رشح القيادي الكبير في الحرس الثوري ومستشار السيد على خامني ووزير الدفاع الايراني الحالي الجنرال حسين دهقاني نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة .

والخلاصة سنوات بايدن ستكون صعبة في الشرق الأوسط  ولكن سلوك الحروب بالوكالة واستخدام المعارضات في الدول المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية ستكون هي السائدة .

كاتب وصحفي يمني

نقلا عن رأي اليوم