المقالات

عن الخيواني و الرئيس “الموَسْوٍس” و .. مَطَب كبير إسمه الوطن

عن الخيواني و الرئيس “الموَسْوٍس” و .. مَطَب كبير إسمه الوطن

الجديد برس : رأي

أكرم عبدالفتاح

٤ يوليو ٢٠٠٧

عبدالكريم الخيواني : صحفي يحمل قلما و نظارة و قلبا شجاعا مثخنا بالمرض و متخما بأفكار حرة يطلقها مصحوبة بابتسامته الهادئة دوما.. في حين يصفه “غريمه” بأنه قائد الجناح العسكري لحزب ما (حزب لم يتبق منه غير إسم يذيل بيانات تستجدي إعادة مقره و صحيفته), و مؤخرا وصفه “غريمه إياه” بأنه رئيس جماعة إرهابية مسلحة تسعى لـ (قلب نظام الحكم) و إعادة الإمام أحمد إلى عرشه في المتحف الوطني ” دار البشائر سابقاً ” !.
أما “غريمه” هذا فمن الواضح أنه يحمل الكثير من الوَساوِس, فقد ظل طوال 30 عاما يتحِـفـنا بهواجسه عن الأخطار التي تستهدف ثورة قامت و انتصرت منذ ستينات القرن الماضي , و تبخرت أهدافها منذ جلوس فخامته على العرش الرئاسي محاطا بعشيرته الحاكمة !.

لأنه وجد نفسه مضطرا لإطلاق سراح الخيواني عام 2005م, بأثر ضغوط الدول المانحة و مضطرا لاسترضائها بالإعلان عن التزامه إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر.. فقد كان على الرئيس إيجاد تهمة أخرى لتهديد الخيواني و استخدامها للزج به في السجن حين لا يكون للتهديد جدوى , و قد فعل ذلك في كذبته الشهيرة قبل عامين حين أعلن أن صحيفة الشورى (التي كان الخيواني يرأس تحريرها أيامها) هي الجناح العسكري لحزب “العجائز”.
طبعا هو أعلن هذه التهمة بلسانه .. و بنفس الثقة التي أبلغ بواسطتها قيادات الأحزاب – الأسبوع الفائت – بوجود مؤامرة انقلابية على النظام الجمهوري , و أن هناك (مجلس إمامة سري!!) في اليمن و تحدث عن مخطط لقلب نظام الحكم تنفذه جماعة إرهابية يتزعمها الخيواني!! .. قال هذا بنفسه و أيده في هذا وزير داخليته الذي حضر ليشهد بصدق حديث “الفندم”.

و لأنه أعلن هذه الاتهامات بنفسه و كررها باعتبارها حقائق يوقن بها شخصيا .. فإن لا أحد يمكنه إنكار أن مشكلة الخيواني مع السلطة ليست سوى مسألة ضغينة شخصية “من جانب الرئيس على الأقل” .

منطقيا ً .. فإنه يفترض ألا يكترث أحد لما يصدر عن ضغينة رجل متعَب بهاجس كونه الحارس الأبدي للجمهورية الديمقراطية و حاميها من أخطار الإماميين و الانفصاليين و التتار و الصحفيين و حتى المريخيين أعداء الوطن , و ما يخوضه من حروب ضد “طواحينهم” المستفزة لفروسيته المتحفزة على الدوام.. فالمنطق لا يحبذ الانسياق وراء انفعالات شخصية هي ليست سوى إحدى مضاعفات الضجر لدى الرجل الطيب و ما يكبته من غيظ تجاه أولئك الحوثيين الملاعين الذين لم يسمحوا له بالانتصار عليهم في حروب آخر العمر التي لا يحق لنتائجها أن تخرج عن نطاق أدْعِـيَـة المشفقين عليه بـ ( حسن الختام) .. كما أنه و لاعتبارات أن الضجر يحيل الزعماء الملهمين إلى شخصيات سماوية لا تصلح إلا لتصدر روايات “ماركيز” عن بطاركة جمهوريات أميركا الجنوبية المرهقين .. لذا فلم يكن من الصائب و لا المنطقي أن يقاد الخيواني إلى السجن … لكن المنطق – أولا و أخيرا – شيء لا تستسيغه فطنة أشاوس الأمن القومي و السياسي و المركزي و لا سلطة له على شاويش زنزانتهم -الجزائية المتخصصة- المتيقظ دوما بصافرة الإدانة… هم أصلا يتعاملون مع الوطن بمنطق اللاعب (الحريف) .. فــ لنتخيل ما يعنيه وجود حكم متخصص في احتساب و تنفيذ ضربات الجزاء…

نعود إلى صاحبنا .. فبعد تصدر صاحب الفخامة ببسالة لمهمة الإعلان عن جريمة الخيواني و تبني الأمن القومي لها و طرحها رسميا في الصحف “الدسمة” للسلطة .. تكون المفاجئة الكبيرة أن النيابة قررت تغيير التهمة التي قبض على الخيواني جراءها .. و قطعا فإن مجرد قيام النيابة بتغيير التهمة بعد مرور أسبوع يعد دليلا على بطلان التهمة السابقة و يشير أن الذين لفقوها (بهذا الشكل المخيف و العالي المستوى) كانوا يهدفون إلى إرهاب الخيواني و مبادئه الشجاعة .. كما أن ذك يمكن اعتباره تأكيدا إضافيا لفكرة الاستهداف المبني على ضغينة شخصية ..

عادت النيابة لتقول أن التهمة هي (ترويج أفكار الحوثيين) و هي تهمة “بايته” كما يبدو كونها تأتي بعد توقف الحرب و توقيع اتفاق إنهاء الأزمة بشكل حاسم, إضافة إلى أنها تصدر بحق الخيواني الذي سّرَقت صحيفته وحُجب موقعه الالكتروني و انتهى به الحال عاطلا عن العمل باستغناء حزبه عنه بذلك الشكل المريب! .. إذ و بعد هذا كله لم يعد أمامه أي متسع للترويج لأي شيء أو حتى لنشر إعلان طلب وظيفة لا تمس كرامته الأعلى من كل خصومه.
و التهمة المعدلة لا تعطي مبررا لاقتحام منزل الخيواني و اعتقاله بذلك الشكل الهمجي , كما لا تمنح النيابة و محكمتها أي صلاحية للأمر بسجنه احتياطيا كل هذه المدة على ذمة تهمة تتعلق بالرأي, و حتى في حال تثبيتها فهي تستوجب إطلاق سراحه فورا بالضمان الشخصي (ولو لمراعاة حالته الصحية إذ لا مخاطر متوقعة من إطلاق سراحه) كون القضية تتمحور حول تهمة متعلقة بالرأي و لا علاقة لها بأية وقائع ذات تأثير مادي . أقول هذا مع وجود حقيقة مطلقة يعرفها الجميع و هي أن الخيواني لم يكن يوما من المروجين لشيء سوى أفكار الحرية و العدالة, و حتى في حالة أنه قام حقاً بنشر أفكار الحوثيين فلا يمكن اتخاذ ذلك الفعل حجة عليه كون مهنته الصحفية تفترض عليه نشر وجهة النظر الأخرى في أي قضية عامة.. و إلا فما هي مهنة الصحافة و ما الذي يعنيه مبدأ حرية التعبير عن الرأي ؟
و حتى لو سرنا جدلا مع الاتهام بأنه كان يتبنى أفكارا معينة ترفضها السلطة فهو أمر مشروع تكفله له كل مواثيق حقوق الانسان و مبادئ حرية الرأي و التعبير و فوق هذا فهي لا تبرر العملية العسكرية التي نفذها مغاوير الأمن لاقتحام منزله .. فهل للقانون و المسئولين عن تنفيذه و احترامه رأي آخر؟

المشكلة أننا جميعا مواطنون في بلاد “مدوخة” لا نريد أن نفكر فيما يحدث و لا فيما يجب أن يجري إزاءه .. لاحظوا معي :
لدينا رئيس جمهورية يوجه تهمة مخيفة لصحفي ( قلب نظام الحكم و تزعم مجموعة من القتلة) , لم يقل أنها مجرد تهمة بل تحدث باعتبارها حقيقة مؤكدة و فيما يشبه حكم إدانة…. ذاك الصحفي المغدور مرمي في السجن ممنوعا عن الزوار بعد اقتحام منزله و ترويع أسرته بشكل يخجل من طريقة تنفيذه حتى جهاز الشاباك الطيب الذكر (قياسا بما لدينا طبعا)..
ثم تأتي النيابة لتعلن أن تهمة الصحفي ليست سوى (الترويج لأفكار الحوثيين) ..

و الآن .. فإن الحال مع التهمة الجديدة و ما قد يترتب عليها (وفق ما عودتنا عليه “مِـصْـلابَـة” أصحابنا إياهم) و حتى باحتمال إدانة الخيواني .. فسيكون من حقه (و من حق أسرته أيضا) أن يقاضي جهاز الأمن القومي بتهمة اقتحام منزله دون مبرر مقبول و مطالبتهم بتعويض عن الضرر النفسي و الأدبي و من ثم عقابهم على الجرم الأخلاقي المتمثل بتهديد حياة زوجته و أطفاله, من خلال سجن منفذي الاقتحام و من أمر به ..

الجميل في الأمر أن مجرد قيام النيابة بتعديل التهمة ضد الخيواني يشكل – ضمنياً- دليلا حاسما على بطلان ما قاله رئيس الجمهورية بحق الخيواني و سيكون من حق هذا الأخير مقاضاة رئيس الجمهورية و وزير الداخلية بالحق الشخصي كونهما تعمدا تشويه سمعته و قاما بتلفيق تهم باطلة ضده و بشهادة قيادات الأحزاب . و عليه يفترض أن يكون العقاب ضدهما مغلظا بحكم المناصب التي يشغلانها و كونهما استغلا منصبيهما للإضرار عمدا بالرجل.
طبعا هذا كله يمكن أن يحدث لو أن الخيواني و رئيس الجمهورية يعيشون في ظل دولة تحترم نفسها و قوانينها و تحترم حقوق مواطنيها و تكفل الحد الأدنى من نزاهة السلطة القضائية .
و حتى إذا لم يطالب الخيواني و أسرته بما هو حق ثابت لهم فسيكون لأي (عاقل !!) القطع بأن ما حدث من افتراءات و تلفيق للتهم الكيدية هو أمر تفترض مبادئ العدالة أن لا يمر دون محاسبة و إعمال للقانون بحق مرتكبيها .. فماذا إن كان قائلها هو رئيس الدولة ؟ .. لذا – و من وجهة أخرى – فإن عدم محاسبة الرئيس على اتهاماته للخيواني هو أمر يعتبر دليلا حياً و حاسما على أن فخامته هو المنتهك الأول لسيادة القانون و هو ما ينتزع منه أية شرعية (حقيقية كانت أو مزورة) للبقاء في منصب رئيس دولة العدل و والنظام والمساواة و سيادة القانون .. أليس كذلك؟!!

أسباب أم نتائج ؟
ما يعانيه الرئيس حاليا هو اكتشافه لصعوبة إنجاز ما يطمح إليه من توريث السلطة لإبنه من بعده و ما ترتب من تعقيدات في وجه هذا الطموح منذ تدشين الخيواني لحركة الرأي المعارضة للتوريث. و ما يعانيه الخيواني من الضغائن الرئاسية هو بناتج تصدره لقائمة المجاهرين برفض التوريث و بجرأة فادحة تميزه عن كثيرين إضافة إلى صفاته الأخرى التي منها صلابته و عدم رضوخه للتهديدات و المساومات, أقول هذا و لا أغمط زملاءه الآخرين ما بذلوه و يبذلون في سبيل ذات المبادئ النبيلة.

لكن ما يفاجئنا به الرئيس هو أنه كثيرا ما يتناسى كونه يحكم البلاد بموجب ديمقراطية صورية مقومها الأساس هو حرية الصحافة (رغم العراقيل و الخروقات التي نعرفها بسبب نسيان فخامته المتكرر).. و هي الركيزة الوحيدة إلى جانب التعددية الحزبية (التي هي أصلا كسيحة و لا تأثير لها على شكل السلطة و أدائها لأسباب يعرفها كثيرون).. و غني عن القول أن اعتقال الخيواني و مصادرة الحريات الصحفية ستكون نتيجته الأولى سقوط الركيزة الوحيدة التي تستند عليها إدعاءات سلطة الفندم بنهجها الديمقراطي و لا يترك من مجال للتباهي أمام المجتمع الدولي بديمقراطيتها الرائدة.
و إذن .. فما يجب أن يحدث هو إطلاق سراح الخيواني فورا و هذا قرار مناط بصاحب الفخامة شخصيا على الأقل كي يحافظ على شكل اللعبة الديمقراطية…….
.. كما أن سجن الخيواني سيعيد الصحفيين و أصحاب الأقلام الحرة إلى خيارات (رفع سقف حرية الصحافة) و هو ما سيفرض على السلطة مضاعفة قضاة المحاكم المتخصصة و نياباتها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الصحفيين الذين سيتنافسون لتجاوز و اختراق ثوابت “الأسرة الحاكمة و أساطين الفساد” أو ما يسميه إعلام الحزب الحاكم بـ (الثوابت الوطنية)!

كلمة هادئة لـ (أخواننا اللي فوق) :-

الأقلام التي تعتبرونها مزعجة .. تركتْ لكم ولحزبكم صناديق الانتخابات و لجانها و نتائجها تفعلون بها ما تشاؤون …و رضيت فقط بالجانب الأضعف من حقوقها الديمقراطية (أو بالأصح :الإنسانية) المتمثلة بحقوق التعبير و حرية الصحافة. و هي بالنسبة لأولئك تمثل خط الدفاع الأخير عن الذات و الرابط الوحيد الذي يربطهم بمعنى فكرة المواطنة و إحساسهم بآدميتهم .. و بدونها فلن يكون لأكذوبة ديمقراطيتكم الانتخابية ما يسترها في واقع يسحقه الفساد و الجهل و تصادر آدمية الخانعين له ممارسات شخصنة السلطة و الاستبداد الفردي.
و ليكن معلوما أن لا شيء نهتم به قدر حريتنا في الكلام .. لا يهمنا من يكون الرئيس بقدر إهتمامنا بقدرتنا على التعبير عما نشعر به إزاءه و ما نؤمن به في مواجهة أفعاله . و ليكن معلوما قبل هذا أن الصحفيين لا يشكلون أي خطر على سلطتكم كوننا في مجتمع 70% منه يجهلون القراءة و 90% لا يقرأون الصحف أصلا .. و ما تبقى يضم نسبة كبيرة لا تعي ما تقرأه و لا تريد ذلك.. و إلى درجة يمكن معها القول أن ما يكتبه الصحافيون الناقدون لا أحد يقرأه سواهم (إضافة إلى أجهزة الأمن و موظفي وزارة الإعلام و كتبة التقارير ..).

يا فنادم .. إن بلادأ بلا وَعْي هي بلاد بلا شعب .. لذا فلا ترهقوا أنفسكم بمخاوف لا مبرر لها و لا شعب يدركها.. اتركوا الصحفيين يكتبون. هم فقط يكتبون لإنقاذ أنفسهم من الانفجار الدماغي و كي يخرسوا رغبتهم في التمرد على كل البذاءات من حولهم. و لا لزوم للتأكيد على أن الترهيب و السجن لن يكونا عائقا إزاء إرادة فكرة دافعها ضمير يرفض الخرَس..
خلاصة القول هو فكرة يؤمن بها الجميع و مفادها أنه: حين تصادر الحريات و يمنع حق التعبير يتحول الوطن إلى سجن، و يكون السجن أوسع من الوطن. و لن يكون وحده خيارنا الأخير.
______________________________________________

ملاحظة:
هذه المقالة رفضتها كل صحف المعارضة في ذلك الوقت (الثوري، النداء، التجمع، الوسط…) خوفا من ردة السلطة التي كانت في أعلى حالات سعارها ضد الصحفيين.
اعتذار الصحف عن النشر لخصه “سامي غالب” بقوله: معنا قضايا كثيرة في المحكمة و مش ناقصين…

الوحيد الذي تحمس للنشر كان “محمد المقالح” رئيس تحرير موقع “الاشتراكي نت” في تلك الأيام.