المقالات

السعودية: من المملكة القائدة الى الدولة المستباحة.

السعودية: من المملكة القائدة الى الدولة المستباحة.

الجديد برس : رأي

عيسى المساوى

ما إن تعافى النظام السعودي من تداعيات الضربة النوعية التي استهدفت منشآت ابقيق – خريص في 14 سبتمبر 2019م وأدت الى خسارة أرامكو أكثر من 5 مليون برميل نفط في اليوم، حتى تعرضت مدينة ينبع الصناعية الى ضربة نوعية جديدة في 21 فبراير 2020م استهدفت منشآت أرامكو وأهدافهاً حساسة أخرى ومعها تهديدات اضافية بضربات موجعة للنظام السعودي إن استمر في عدوانه وحصاره.
قوة الضربة أحدثت ارباكاً واضحاً لتحالف العدوان الذي سارع الى الاعتراف بأن صنعاء منْ تقف وراء الضربة ليشكل هذا الاعتراف اقراراً ضمنياً بأن صنعاء وليس إيران منْ تقف وراء استهداف منشآت ابقيق – خريص أيضاً.
بعض مشاهد الفيديو التي التقطها المواطنون أظهرت ليل ينبع مُضاءً بلون الحرائق المشتعلة في المدينة الصناعية لتؤكد أن ما قاله العميد سريع من أن العملية أصابت اهدافها بدقة كان صحيحاً، وأن رفض شركة أرامكو التعليق على أسئلة وكالة رويترز لن يفلح في التستر على حجم الدمار الذي طال منشآتها.
هذه المرة تسود قناعة بأن النظام السعودي وليس صنعاء هو من تسبب باستهداف ينبع حين أضاع بمحض ارادته مبادرة صنعاء التي حمت الأجواء السعودية لعدة أشهر، غير أن خروقات الرياض المتكررة استوجبت الرد الذي سيظل سيفاً مسلطاً على رأس النظام السعودي ما استمر في عدوانه، وهو ما يعني أن العمق السعودي بات تحت رحمة صنعاء الواضحة بتهديداتها ورؤيتها للحل.
” لن تنعم السعودية بالأمن والاستقرار طالما استمر العدوان على اليمن ” معادلة واضحة فرضتها صنعاء بقوة صواريخها البالستية وطائراتها المسيرة تاركة الرياض وواشنطن عاجزتين عن تغيير هذه المعادلة، فأحدث منظومات الدفاع الأمريكية وغير الأمريكية أثبتت فشلاً ذريعاً في صد هجمات صنعاء، لكنها نجحت نجاحاً طاغياً في استنزاف الرياض الغارقة بين مستنقع اليمن وجشع الحليف الأمريكي العاجز عن حمايتها من مجرد مليشيا انقلابية حسب منطق الرياض المكبلة بعقد النقص ومرارة الهزيمة أمام صنعاء التي كانت حديقتها الخلفية لعقود من الزمن وحولها أنصار الله الى قوة ضاربة كسرت أنف النظام السعودي ومرغت وجه الدولة القائدة في وحل الهزائم المتلاحقة، وها هي اليوم تغرز اصبعها في عين الرياض محذرة إياها من خطورة الدخول في مرحلة الألم الكبير في مشهد بالغ الدلالة يكشف بوضوح عن غياب أي ملامح للمملكة القائدة.
لقد ظلت المملكة العربية السعودية بحضورها الوازن وموقعها القيادي على الساحتين العربية والإسلامية دولة مرهوبة الجانب تتمتع بكل مقومات القوة والقيادة على مدى عقود من الزمن، وخلال هذه الفترة الطويلة لم تجرؤ أكبر قوة اقليمية على مجرد التفكير بالدخول معها في حرب مباشرة، فالنظام العراقي الذي تجاسر ذات مرة واطلق عدداً من الصواريخ البالستية على العمق السعودي إبان حرب الخليج الثانية تعرّض على مقصلة الرياض لأبشع عملية انتقام انتهت به الى السقوط، ومع ذلك لم تهدأ نقمة المملكة القائدة إلاّ بعد أن حولت الدولة العراقية بكل مقوماتها وثرواتها الى دولة هشة تطحنها الصراعات الطائفية والأزمات.
مع مجيء الحقبة السلمانية وتسلم محمد بن سلمان زمام السلطة حدث تحول جذري لم يكن في الحسبان،
فهذا الرجل المثير للجدل نجح وبزمن قياسي جداً في تحويل المملكة من دولة قائدة على مستوى المنطقة يُحسب لها ألف حساب الى دولة عاجزة عن حماية أجوائها أو الدفاع عن حدودها الجنوبية النازفة.
خمس سنوات من العدوان على اليمن كانت كافية لاحداث هذا التحول الرهيب في مكانة وقوة الدولة السعودية التي باتت اليوم مسلوبة الإرادة والقرار تتلقى الصفعات تلو الصفعات من صنعاء بينما صرخات الرياض المستنجدة بأحدث ما في ترسانة العالم العسكرية تفشل في تحييد صواريخ صنعاء الماضية بكل ثبات واقتدار صوب الجولة الفاصلة.
باعتقادي أن هذه التصدعات التي أحدثتها صنعاء في جسد المملكة العظمى سيعقبها تصدعات خطيرة جدا كتلك التي يُحدثها انهيار جبال الجليد، أقلها أن حركات التحرر في الجزيرة العربية أصبحت أكثر جرأة وجسارة على توجيه حمم ثورتها المحتدمة صوب معقل وحش آل سعود الذي لم يعد كاسراً، ولم لا وقد شاهدت بأم عينها كيف تداعت قوة المملكة القائدة أمام بأس الرجال الحفاة وتحولت في غضون خمس سنوات الى المملكة المستباحة!!
فهل ستدرك مملكة اليوم العجوز ان قرار العدوان على اليمن كان خطأ قاتلاً لن تنجو من تبعاته المدمرة؟
لا أتصور ذلك، فكل مؤشرات السقوط تتسع باتساع مقامرات النظام السعودي الجاهل بحقائق الجغرافيا السياسية والمتجاهل لحقيقة تاريخية أن اليمن مقبرة الغزاة وستصبح قريباً مركزاً لتحولات ستعيد رسم خارطة الجزيرة العربية من جديد لتضيف حقيقة تاريخية أخرى عن اليمن أنها الطوفان الذي ابتلع ممالك النفط.

نقلا عن صحيفة المراسل