المقالات

قوى الهيمنة.. صناعة الجوع وترويض الإرادات

قوى الهيمنة.. صناعة الجوع وترويض الإرادات

الجديد برس : رأي

سامي عطا

من يعتقد أن نظام عصابة ٧/٧ هو الجاني الوحيد على هذا البلد إنما يريد أن يضلل الناس عن بقية الجناة الحقيقيين، ويمنحهم صكوك براءة وغفران؛ فلقد انضم لاحقاً إلى وأد ثورة فبراير ٢٠١١م عدد من هؤلاء الجناة الجدد، بعضهم بحسن نية والبعض الآخر بسوء نية من داخل أحزاب كنا نظنها أحزاب معارضة، كما لا يقتصر الجناة على قوى محلية، بل يتعداه إلى إقليمية ودولية تربطها شبكة مصالح تكونت وتوسعت خلال أربعة عقود أو يزيد.
 مثلما سطت هذه العصابة على آلام الناس وأوجاعهم وأعادت تدوير نفسها بمساعدة شركائها الإقليميين والدوليين، فإنها ما برحت منذُ أن شنت حربها العدوانية على هذا البلد قبل أكثر من أربع سنوات تحاول أن تعيد الكرة عبر حصارها الاقتصادي وقطع رواتب الناس بهدف صناعة آلام وأوجاع للناس ودفعها إلى الانتفاض؛ وبالتالي تصنع من آلامهم ومعاناتهم وأوجاعهم (كوبري) للعودة إلى سدة الحكم. والحصار الاقتصادي وصناعة الجوع وسيلة من وسائل التحكم في انفعالات الناس أدركتها من خلال نظرية الانعكاس الشرطي، إحدى النظريات العلمية التي وضعها العالم الروسي بافلوف في نهاية عشرينيات القرن العشرين. وهذه النظرية تربط بين التغييرات الفيزيولوجية والعقلية – النفسية للفرد وأساسها الجوع. حيث وجد تلازم شرطي بين طول فترة الجوع والحالة النفسية للجائع، وكلما طالت فترة الجوع ازدادت حالة الجائع النفسية حدة.
لقد بات الجوع صناعة، كما لاحظ المفكران فرانسيس مورلاييه وجوزيف كولينز، ويجري توظيفه في الترويض السياسي للشعوب والسيطرة على إراداتها. وفي تقديم الدكتور فؤاد زكريا لكتاب صناعة الجوع وخرافة الندرة، الصادر عن عالم المعرفة (العدد ٦٤) يقول: “لقد أصبح الغذاء في عالمنا سلاحا سياسيا مستخدما ببراعة، وبلا ضمير، في تذويب مقاومة الشعوب الفقيرة وإخضاعها لسياسة الدول التي تمسك بمفاتيح مخازن الغلال في العالم”. أي بات الجوع صناعة يتم بواسطته التحكم والسيطرة وترويض الإرادات -كما أسلفنا- من قبل قوى الهيمنة، يتم بواسطته تثوير الناس عند حاجتها للإطاحة بأي نظام سياسي لا يروق لها توجهاته، حيث يتحول غضب الجائع في وسائل إعلام الهيمنة إلى “ثورة”، وما إن تظفر قوى الهيمنة العالمية بمبتغاها، حتى يتم دفنها، لا بل وتذهب إلى ممارسة القمع على نشطائها المخدوعين ممن صدقوا أنها ثورة ويرفضون الانخراط في ألاعيب قوى الهيمنة العالمية وترميهم في غياهب السجون والمعتقلات، وتتغافل عن انتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية الغائبة أو المنتهكة.
ولذا، إذا كانت الثورة تختلف سماتها من عصر إلى عصر آخر، فإن سمة الثورة اليوم تهدف إلى الاستقلال عن التبعية والارتهان والوصاية والاعتماد على الذات، وكل فعل يناقضها ليس ثورة، إنما ثورة مضادة بامتياز.
 ومن الطبيعي ألا تسمح قوى الهيمنة باستقلال الدول وتجهض كل فعل يهدف إلى ذلك. ومن الطبيعي أن تجهض أي ثورة حقيقية تحمل برنامج فك التبعية ورفض للهيمنة، لأن ذلك يقوض ويقلص مصالحها ويتعارض معها، بيد أن من غير الطبيعي أن تنساق الشعوب إلى برامج ضد مصالحها وتستمرئ تبعيتها وارتهانها.
 وعلى نخبنا أن تخرج من دائرة فجورها السياسي ورغبتها في الانتقام والثأر السياسي، وعليها أن تعي أن سلوكها هذا نتاج جمودها وتمسكها بأفكار مسبقة معزولة عن الواقع الراهن ومشكلاته، أو هي نتيجة انبهار (انظر مقدمة كتاب د. جلال أمين “التنوير الزائف”) ساقته إليه الشعور بعار تخلف بلدها بالنظر إلى تقدم الغرب، ولذا عليها أن تغادر قوالبها النظرية الجامدة، وان تفهم أن تطبيق المفاهيم، ناهيك عن معانيها، يختلف زمانياً ومكانياً.