المقالات

مرافعة بدوية بين يدي «جيفارا بوند»

مرافعة بدوية بين يدي «جيفارا بوند»

الجديد برس : رأي

السلام على شارب ثوري أمسـى حزام بنطلونوعلى مداد ثورة أضحى زيت سرويس
مرافعة بدوية بين يدي «جيفارا بوند»
صلاح الدكاك
يا رفيقي الميت الذي يتظاهر بكونه لايزال على قيد الحياة… كم تبدو اليوم أشبه بفزاعة وخيال مآتى مضحكة مبكية لم تعد تثير حتى خوف العصافير، بعد أن كنت قبل نحو قرن ونصف القرن، تصطاد بسنان ثوريتك العالي والمديد نسور مجرة درب التبانة… يا رفيقي الذي يقرفص اليوم على ضفاف الوحول والمستنقعات، ويتصيد بصنارة صدئة الديدان والرخويات والعلب الفارغة والقطط النافقة، ليطهوها على شرف دعاوى الحداثة والتمدن، متخماً بوهم أنه نبي اليسار الذي تنازل عن أظافره لوجه السلام على كوكب الأرض.
يا رفيقي الذي يناشد بشبق متغطرس، ضحايا اليمن أن يرفعوا أيديهم عن زناد بواريد الصيد غير الآلية ومقابض مناجل يذودون بها مسوخ الأرض عن رقابهم، لكي يشيع السلام على الكوكب، موقناً أن رقاب المستضعفين، لا سواطير الجلادين، هي التهديد الأوحد للبشرية والعصا الناشبة في دولاب الحياة وعجلات الحضارة والتقدم الإنساني.
يا رفيقي الميت سلفاً، دعني أسجل مرافعة أخيرة قصيرة بالإنابة عن الضحية، بوصفي بعض نسيجها المستهدف بسواطير السماء الغربية التي تستظل تحتها وتعبُّ سطول البيرة في حدائق إنسانيتها الوحشية، وتبرق مناشداتك الفوقية من مقاعد باراتها الشاهقة إلى كائنات الحضيض القصي من الكرة الأرضية، حيث دبابات وبوارج وحاملات طائرات أرباب حداثتك تخنق منافذ الهواء وتتقرصن على كسرة خبز المفقَّرين وكبسولة دوائهم.
دعني أسجل مرافعة أخيرة عن الضحايا الذين تناشدهم السلام بالاستسلام لآلهة الأساطيل المعولمة ومشاة بحرية تكساس ودراكيولات باركينغهام وداونينغ ستريت وكاوبويات البيت الأبيض.
إنها بالأحرى ليست مرافعة، بل مناشدة وجيزة، لكنها كثيفة الجرأة وفارطة الوقاحة بلا حدود. إنها تحدٍّ بدوي يضج بروح الكهف العالي الذي وصفته أنت بالرطب وغير المتمدن.
إنني أتحدى إنسانيتك وشاربك الثوري اليساري العتيق وذقنك الحليقة الناعمة الليبرالية الناتئة بفوقية كسيحة.
إنني أتحدى كل هذه الخلطة الآنفة التليدة والطارفة فيك، أن تقنع مجندة صهيونية تلاحق طفلاً مقدسياً وتكسر عظام ساعديه ومرفقيه، بأن تلقي هراوتها وتخلع بزتها الكاكية لنوبة واحدة من نوبات تهشيم المفاصل فقط… نوبة واحدة فقط تخلع خلالها توحشها المتمدن وتعلقه على مشجب السلام، وسأضمن لك حينها أن ترفع الضحية لسنوات إصبع عنفها عن زناد البندقية، وأن يكف الأطفال المقدسيون عن رشق الحجارة على بلدوزرات تجريف البيوت، والغزيون عن إطلاق الطائرات الورقية على المغتصبات الصهيونية وإحراق إطارات السيارات في تماس جدار الفصل العنصري الضاغط على أضلاعهم منذ قرن ونصف القرن.
أتحداك يا رفيقي الفزاعة أن تقنع كل حضارة إنجلترا بأن توقف صفقة موت مؤلل ومجنزر واحدة فقط من صفقاتها مع شبق مسوخ البترودولار والبداوة الديجيتال. أتحداك أن توقف لموجة واحدة زحف يباس صحراء القار على مشاتل تهامة وفل الجاح وصنادق البؤس والعوز في حرض وميدي وحيران.
أتحداك يا رفيقي الذي خلع شاربه الثوري وضفر من شعره الكث حزام بنطلون وربطة عنق مماثلة لربطات جيمس بوند ومشنقة مدنية ناعمة لعنقه اليساري المكابر العتيق، أن تقنع بصقة معسكرات الاحتلال البريطاني “عبدربه هادي” بأن يرفع رأسه بوصة واحدة تحت حذاء جندرمة الإمارات والمملكة، ويخفض بوصة واحدة فقط، رجليه المرفوعتين لشهوات مشيخات اللواط الوهابي البتروديني، عوضاً عن أن يهدد برفع العلم الجمهوري في “مران”.. عندها سيكون بوسعنا أن ننسحب – كما تطلب منا – إلى “كهوف ثوريتنا العالية الرطبة…”، آمنين على رقابنا من سواطير دولتك الانتقالية المطية وشرعيتك اللزجة المقرفة، تاركين لك ولـ”جيفارا بن بريك” “ألق المدينة” المحتضرة بـ”الخمور المغشوشة والحشيش المضروب” وعُصي سجون أربابك السرية المحشورة في مؤخرات رفاقك في الحزب وفي مشترك العمالة الخليط وفرسان المدن المحررة بالشيكات السعودية الإماراتية.. والسلام على رجولتك إن عجزت – وستعجز ولا ريب – عن تنفيذ شرط المرافعة اليسير والوحيد أعلاه… والسلام على رفيق كان، ورفاقية متحولة إلى خيال مآتى برطانة صاخبة وخواء روحي عميم…
انتهت المرافعة.