الأخبار المحلية تقارير

عدن والمكلا في عتمة قاتلة.. فساد السلطة وتبعية الخارج تهدد حياة السكان

الجديد برس| تقرير خاص|
يشهد الجنوب اليمني، وتحديداً عدن وحضرموت، موجة جديدة من الانقطاعات المتواصلة للتيار الكهربائي، بعد خروج محطات التوليد عن الخدمة نتيجة نفاد مادة المازوت، الأمر الذي فاقم معاناة السكان ودفع الشارع إلى حالة غير مسبوقة من الغضب والسخط على السلطات المحلية وحكومة عدن ومجلس القيادة الرئاسي الموليان للتحالف. ففي عدن أعلن مسؤولون فنيون عن توقف التوربين الخامس في محطة الحسوة، ما أدى إلى فقدان 25 ميجاوات دفعة واحدة من المنظومة الكهربائية، بينما شهدت مدينة المكلا احتجاجات شعبية واسعة عبّر فيها المواطنون عن استيائهم مما وصفوه بـ”التخاذل المتعمد” من قبل السلطة، محملين إياها كامل المسؤولية عن استمرار الأزمة.
ورغم أن الأزمة بدت طارئة للوهلة الأولى، إلا أنها في حقيقتها ليست إلا امتداداً لسلسلة طويلة من الإخفاقات المتكررة في ملف الكهرباء بالجنوب، إذ لم تنجح الحكومات المتعاقبة منذ 2015 في وضع حلول مستدامة، واكتفت بمعالجات ترقيعية سرعان ما تتلاشى مع أول أزمة وقود. ويتداخل البعد السياسي مع الاقتصادي بشكل واضح، فالحكومة في عدن والمجلس الانتقالي الجنوبي يتبادلان الاتهامات ويحاول كل طرف استغلال الملف كورقة ضغط في صراعات النفوذ، فيما يظل المواطن عالقاً في العتمة والحرارة اللاهبة.
المفارقة الصادمة تتجلى في حضرموت، المحافظة التي توصف بأنها أغنى مناطق اليمن بالنفط، لكنها في الوقت ذاته عاجزة عن تشغيل محطاتها الكهربائية. فسكان المكلا والغيل يصرخون من العتمة، ما دفع الكثيرين لوصف ذلك بـ”النهب الممنهج”، إذ تغرق المدينة فوق بحر من الطاقة لكنها تعيش بلا كهرباء.
هذا الواقع كشف عن بعد آخر للأزمة يتمثل في غياب الشفافية، حيث تتحدث السلطات عن توريد شحنات من الوقود لكنها إما لا تصل أو تُباع في السوق السوداء، وسط اتهامات بضلوع قيادات سياسية وعسكرية نافذة في رئاسي وحكومة عدن في تجارة مربحة تحوّل معاناة الناس إلى مصدر إثراء غير مشروع.
الأبعاد الإنسانية للأزمة لا تقل خطورة، فالانقطاعات الطويلة تعني توقف أجهزة المستشفيات، ومعاناة الأسر الفقيرة العاجزة عن شراء بدائل كالمولدات أو الألواح الشمسية، فضلاً عن الطلاب الذين يعيشون دوامة مستمرة من الانقطاع في مواسم الدراسة. ومع الطقس القاسي الذي يميز مدن الساحل الجنوبي، حيث تمتد موجات الحر والرطوبة لنحو ثمانية أشهر، يتحول غياب الكهرباء إلى تهديد مباشر لحياة الناس وصحتهم.
الأزمة الحالية تعيد إلى الأذهان محطات سابقة من الغضب الشعبي، فعدن شهدت في 2017 و2018 احتجاجات واسعة وصلت إلى اقتحام مؤسسات حكومية، كما تكررت في 2020 مع جائحة كورونا عندما عجزت المستشفيات عن استقبال المرضى، واندلعت في 2023 و2024 موجات احتجاجية جديدة في المكلا والغيل، اتهمت فيها القبائل الحكومة بـ”ترك الناس يواجهون الموت البطيء”. واليوم، ومع استمرار نفس الدوامة من الوعود والتوقفات، يزداد شعور المواطنين بأنهم رهائن لصراع سياسي لا علاقة له بحقوقهم البسيطة.
في شهادات الأهالي يتضح حجم اليأس، فمواطن من المكلا يقول: “حضرموت تجلس فوق بحر من النفط لكنها غير قادرة على تشغيل محطاتها الكهربائية. إنها مفارقة موجعة”، فيما يضيف ناشط من عدن: “كل صيف ندخل في نفس الدوامة: وعود بتوريد وقود، توقف مفاجئ، احتجاجات، ثم وعود جديدة”. هذه العبارات تختصر مأساة الجنوب مع الكهرباء: أزمة مزمنة تحولت إلى عنوان للفشل الإداري ومرآة لواقع سياسي مشوش وفساد مستشرٍ.
إن ما يجري في عدن وحضرموت لم يعد مجرد خلل فني أو نقص وقود، بل هو انعكاس لأزمة حكم عميقة، تتشابك فيها مصالح الفساد مع التبعية للخارج وصراعات القوى، فيما يبقى المواطن وحده من يدفع الثمن. ومع تصاعد الغضب الشعبي، تبدو المحافظتان على أبواب انفجار اجتماعي أوسع، قد يعيد رسم خريطة النفوذ في الجنوب ويكشف عجز السلطات القائمة عن إدارة أبسط مقومات الحياة.