الأخبار تقارير عربي ودولي

ذا إنترسبت: منظمات غير ربحية أميركية تموّل إبادة غزة

الجديد برس|
بينما تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في اجتياح غزة، مخلفةً عشرات الآلاف من الضحايا غالبيتهم أطفال ونساء، كشف موقع ” ذا إنترسبت” الأمريكي عن تورط منظمات غير ربحية أميركية في تمويل مباشر وغير مباشر للعمليات العسكرية الإسرائيلية، عبر دعم برنامج “الجنود المنفردين” الذي يجنّد مراهقين أميركيين للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، والمشاركة في حرب الإبادة الجماعية على القطاع.
وتُظهر وثائق مسربة أن تمويلًا منظمًا قادمًا من الداخل الأميركي يغذّي آلة القتل الإسرائيلية. وباسم “دعم الجنود”، تُبنى شبكات دعاية، وتجري حملات تجنيد، وتُغطّى الانتهاكات، في تجاهل فجّ لكل القيم الحقوقية والمبادئ الدولية.
وقال الموقع إن منظمة “نيفوت”، ومقرها نيويورك، هي واحدة من نحو 20 جمعية أميركية غير ربحية تعمل في أكثر من 20 ولاية، وتُموّل برامج “الجنود المنفردين” بشكل منهجي.
وتستهدف هذه البرامج مراهقين يهودًا من الولايات المتحدة، وتسهّل انضمامهم إلى وحدات عسكرية إسرائيلية، بما في ذلك الوحدات التي تنفذ عمليات قتالية مباشرة في غزة.
وبين عامي 2020 و2024، أنفقت هذه المنظمات أكثر من 26 مليون دولار على برامج تشمل التجنيد، التدريب، الإسكان، الدعم النفسي، والأنشطة الترفيهية للجنود المنفردين.
أما عام 2023، الذي شهد تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق في غزة، فكان العام “الأكثر ربحية” وفقًا لتحليل أجراه موقع “ذا إنترسبت” استنادًا إلى الوثائق الضريبية للمنظمات.
غزة: ساحة تجنيد وقتل
منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتفع عدد المتطوعين الأميركيين في الجيش الإسرائيلي بشكل لافت، إذ يُقدّر عدد المجندين الجدد أو العائدين للخدمة من الولايات المتحدة وحدها بـ 7,000 جندي.
في المقابل، توثق تقارير فلسطينية ودولية عن مذبحة جماعية أودت بحياة أكثر من 58 ألف فلسطيني، نصفهم تقريبًا من الأطفال، نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر.
وتنشر منظمة “نيفوت” وغيرها من الجمعيات صورًا ومقاطع فيديو ترويجية تُظهر جنودًا منفردين وهم يتدربون أو يقاتلون في غزة، وأحيانًا يقدمون شهادات تُمجّد مشاركتهم.
وتروج المنظمة لفعاليات ميدانية مثل “يوم في ميدان الرماية” على أنه “جرعة من المتعة”، في حين تُظهر المقاطع أن معظم المشاركين يخدمون في الوحدات القتالية في غزة.
غسيل صورة الاحتلال
أحد أبرز المتحدثين باسم هذه البرامج هو الجندي الأميركي السابق إيلي وينينجر، الذي خدم في الجيش الإسرائيلي وعاد للولايات المتحدة ليصبح متحدثًا و”قدوةً للشباب”.
وفي فعالية دينية بولاية ألاباما، قال إنه “تلقى تعليمات بعدم قتل الأطفال الفلسطينيين”، نافياً ارتكاب الجيش الإسرائيلي أي جرائم. إلا أن هذا التصريح يتناقض بشكل صارخ مع إحصاءات الأمم المتحدة، التي تؤكد قتل أو إصابة أكثر من 50 ألف طفل في غزة منذ أكتوبر 2023.
وتعتمد هذه المنظمات على شبكة واسعة من المدارس الدينية، والمخيمات الشبابية، وبرامج “غارين تزابار” المرتبطة بحركة الكشافة الصهيونية، لتجنيد الشباب الأميركيين منذ سن مبكرة.
في بعض المدارس الأميركية، مثل مدرسة فريش في نيوجيرسي، يتم الاحتفاء بعدد الخريجين الذين انضموا إلى الجيش الإسرائيلي، وتُعرض صورهم في منشورات تُبجّل مساهماتهم العسكرية.
القانون الأميركي والتساهل المقصود
رغم أن القانون الفيدرالي الأميركي يمنع التجنيد داخل الأراضي الأميركية لصالح جيوش أجنبية، فإن التبرعات، والدعاية، وتشجيع الانخراط في الجيوش الأجنبية تظل قانونية.
ووفقًا لوزارة الخارجية الأميركية، لا يُطلب من المواطنين الأميركيين إبلاغ الحكومة بخدمتهم في الجيوش الأجنبية، ما يجعل تتبع أعدادهم الفعلية أمرًا صعبًا.
ورغم ما تشكله هذه الأنشطة من خطر مباشر على السياسة الخارجية الأميركية ومبادئها، فإن الوزارات المعنية (الدفاع، والعدل، والخارجية، والهجرة) تتقاذف المسؤولية دون أن تُقدّم موقفًا واضحًا أو موحدًا.
منظمات تغذّي الحرب
أكبر داعم مالي معروف لبرنامج الجنود المنفردين هو منظمة “أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي”، التي أنفقت قرابة 20 مليون دولار منذ عام 2020، وتدعم سنويًا أكثر من 6500 جندي منفرد، نصفهم تقريبًا من داخل دولة الاحتلال.
وتُقدّم المنظمة الدعم “النفسي والمادي والتعليم” لهؤلاء الجنود، وتفخر بأنها الجهة الأميركية الوحيدة التي تعمل مباشرة مع قيادة الجيش الإسرائيلي.
منظمة أخرى تُدعى “لواء بيت”، رفعت ميزانيتها السنوية من 160 ألف دولار عام 2022 إلى 1.3 مليون دولار عام 2023، وتُقدّم إمدادات ميدانية لوحدات قتالية إسرائيلية منها وحدة “ياهلوم” المختصة بحرب الأنفاق، والتي قادت عمليات تدمير وهدم واسعة في غزة.
وفي الضفة الغربية، حيث قتل الجيش والمستوطنون أكثر من 1000 فلسطيني منذ أكتوبر 2023، تقيم جمعيات مثل “أصدقاء الجنود المنفردين في عيمك” حفلات موسيقية ترفيهية للنساء اللواتي خدمْنَ في غزة، في مشهد يبرز حجم التواطؤ الإعلامي والدعائي الذي يغسل وجه الاحتلال الدموي.
تجنيد مغلّف بالولاء والهوية
بيكا ستروبر، التي خدمت سابقًا كجندية منفردة، عادت لاحقًا لتصبح ناشطة مناهضة للاحتلال، وقالت لموقع “ذا إنترسبت” إنها جُنّدت حين كانت في السابعة عشرة، من خلال وفد مدرسي إلى دولة الاحتلال.
وأشارت إلى أن البرامج التعليمية والتربوية التي تُشرف عليها حركات كشافة مثل “تسوفيم” تُهيّئ الأطفال مبكرًا للتجنيد، حيث يُغسل دماغهم تدريجيًا ليصبحوا مستعدين للانضمام إلى جيش ينفّذ عمليات ضد الفلسطينيين.
تقول ستروبر: “الجنود المنفردون هم أداة استراتيجية لإبقاء الجاليات اليهودية الأميركية متورطة عاطفيًا في المشروع الصهيوني. كلما كان أحد أفراد عائلتك في الجيش الإسرائيلي، قلّ استعدادك للتفكير النقدي أو الاعتراض، لأنك ببساطة تعرف شخصًا قد قُتل أو أصيب في الخدمة”.
ومع تراخي السلطات الأميركية في مراقبة أو وقف هذه الأنشطة، فإن استمرار هذا التدفق المالي والبشري يعني أمرًا واحدًا: أن الولايات المتحدة، وإن بشكل غير مباشر، شريكة في الحرب المستمرة على شعب غزة.
المصدر: موقع وكالة سند