المقالات

حضرموت على صفيح ساخن!

الجديد برس| بقلم- أحمد ناصر حميدان|
ما يحدث في حضرموت هو تكرار سيناريو ما حدث في عدن 2018م و2019م، وهو البحث عن الذرائع والمبررات لتكون أرض الجنوب اليمني ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية وصراعات الخارج، وإثخان الواقع بالمزيد من العنف، ليتحوّل أبناء الأرض لمجرّد وقود لمعارك السيطرة والتمكين للطامعين بالوطن، ولن يتأتّى ذلك دون إضعاف التماسك الوطني الجنوبي، بل إضعاف قوة الجنوب، وتجريده من أهم مقوماته وهو التمسك بالأرض والسيادة عليها، السيادة على الأجواء والبحر والأرض بكل ما فيها من جزر وسواحل.
للأسف إن الإقليم لم يستوعب بعد أن اليمن مقبرة الغزاة، والجنوب عصيّ على التقسيم والتفتيت والاستحواذ والسيطرة والتمكين.
لا خيار لأبناء الجنوب غير المحافظة على تماسكهم الوطني من أجل الحفاظ على الأرض والسيادة والثروة، فاليوم نحن في الذكرى الثامنة والخمسين للاستقلال الوطني في الجنوب اليمني، خرج آخر مستعمر بريطاني من أرضنا الطاهرة، فهل سنسمح له بالعودة عبر أدواته الإقليمية؟
فالخارج مهما كان هذا الخارج، مصالحه وأطماعه فوق أي مصالح واتفاقات وتحالفات، وخاصة إن كان هذا الخارج أدوات للدول التي تحاول السيطرة على العالم (الدول الاستعمارية الكبرى)، ومناطق الثروة ومقوّمات النهضة، حتى لا تسمح لتلك المناطق أن تكون ذات شأن ومكانة تنافسها سياسيًا واقتصاديًا.
المشهد اليوم خطير بخطورة ما يدور ومن يتماهى مع تلك المخططات بعاطفة ومصالح ذاتية. إذا كان البعض يتكلم بحرقة عمّا حدث لعدن من نفير وعنف في الأعوام 2018م و2019م، لم ينتج لنا غير واقع أسوأ بكثير مما كان عليه، وأتى بأدوات أكثر فسادًا وضعفًا وتبعية وارتهانًا، وما شهدته أبين وشبوة من معارك كان وقودها أبناء الجنوب.
اليوم يُراد لحضرموت والمهرة نفس السيناريو من نفس المخرج، وبتنفيذ نفس الأدوات، ولن تكون النتائج إلا بنفس السوء المثخن بفساد وارتهان وتبعية للخارج والقوى الكبرى التي تتحكم بمصير الأمم الضعيفة.
وللأسف ضعفنا هو انقسامنا وتناقضاتنا التي يشتغل عليها الطامعون ليكونوا أوصياء على أرضنا وثرواتنا ومصيرنا، ليجعلوا منا متسولين نمد أيدينا لنشحت ودائع منهم على شكل صدقات.
لا تتوقع من العالم المنافق (العالم الذي استعمرك وما زال يعتقد أنك ضمن دول الكومنولث، وهي الدول التي كانت مستعمرات بريطانية سابقًا وما زال يعتقد أنها مستعمرات يسيطر عليها عبر الأدوات الوطنية).
كيف لمن استعمرك عقودًا، وأسّس كياناته الوظيفية في المنطقة، أن يحميك اليوم؟ ولن يحميك وأنت تغفل أين تكمن مصالحك، وتُسلّم أمرك للخارج بكل انبطاح. فالمغفّل يتعرض للتدليس والاحتيال والخداع، فيفقد حقوقه بإرادته، ويستمتع بما يحدث له. فالعالم لا يحترم إلا من يقاوم ويتصدى للمؤامرات، ومثل هؤلاء المقاومين يحصلون على حماية دولية مشروطة بحقوق الإنسان والسيادة على الأرض والثروة وحق تقرير المصير.
علينا أن نقاوم هذا العبث، ولا نقبل أن تكون أرضنا ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، وأبناؤنا وقودًا لهذه المعارك العبثية، وكرامتنا تُنتهك ويُنهب وطننا وتُنهب ثرواتنا، ونعيش أوضاعًا سيئة في كل تفاصيل الحياة. كما قال أبو الطيب المتنبي: (لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها).