الأخبار المحلية تقارير ودراسات

الرياض مستعدّة للانسحاب.. والعين على موقف واشنطن: لا ملحق يمنيّاً لـ«إعلان بكين»

الجديد برس / جريدة الأخبار اللبنانية:

حفّز إعلان السعودية وإيران استعادة علاقتهما الثُنائية، تساؤلات كثيرة حول تفاصيل الاتفاق وما إنْ كان يحتوي ملحقات سرّية، خصوصاً في شأن الملفّ اليمني الذي انعقدت جولات تفاوض عديدة بشأنه بين الرياض وصنعاء في مسقط. الأكيد أن الاتّفاق ليس مثار قلق لدى حلفاء طهران، بقدْر ما هو كذلك من وجهة نظر أصدقاء الرياض الذين بنوا برامجهم واستراتيجيّاتهم على تأجيج الصراع بين الجانبَين الإيراني والسعودي. بالنسبة إلى دول «محور المقاومة» وقِواه، فإن الخلاف الرئيس مع المملكة يتمثّل في التصاقها بالمشروع الأميركي، وتماهيها معه، وتمويلها تطبيقاته الهدّامة في كلّ من سوريا واليمن والعراق ولبنان؛ وعليه، فكلّما ابتعدت الرياض عن واشنطن في أيّ ساحة من ساحات المنطقة، كلّما سنحت الفرصة لتكون أقرب إلى خصوم الولايات المتحدة.

ومن هنا، لا خشية مطلقاً لدى هؤلاء من أيّ ملحق سرّي أو غير معلَن للاتفاق الإيراني – السعودي، خصوصاً في شأن اليمن. فطوال السنوات الماضية، طُرح الملفّ اليمني على الجانب الإيراني من قِبَل أطراف وازنة مِن مِثل روسيا والاتحاد الأوروبي، ودول خليجية كقطر وسلطنة عُمان، وأخرى آسيوية على رأسها باكستان، وأيضاً من قِبَل الأمم المتحدة، لكن الجواب الإيراني كان واحداً في كلّ المرّات والفترات، ومفاده أن مناقشة هذا الملفّ مكانها في صنعاء وليس في أيّ مكان آخر. كذلك، حاول الجانب السعودي طرْح المسألة اليمنية في مفاوضات بغداد مع الوفد الإيراني، ولكن من دون جدوى، فيما لم تفوّت الرياض وسيلة لتفادي التواصل المباشر مع حركة «أنصار الله»، إلى أن اقتنعت العام الماضي بعقم خيارها تجاهُل صنعاء، وانسداد كلّ الأبواب لتجاوزها، فلجأت مرغمة إلى التفاوض المباشر معها.

يُضاف إلى ما تَقدّم، أن المفاوضات بين الجانبَين اليمني والسعودي كانت قد قطعت أشواطاً كبيرة بالفعل، ليس في ما يختصّ بوقف إطلاق النار وتوسعة الهدنة فقط، بل وصولاً إلى مناقشة صيَغ للحلّ النهائي. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن من جملة ما طُرح في تلك المفاوضات، مسألة خروج القوّات الأجنبية من اليمن تمهيداً للبدء بحوار يمني – يمني. وفي هذا المجال، لم تمانع الرياض تلبية مطالب صنعاء، بل وأبدت استعدادها للانسحاب خصوصاً أن كلّ ما تملكه من قوّات على الأرض لا يتجاوز الـ200 جندي وضابط، بالإمكان إجلاؤهم خلال دقائق، لكنها أوضحت أنه ليس في مقدورها دفْع واشنطن أو لندن أو أبو ظبي إلى اتّخاذ قرار مماثل، وهو ما مثّل إحدى الإشكاليات التي اعترت طريق التفاوض. إذ اعتبرت «أنصار الله» أن السعودية التي قدّمت نفسها بوصفها قائدة لـ«التحالف» الذي يضمّ الأميركيين والبريطانيين والإماراتيين، مسؤولة عن إيجاد الحلّ المناسب لإقناعهم بالخروج، مصرّةً على ضرورة انسحاب جميع «القوّات الأجنبية» بلا استثناء. وبالنتيجة، كاد الاتّفاق بين صنعاء والرياض يُعلَن لولا التدخّل الأميركي الخفيّ لعرقلته، بدافعٍ من سعي الولايات المتّحدة إلى إبقاء الوضع الراهن ورقة مزدوجة بيدها، تُستخدَم من جهة من أجل ابتزاز وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان؛ ومن جهة أخرى في الاستمرار في خنْق اليمن وشلّ قدراته ومنْعه من استخدام موقعه الاستراتيجي، أخذاً في الاعتبار خصوصاً مصالح إسرائيل.

جرت أخيراً نقاشات شاركت فيها موسكو وطهران وصنعاء بهدف إيجاد مخرج للرياض من المستنقع اليمني

في الفترة الأخيرة، جرت نقاشات شاركت فيها موسكو وطهران وصنعاء وعواصم أخرى، في محاولة لإيجاد مخرج للرياض من المستنقع اليمني، يحافظ في الوقت نفسه على المطالب اليمنية الأساسية. أريدَت، من خلال ذلك، خصوصاً من جانب روسيا، محاولة تكبير المسافة الفاصلة بين السعودية والولايات المتحدة، على رغم إدراك الجميع أن الخلاف متركّز حالياً مع الحزب «الديموقراطي»، فيما لا تزال علاقة المملكة بالدولة العميقة الأميركية قائمة، وفق ما يؤشّر إليه مثلاً وجود خمس مجموعات عمل أميركية في الرياض لتعزيز التعاون الأمني والعسكري والسياسي بين الجانبَين. لكن الإيرانيين والروس، وحتى الصينيين، يُجمعون على ضرورة السعي إلى الابتعاد بالسعودية عن أن تكون «أداة» بيد الولايات المتحدة في النزاعات الإقليمية، وهو ما يصبّ في خانته اتّفاق عودة العلاقات الديبلوماسية بين طهران والرياض، برعاية صينية.

على أن الأطراف كافّة، بمَن فيهم الأميركي، يدركون أن حجر الرحى في ما يتّصل باليمن قائم في صنعاء. صحيح أن «أنصار الله» لا تُنكر تلقّيها مساعدات عسكرية من طهران، لكنها تؤكّد أن هذه المساعدة ليست مشروطة، وأنها مستعدّة لتلقّي أيّ معونة من الدول الصديقة الراغبة في ذلك، على أساس احترام السيادة الوطنية للبلاد، فيما تتعاطى إيران، من جانبها، بواقعية سياسية مع حلفائها، مدرِكةً ضرورة مراعاة خصوصيّاتهم الوطنية. وفي هذا المجال، أكد السفير اليمني في طهران، إبراهيم الديلمي، أن «السعودية طلبت من إيران في الجلسات السرّية في بغداد ومسقط خلال الأعوام الماضية، الاتّفاق أوّلاً على الملفّ اليمني، فكان ردّ الإيرانيين صريحاً وواضحاً بأن القرار في ما خصّ هذا الملفّ موجود في صنعاء وليس في طهران». كما اقترح الجانب الإيراني على السعوديين وقْف العدوان ورفْع الحصار، وأبدى استعداده، بالاتّفاق مع اليمنيين، للعبِ دور الميسّر من خلال استضافة مفاوضات بين المملكة و«أنصار الله»، منبّهاً إلى أن إيران ليست وسيطاً في هذا النزاع، بل هي دائماً ما أعلنت انحيازها إلى جانبه اليمني. ومن هنا، انحصر النقاش في مسألة استعادة العلاقات الديبلوماسية، علماً أن إيران كانت تخضع حينها لعقوبات أميركية قصوى، مترافقة مع تهديد بشنّ حرب عليها، فيما كان اقتصادها يعاني أزمة كبرى. وإذا كانت تلك هي حالها في ذروة الحصار، فما الذي سيوجب عليها اليوم، بينما تعاظمت قدراتها العسكرية، وتعزَّز حضورها السياسي، وتَحسّن وضعها الاقتصادي، تقديم تنازلات سواءً ربطاً بملفّاتها الداخلية، أو الملفّات الإقليمية ذات الصلة بها؟