تقارير

الإصلاح في مواجهة معركة الإجتثاث

الجديد برس / تقرير

 

بعد ثمان سنوات من تجربتها العسكرية الفاشلة لإخضاع الحوثيين في الشمال ، اعادت كل من السعودية والإمارات حساباتها للخروج من هذا المأزق بخطة تكتيكية ، إرتكزت على التخلص من القوى التقليدية بضرب بعضها ببعض وإخضاع المحافظات الجنوبية لسيطرتها المباشرة مهما كان الثمن ، أول الضحايا هو حزب الاصلاح الذي يمثل الحلقة الأقوى في نطاق دائرة هذه القوى عبر أذرعه العسكرية والأمنية المنتشرة في مناطق نفوذه، ليستبدل به المنشقّين عنها، وأيضاً زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية والسياسية المستقلّة.

وبالتالي فإن الوجود العسكري لـ«الإصلاح» في شبوة وأبين ووادي حضرموت وسسقطرى  سيكون مستهدَفاً فيما لن تبقى معاقله في محافظتَي مأرب وتعز الشماليتَين في دائرة الأمان.

إنها معركة المصالح الكبرى التي تديرها السعودية والإمارات وتشرف عليها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وتدخل فرنسا أيضاً في هذه الدائرة ، والتي تدافعت بقواتها العسكرية البرية والبحرية والجوبة الى المحافظات الجنوبية خصوصاً المحافظات التي تتمتع بمصادر الثروة ،  ما يؤشّر إلى مدى أهميّة السيطرة على البقع المهمّة والاستراتيجية في الجنوب.

وسائل إعلام تابعة لـ«التحالف» كانت قد ذكرت بأن القوات الأميركية  دخلت الأراضي اليمنية وتحديداً محافظة حضرموت ، حيث قامت بجولات على مناطق الضبة والشحر وفوه قبل أن تحطّ في بروم، مضيفةً أن طائرات استطلاع حلّقت بكثافة فوق تلك المناطق. والجدير ذكره، هنا، أن قوّة خاصة أميركية تتشكّل من عناصر فنّيّين واستخباريين تتمركز بشكل دائم في مطار الريان القريب من المكلا، مركز محافظة حضرموت، إلى جانب قوّة عسكرية إماراتية.

حزب «الإصلاح» يعرف أن الخطر قد أحدق به من كل جانب وكل فصول المؤامرة يعرفها أيضاً ، فهي أحداث لاتحتاج الى تحليل قائم على الإحتمالات  منذ بداية الأحداث التي شهدتها شبوة  وعرفت قيادته العتيقة أن هدف هذه الحرب هو الإجتثاث ، وأن المعركة معركة وجود ولن تقف عند شبوة ولكنه لايزال رهين التبعية المذلة لدول التحالف ، وبعد إنتهاء معركة شبوة خرج ببيان هزيل عكس أنه لم يعد يمتلك من أمره شيء ، وما أشار اليه في بـ«المشروع السياسي الوطني»، فكان يشير إلى حصّته في مناصب الدولة العليا. وأكتفى البيان أن يدعو «المجلس الرئاسي»، إلى «محاسبة الضالعين في تلك الأحداث، ومعالجتها بطريقة منصفة»، وماكان من العليمي  الى أن يرد على  هذه الدعوة بأن «شرعية التحالف أقوى من أيّ شرعية أخرى»، في إشارة واضحة إلى أن ما يحصل إنّما هو خطّة مطلوب تنفيذها بأمرٍ من «التحالف».

ويرى مراقبون أن «الإصلاح» الذي يرمي بكامل أوراقه في السلّة السعودية، وضع نفسه في مأزق لن يستطيع الفكاك منه. ففي حين قدّم نفسه وكيلاً كامل المواصفات لـ«التحالف»، وشكّل عبر سنوات الحرب أداةً تنفيذية وغطاء محليّاً للحرب على اليمن، فهو يتعرّض اليوم لعملية إقصاء رسمي من قِبَل «التحالف» بجناحَيه السعودي والإماراتي. ومع هذا، لا تزال قيادة «الإصلاح» تنتظر أن ترأف الرياض بالحزب وتقْبل بقاءه، وهو ما بدا واضحاً من خلال تمسّكه بالعلاقة مع المملكة، وإلصاق الاستهداف الذي يتعرّض له بالإمارات فقط، على رغم اعتراف البلدَين بأن تحرّكات أبو ظبي داخل اليمن تأتي بالتنسيق والتفاهم مع الرياض، وعلى رغم تأكيد الأخيرة أيضاً أن الإمارات شريك في «التحالف» لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما يؤكد أن تصفية «الإصلاح» باتت تَوجّهاً سعودياً أكثر منه إماراتيّاً.

قيادات في حزب الإصلاح وجهت إتهامات وانتقادات لاذعة لبقية الأحزاب التقليدية الشريكة معها على هذا الصمت المطبق  والموقف الذي اعتبرته مخزياً إزاء ما يحدث ، وبحسب مصدر ساسي في الحزب فقد أكد أن الاشتراكي والناصري وكل مكونات العمل السياسي توقفت حتى عن إدانة ورفض ومواجهة عملية الاجتثاث التي يتعرض لها الإصلاح، مؤكداً أن تغافل القوى السياسية المتخاذلة الْيَوْمَ عما يجري هو تغافل يمس في الصميم الأحزاب ذاتها بمختلف مكوناتها، وإذا مابقيت في هذا التخاذل فإنها معرضة للانقراض بفعل أحقادها الماضوية التي اعمتها من تقدير خطورة تبعات ما يتعرض له الإصلاح علي مستقبل مكونات العمل الساسي.

الإصلاح يدفع ثمن استحواذه على القرار السياسي والعسكري :

يرى مراقبون أن الأحداث التي تجري في الجنوب  كنتيجة استحواذ حزب الإصلاح على القرار السياسي والعسكري ’’للشرعية اليمنية’’ حيث توجهوا  للسيطرة على المحافظات الجنوبية الغنية بالثروات الطبيعية تاركين مسؤولياتهم في المعارك الشمالية حد تعبيرهم على أبناء الجنوب الذين يريدونهم أن يموتوا من أجلهم ليتمكنوا من الإنقضاض على الجنوب وقد تخلصوا من خيرة شبابه الذين زجوا بهم في معارك الشمال ،

تلك كانت المبررات،  التي وقفت القوى الجنوبية أمامه بعاتباره مؤامرة على أبناء الجنوب واستفادت من التوجهات الإماراتية المناهضة للإخوان المسلمين كتنظيم تعتبره يمثل خطراً على مصالحها في اليمن .


 مرحلة جديدة ترسم معالمها الدول العظمى

القرار الإقليمي ليس في نظر المحللين ومتابعي الشأن اليمني سوى مجرد ترجمة لتوافق دولي، يريد لليمن أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ليس فيها الإصلاح، أو تنظيم الإخوان الذي يمثله.

فالمحللون لا يستبعدون ما يجري في اليمن عن أية مستجدات ومتغيرات دولية، تلقي بظلالها على كل بقعة من بقاع العالم، بما فيها اليمن، ولعل في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية دليل قوي على هذا التأثير.

خاصة إذا كان الأمر متعلقا بأزمة الطاقة الناتجة عن هذه الحرب، والتي دفعت المجتمع الدولي للبحث عن مصادر الطاقة في كل زاوية من زوايا العالم، ليس في افريقيا وشرق آسيا، وجزر المحيط الهادي، بل حتى في اليمن، وسط تقارير متداولة في الغرب، تتحدث دوما عن حجم المخزون الاحتياطي للغاز والنفط الذي تكتنزه اليمن ، فليس للإصلاح أو أي مكون سياسي في الجنوب وزناً يذكر عند التحالف أو من يقف خلفها من دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، الا أنها تعاملت مع الإصلاح بصفته قوة مسيطرة على ثروات الطاقة في تلك المواقع من المحافظات الجنوبية ويجب التخلص منها من خلال تغذية النزعات الانفصالية التي ستنفذ هذه المهمة دون الحاجة الى أن تدفع هذه الدول تكلفتها ، وهو ما سيحقق الاستحواذ السهل على الثروات والاستفادة من مخزونها الكبير والهائل في تحقيق استقرار أمريكا والدول الغربية .

هل من فرصة للنجاة :

غير أن هذه الإزاحة لم تقف عند المستوى الاقتصادي المتعلق بالثروات النفطية والغازية، ولكنه طال أيضا التواجد السياسي لحزب الإصلاح، والعمل على قهر وهزيمة أدواته العسكرية وقواته المسلحة الموالية له، بحسب معارضيه.
وهو ما يعني أن الإصلاح يواجه اجتثاثا شاملا ومن قوى متعددة، محلية وخارجية، حملته مسئولية ما وصلت إليه البلاد على مختلف الأصعدة.
فالجميع يُحمّل الإصلاح أو (تنظيم الإخوان) مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع السياسية من أزمات داخلية، عبر إقصاء بقية القوى والمكونات من المشهد، منذ أحداث 2011، مرورا باستحواذه وأحكامه على منظومة الشرعية التي شكلها التحالف  عقب عام 2015.

يرى مراقبون أن الإصلاح بقيادته الحالية لايمكن أن ينجو من هذا الإجتثاث المرتهن  للتحالف وإملاءات السعودية ، التي استطاعت أن تجبره على قبول الأمر الواقع ويقدم التنازلات التي توافق عليها بطبيعة الحال طالما ومجرياتها تصب في خدمتها بالمقام الأول .

وبالنظر الى أن حزب الاصلاح لا يزال يحظى بشعبية لابأس بها فلديه الفرصة أن يعيد ترتيب أولوياته الوطنية خارج حسابات ومطامع التحالف التي برزت بشكل صريح وواضح ، وبحسب قيادات محسوبه على الإصلاح وكثير من الناشطين والمهتمين ، فإن الإصلاح أمام فرصة للتراجع خطوة الى الأمام بالعودة الى مربع الحوار مع القوى الوطنية الفعالة والمؤثرة على الأرض المتمثلة في سلطة أنصار الله ’’ الحوثيين’’ الذين يمتلكون كل مقومات المواجهة لأطماع التحالف في السيطرة على أراضي وثروات اليمن في كل المحافظات ،

وتجدر الإشارة الى أن سلطة صنعاء عبر عدد من مسؤوليها وجهت رسائل مباشرة للحزب للحذر من خطر الاجتثاث ووضعت الفرصة أمامه لإعادة التفكير في ما يحدث واتخاذ القرار المناسب ،

ومن المؤكد أن القواعد الشعبية للإصلاح ترفض التوجه الإقليمي والدولي لإزاحة حزبهم عن المشهد، خاصة في ظل وجود منابر ومنصات تقنية متاحة في الداخل والخارج للمعارضة وإعلان موقف مناهض، وهو ما قد بدأ فعلا مؤخرا، حتى عبر وسائل إعلام يمنية وعربية موالية لتوجهات الإصلاح والإخوان عموما ، ومع الأسف أن كل هذه الحملات الإعلامية التي يشنها ناشطو الإصلاح على التحالف لم تحرك نحوها قياداته العتيقة ساكناً ولم تتجرأ حتى هذه اللحظة على اتخاذ موقف ضد التحالف لعله يحفظ ما تبقى من حضوره السياسي والاجتماعي في اليمن.