المقالات

أنصار الله وخصومهم والتصنيف الأمريكي والحرب والسلام المعقدين في اليمن المستفيد والمتضرر ومستقبل الوضع الإنسان

أنصار الله وخصومهم والتصنيف الأمريكي والحرب والسلام المعقدين في اليمن المستفيد والمتضرر ومستقبل الوضع الإنسان

الجديد برس : رأي

طالب الحسني

للتذكير ، علينا إعادة التسميات على وقع التصنيف الأمريكي المراقب لحركة أنصار الله اليمنية ووضعها في ” قائمة الارهاب ” الامريكية .

لا يجادل أحد في كون الحركة مكون يمني أصيل بجذور تأريخية عميقة اجتماعيا وسياسيا وفكريا ، وان كانت حاليا بقالب جديد ووضع مختلف عن السابق ، وبالتالي فإن المنتمين لها هم شريحة كبيرة وواسعة من الشعب العربي اليمني  يستحيل وصمهم بالإرهاب أو عزلهم محليا وعربيا ودوليا ، ولعل تجربة الحرب العدوانية  القاسية ضدهم كانت واحدة من أهم المؤشرات أن من يتبنى ذلك يحرث في الماء كما يقال ، وخارج تماما عن الواقع ، ومن المفارقات الكبيرة أن هذه الحروب العسكرية  ،سواء كانت تلك التي بدأت منذ 2004 وقادها نظام علي عبد الله صالح بدعم وضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية وانخرطت فيها السعودية في العام 2009 أو هذه الحرب الأخيرة ، ساهمت بدرجة كبيرة في تقويتهم وإلتفاف الناس حولهم وليس العكس ، ومن يقرأ في التاريخ الداخلي للحركة سيدرك ذلك بوضوح شديد ، وسأختصرها في سطر واحد تجنبا للاطالة ، فهم كانوا حركة مضطهدة  في الشمال وتتركز في شمال الشمال ، ثم حركة ثورية على امتداد الجمهورية اليمنية بعد الحروب الست 2004- 2011 ثم حركة سياسية ثورية قائد للثورة منذ  2012 ثم قوة محلية تقود المنظومة الحاكمة في الجمهورية اليمنية وتتبنى الدفاع الوطني ضد التحالف الذي تقوده السعودية والامارات بدعم من الولايات المتحدة الامريكية ،  وحاليا قوة اقليمية من وسط الحرب العدوانية التي مضى عليها ست سنوات وعلى ابواب الدخول للعام السابع على التوالي .

التصنيف الأمريكي في الساعات الاخيرة من ادارة ترامب المتطرفة والتي ادخلت حتى الولايات المتحدة الامريكية في نفق مظلم ، لن يعيد تسمية الحركة أو يضعها في خانة أخرى ، لا محليا ولا اقليميا ، خاصة أنه يأتي بعد فشل اقسى حرب عسكرية عدوانية تواجهها اليمن ، فالتصنيف من الناحية العسكرية والسياسية يفقد فاعليته ، بل يضيف وساما جديدا للحركة اذ ان القائمة الامريكية تضم ، سوريا منذ عام 1975 ” كدولة راعية للإرهاب ” وحركة المقاومة اللبنانية وقائدها السيد حسن نصر الله منذ 1995 مرورا بالحرس الثوري الإيراني ووصولا إلى حركات المقاومة الفلسطينية الجهاد وحماس 2018 بالاضافة إلى عدد آخر من المنظمات والاحزاب والشخصيات التي ترفض الهيمنة الأمريكية والغربية على المنطقة .

وطالما أننا أعدنا تسمية حركة أنصار الله ، فعلينا ان نعيد تسمية خصومهم المحليين و الإقليميين والدوليين ، على الأقل من الزاوية التي نراها ويوافقنا الكثير فيها بما في ذلك من نعيد تسميتهم .

في العام 2011 وضمن ” الربيع العربي ” الذي نعيش الذكرى العاشرة له ، كان أنصار الله جزء رئيس من المكونات الثورية التي خرجت للمطالبة بإسقاط النظام وإحداث تغيير في اليمن ، وهي جزء رئيس ليس لأنها معارضة سياسيا لنظام صالح ، بل لأنها المكون الذي تعرض لحرب إبادة فمجموع من قتلتهم الحرب يتجاوزن 30 ألفا على أقل تقدير .

في الربيع العربي لم يكن أحد يستطيع التحكم بمن يجب ان يكون جزء من الثورة ومن يجب ان يبعد فيها ، لقد كانت الساحة مفتوحة حتى لأولئك الذين جاءوا من النظام نفسه للانتماء للثورة ، في حين أن التصنيف والإقصاء والإلغاء حدث منذ أن قدمت السعودية ما سمي لاحقا بالمبادرة الخليجية ، هذه المبادرة مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية والتي كانت تنص بشكل واضح على إعادة تقسيم السلطة بين المعارضة القديمة والنظام ، وإبعاد وازاحة أنصار الله الحوثيين تماما من المشهد كمرحلة أولى تمهيدا لإعادة تصنيفهم كجماعة ” متمردة ” في المرحلة الثانية ، ولكي تتجنب الحركة المرحلة الثانية التي كانت تسير نحو إعلان الحرب العسكرية ضدهم ، وفي الحقيقة كانت الحرب قد بدأت فعليا في محافظتي حجة وصعدة شمال اليمن من خلال تبني دعم مجموعات ” سلفية ” حملت السلاح في وجه الحركة  من خلال ما يعرف محليا ، بحرب دماج وعاهم وكشر ، وهي الحرب التي شهدت دعما وتمويلا سعوديا عسكريا وإعلاميا ، ومعها من الداخل مجموعة النظام الذي ركبته السعودية عبر المبادرة الخليجية .

لقد وافقت الحركة أعني أنصار الله الدخول للحوار الوطني وهو من القرارات الذكية التي خلطت الأوراق ،  لتتجنب حروب جديدة عليها ، فهي في الحوار الوطني لتثبت أنها جزء رئيس من المشهد السياسي “الجديد القديم” مع بقاء  رفضها للمبادرة الخليجية التي تعتبر شكل من أشكال التدخل الخارجي الذي يرعى المنظومة الحاكمة منذ عقود ، ولا يؤسس لتغيير حقيقي في اليمن يخرجها من الدوامة التي كانت فيها ،  ومع أن هذا التوجه كان يجب أن يحظى بالقبول والدعم والتصالح الحقيقي ، كان خصومهم يرفضون ذلك ويعملون ليل نهار على إبعاد الحركة تماما وهو التوجه نفسه الذي كانت تدعمه السعودية وقد قالوها صراحة في أكثر من مناسبة .

وعندما لم ينجح المسار الذي اتخذته الحركة بسبب حواجز الصد والإقصاء بخلفية عدائية مذهبية وسياسية واستراتيجية بالنسبة للسعودية والولايات المتحدة الامريكية باعتبار أن الحركة تمثل الخط  المقاوم وقريبة من المحور المناهض لها في المنطقة ، ودون أن يستند هذا العداء لها لأسباب وطنية مشروعة ، اتخذت حركة أنصار الله المسار الثوري وقادت الثورة التي أطاحت بكل المنظومة السعودية والامريكية في 21 سبتمبر 2014 وهو ما لم يكن يتوقعه أحد ، ثم بنت منظومة علاقات اخرى من بينها العلاقات القبلية التي كان لها دور كبير في نجاح الثورة ومؤخرة التصدي للحرب العدوانية التي لا تزال مفتوحة حتى الآن .

ولهذا من منظور وطني داخلي فإن خصوم الحركة هم ثلاثة تيارات كالتالي

– الاخوان المسلمين المتمثل في حزب الاصلاح ، وجناحه العسكري الذي يقوده علي محسن الأحمر وهو جزء من النظام القديم ، وهذا التيار مشوه سياسيا ولا يلبي تطلعات المواطنين في التغيير وله تاريخ كبير من التقلبات السياسية وأبرز الشخصيات فيه أحرقت على مدى العشرين السنة الماضية

– التيار الثاني يتعلق بالنظام الذي ركبته السعودية  بقيادة عبد ربه منصور هادي ويتضمن منشقين عن الرئيس الاسبق على عبد الله صالح وبعض الاشتراكيين والناصريين وجزء منشق عن الحراك الجنوبي الذي كان يطالب بفك الارتباط وشارك في الحوار الوطني عن ما يعرف بالقضية الجنوبية ، ولدى هذا التيار أيضا بعض القيادات العسكرية في الجيش ، ولكنه لا يحظى بشعبية ثابتة واستعان بوجوه تقليدية كانت مع صالح ثم انشقت عنه وتولت مناصب حكومية

– أنا التيار الثالث فهو الجسم العسكري والسياسي الذي تأسس بعد إعلان العدوان في مارب 2015 ومن بين هذا التيار الانتقالي الجنوبي الذي أسسته الإمارات للمشاركة في الحرب وليكون في المستقبل حامل مشروع الانفصال وفك الارتباط عن الشمال .

هذه التيارات الرئيسية الثلاثة التي اعتمد عليها التحالف وفشلت في تغيير المعادلات العسكرية والسياسية رغم الدعم العسكري والمالي واللوجستي والتغطية الدولية المفتوحة ، و تقلصت شعبيتها و تآكلت لأسباب كثيرة يمكن الكتابة عنها في مسار آخر .

نعود مرة أخرى للتصنيف الامريكي المرتقب لحركة أنصار الله ضمن القوائم ” الارهابية ” وكيف أن هذا التصنيف لا قيمة له بعد هذه الحرب الطويلة  والقاسية والتي فشلت تماما وباتت السعودية تدفع ثمن ونتائج معاكسة ، مقابل أن صنعاء تتجه نحو الحسم العسكري في جبهات كثيرة .

عندما يقول المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفث أن هذا التصنيف سيكون مضرا بدرجة كبيرة للوصول إلى حل سياسي شامل فإن ذلك يعني أن المتضرر ليس أنصار الله بل خصومهم فهم الطرف الخاسر حتى الآن من العمليات العسكرية وغير قادر على الحسم وسيزداد ذلك صعوبة مع مجيء الادارة الأمريكية المقبلة ، فبايدن لن يواصل دعم السعودية عسكريا ، وهذا التوجه ليس جديدا ، اذ أن ادارة أوباما على الرغم من أنها وافقت على الحرب لكنها كانت قد وصلت إلى قناعة بأن هذه الحرب تتجه نحو مسار معاكس ، ولهذا كان وزير الخارجية الأمريكي في عهد أوباما جون كيري ، قد قدم  ما يعرف بمبادرة كيري وتتعلق بوضع خطوات للخروج من الحرب والتوافق على فترة انتقالية لا تستند إلى القرار الدولي 2216 ، ومن هنا واستنادا على أمرين :

فشل الحل العسكري وعجز التحالف الذي تقوده السعودية

توجه الادارة الامريكية المقبلة في وقف اسناد السعودية في هذه الحرب

فإن المتضرر من التصنيف الامريكي في هذه الفترة العرجاء من ادارة ترامب ليس أنصار الله بل خصومهم ، وسيكون هذا التصنيف مبرر كبير لعدم الاستجابة لاي مسار سياسي واستكمال استعادة المناطق التي خسروها خلال السنوات الماضية ، ولن تحصل معجزة في المستقبل تجعل السعودية التي تعاني داخليا وخارجيا ماليا وسياسية وعسكرية أن تقلب النتائج لصالحها في اليمن .

الأمر الآخر وهو مهم ، فإن أي أضرار إنسانية في اليمن التي تصنف أسوأ ازمة انسانية على الاطلاق ، ستكون الجهات التي دعمت أو ايدت التصنيف الأمريكي ومن بين هذه الأطراف السعودية بالاضافة إلى خصوم أنصار الله هم الذين يتحملون المسؤولية عن هذه التبعات ، التي حذر منها المنسق الاممي ومبعوث الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية مارك لوكوك امام مجلس الأمن الدولي وطالب بعدم الذهاب نحو التصنيف بناء على رغبة انتقامية لا أقل ولا أكثر .

كاتب وصحفي يمني

نقلا عن رأي اليوم