المقالات

26 سبتمبر والخديعة الكبرى

26 سبتمبر والخديعة الكبرى

الجديد برس : رأي

عيسى محمد المساوى

أصبح الحديث المنصف عن 26 سبتمبر، أشبه بعبور حقل الغام، أو كمن يواجه مجتمع الجاهلية بزيف عقيدتهم وبطلان أصنامهم التي تضر ولا تنفع، فالمتشيعون لـ 26 سبتمبر خصوصاً أولئك الذين اتخذوا منها مصدراً للتكسب والعيش غير الكريم، مستعدون أن يكفروا بكل الحقائق والثورات على أن يسمعوا حقيقة واحدة تقرع أذهانهم بأن 26 سبتمبر قضت نحبها في سنواتها الأولى وقد شبعت موتاً، وما يزالون مصرين على جاهليتهم، وعلى احياء الذكرى الـ58 للخديعة الكبرى.
أمام التداعيات الناجمة عن استمرار هذه الخديعة الكبرى في تزييف وعي الناس، وقياماً بحق الصحبة تجاه عدد كبير من الأصدقاء الذين أظن أن ما بقي لديهم من العقل واحترام الحقيقة كفيل بتمكينهم من المراجعة الذاتية والوقوف بشجاعة لقراءة الفاتحة على ضريح 26سبتمبر، من أجل الخروج من أسر تلك الخديعة الموحشة بدهاليزها المكتظة بأشلاء المغدور بهم، وحشد كبير من المهووسين بعبادة الأصنام، وقليل من انصاف العقلاء الذين يفضلون العيش على ما تبقى من اناشيد ايوب طارش السبتمبرية، على الخروج الى النور ومواجهة الحقائق الصادمة، لذلك سأتجشم عناء هذه المهمة الصعبة التي لن تخلو من كلفة، ملتزماً للجميع أن يقتصر دوري على نقل ما قاله عن 26سبتمبر أكبر قامة وطنية في تاريخ اليمن الجمهوري، الذي يحبه كل اليمنيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، فماذا قال شاعر اليمن الكبير الأستاذ عبدالله البردوني؟
في قصيدة بعنوان: “تقرير الى عام 71 ” لخص الاستاذ البردوني كيف بدأ مسار 26 سبتمبر، ثم سوء الخاتمة التي انتهت اليها، في صورة شعرية بالغة الدلالة، معلناً وبكل شجاعة موت 26 سبتمبر في ختام هذه القصيدة التي حملت خبر النعي:
والأباة الذين بالأمس ثاروا
أيقضوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب
قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات لكن
هل يحسون كيف ساء الختام ؟
مات ( سبتمبر ) البشير ولكن
أمه ناهد هواها غلام
فها هو أبو الوطنية والثورة ينعي الينا وفاة 26سبتمبر في سنواتها الأولى، فعن أي ذكرى تتحدثون؟! وليت أن 26 سبتمبر ماتت، وبلع قادتها حزنهم متأهبين لبزوغ فجر سبتمبري جديد وانتهى الأمر، لكنها قبل أن تموت ابتلعت قادتها الحقيقيون ودفنتهم قبل أن تُدفن، تاركة الوطن لثلة من اللصوص والمرتزقة الذين باعوا اليمن أرضاً وانساناً، وكانوا هم الواجهة المحلية للمستعمرين من القوى الإقليمية الطامعة.
هكذا وثّق الأستاذ البردوني مشاهد من الكارثة التي لحقت باليمن، بعد سنوات من الخديعة الكبرى، في قصيدة بعنوان “الغزو من الداخل” يقول في مطلعها:
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعا من المستعمر السّري
غُزاةٌ لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري
لم يكن الأستاذ البردوني في هذه القصيدة الشهيرة يستشرف مستقبل اليمن، أو يقرأ لها الفنجان، بل كان ينقل لنا بمرارة الواقع آنذاك بكل مشاهده الكارثية مجسداً صورة صارخة لحالة الارتهان والعبودية التي عليها الحكام باسم 26 سبتمبر، فيقول على لسانهم مخاطباً أمراء الغزو:
أمير النّفط نحن يداك نحن أحدّ أنيابك
ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك
ومسئولون في (صنعاء) وفرّاشون في بابك
فهل يا تُرى كان الأستاذ البردوني كهنوتياً سلالياً رجعياً، أو حوثياً رافضياً؟!!
لقد كان البردوني مدرسة في الثورة والوطنية، والولاء الصادق لليمن الجمهوري، ولم يدع قصيدة من قصائده السياسية إلاّ ووثق من خلالها أحداث وفصول هذه الخديعة الكبرى التي حلت باليمن، وجرّت خلفها سلسلة من الكوارث التي ما زلنا ندفع أثمانها الباهظة إلى اليوم، ولم يكن متفرداً في هذا المسلك، فأبو الأحرار الزبيري نعى هو الآخر 26 سبتمبر في قصيدته الأخيرة التي دفع روحه ثمناً لمضامينها الهادفة إلى تصحيح مسار 26 سبتمبر، فبماذا تحتفلون ؟!!
اذا كان البردوني شاعر اليمن الكبير، ورمز الوطنية الصادقة، ومنارة الأدب والثقافة والمعرفة، قد نعى إلى الشعب اليمني موت 26 سبتمبر في سنواتها الأولى، وسجل لله وللتاريخ وقوع اليمن تحت الغزو والاحتلال، وكيف تحول الحكام باسم 26 سبتمبر إلى فراشين لدى أمراء النفط، معترفاً بكل هذه الكوارث التي حلّت باليمن على ذمة 26 سبتمبر، فعلى العقلاء أن يراجعوا أنفسهم، ويواجهوا هذه الحقيقة المُرّة كما فعل البردوني، إن كانوا صادقين في وطنيتهم وانتمائهم ليمن الحرية والاستقلال.
أما أدعياء الثورة والوطنية والمنتمين زوراً إلى الوسط الفكري والثقافي، فسيظلون نموذجاً للتكسب الرخيص باسم 26 سبتمبر، يتهافتون على فضلات موائد أمراء النفط كما رآهم الأستاذ البردوني قبل عقود، وكما نراهم اليوم عياناً بياناً.
ختاماً.. اقرؤا الفاتحة على ضريح 26 سبتمبر، بنية الشفاء لمن يمكن استنقاذهم من دهاليزها، ولا عزاء لمن يتمسح بأستار 26سبتمبر ويفتديها، ثم هو يقف متفرجاً والوطن الذي أنجب 26 سبتمبر يتناهبه الغزاة والمرتزقة.