المقالات

هشام بن عبدالملك يصلي في الكنيست

هشام بن عبدالملك يصلي في الكنيست

الجديد برس : رأي

إسلام في الصراع لا صراع في الإسلام
تحرير التاريخ من الرواية الأموية

صلاح الدكاك

جرى على مدى قرون تكريس مسار أحادي بحثي يقرأ تاريخ ما بعد ظهور الدعوة المحمدية كتاريخ متجانس مؤتلف عنوانه الجامع إسلام الخليفة كأمير لـ”المؤمنين به” باعتبارهم جمهرة المؤمنين حصراً، في حين يوصم معارضوه ولو كانوا من أخيار الأمة وفضلائها بـ”الكفار والمرتدين والخارجين على إجماع الأمة”!
أجرأ الباحثين الذين تجاوزوا هذه المسلمة وقرؤوا تاريخ ما بعد ظهور الدعوة المحمدية كتاريخ صراع – وهم قلة – اتخذوا من خلافات واقتتال المحتربين في الساحة الإسلامية برهاناً على انتفاء النموذج النافع بالعموم عن إسلام يمكن انتهاجه واتخاذه مساراً يحتذى به ومنطلقاً للأمة في واقع تحديات حياتها الراهن.
وهكذا فقد أعاد هؤلاء الباحثون القلة إنتاج مسلمة التجانس رغم إقرارهم بجدلية الصراع الناظمة لتاريخ الدعوة الإسلامية، لكنه تجانس مموه بالبرهنة على أن أطراف الصراع كانوا بعمومهم نظائر وأشباهاً يقتتلون في سبيل كرسي الحكم بدعاوى ولافتات إسلامية متفاوتة، وهذا ليس صحيحاً في قسطاس القراءة العلمية البتة.
لكي تستقيم هذه الفرضية الباطلة القائلة بتناظر أطراف الصراع، لا يمكن لأصحابها من الباحثين إلا إشاحة النظر الممعن عن محطات صراع تجلى طرفاها على النقيض من بعضهما البعض في منطلقاتهما ودوافعهما لخوضها كـ”صفين وكربلاء وكناسة الكوفة”.
يقفز الباحثون من هذه الشريحة على تلك المحطات دون تظهير هذه الحقيقة، ويتجاوزونها غارقين في الخلافات العائلية التي كانت تحتدم خلف جدران مقاصير حريم الخلافة وفي خدور حكمها، حول وراثة الصولجان، أو بين الأمويين والعباسيين، وما تلى ذلك من دويلات كان محور الصراع فيها أعراق أصحابها ومذاهبهم السياسية ذات التلوينات الإسلامية المتباينة. وهكذا يعمد الباحثون أولئك على تقديم هذه الخلطة المحتربة من النظائر كبرهان على استشكال النهل من معين تجربة إسلامية تتوافر على عنصر النقاء القيمي.
قبل تجلي الإسلام الثوري المحمدي العلوي الحسيني من لهيب ونقع معترك الصراع الفذ والملحمي في مواجهة العدو الصهيوني والهيمنة الأمريكية، كان بوسع فرضية خلطة النظائر المحتربة الإسلامية تلك أن تلقى قبولاً بنسب متفاوتة حتى لدى بعض المتلقين الثوريين، وذلك بفعل انتفاء الآخر كمشروع عملي نقيض لمشروع الهيمنة الاستعمارية والصهيوأمريكية في الساحة، لاسيما وأن مطابخ الاستعمار كانت قد ملأت هذه الساحة بنماذج شوهاء استولدتها من رحم الانحرافات التاريخية في المسار الإسلامي لتجعل منها عنوانا لإسلام متصالح مع أعداء الأمتين العربية والإسلامية ومُعادٍ لحركاتها التحررية كنموذجي”الإخوان المسلمين والوهابية” الطالعين من رحم المشروع البريطاني في مصر والهند وصحراء الخليج الحبلى بالنفط بكياناتها الوظيفية السعودية والإماراتية والبحرينية القائمة اليوم ومشتقاتها التكفيرية كـ”القاعدة وداعش وبوكو حرام”!
ظهور حركة أنصار الله ومشروع المسيرة القرآنية في اليمن مثّل نقلة فارقة مائزة على مستوى تجلي النقيض الثوري الإسلامي لعيان مشهد الصراع المدموغ بنماذج إسلاموية مستزرعة استعمارياً كحركات وأنظمة وكيانات وظيفية في المنطقة والعالم، وأسهم في تظهير الآخر المُغَيّب خلف قراءات تاريخية استهدفت في معظمها تقويض الإسلام لصالح مد التغريب باعتباره عصرنة معيارية مثلى ينبغي أن تنتظم العالم بأسره شعوباً ودولاً وأدياناً في كل شؤونه!
 إن تخليص الإسلام تاريخياً كمنظومة قيمية من مدخلات المسار التحريفي الممنهج الذي تعرضت له، هو ناظم محوري لكل مقالات سيد الثورة على اختلاف مقاماتها… هذا التخليص ليس شأناً بحثياً مكتبياً مجرداً، بل هو ترجمة عملية على مسارين “عين على القرآن وعين على الأحداث” بحسب الشهيد القائد السيد حسين.
ليست المكتبات مسرح النهوض بهذه الرؤية، فالانكفاء البحثي التقليدي بمنأى عن الصراع وعدم تحديد مواقف واضحة وخيارات ساطعة منه وفيه، هو انكفاء في فراغ اللحظة المكونة من شقين فكر وحركة، كما هي مكونة من زمان ومكان، ويتعين خوضها بأبعادها ماضياً وحاضراً ككل غير مقطوع الصلة عن مجريات الراهن لتقويم مسار مستقبل الأمة المنجرفة لنقيض الوجهة التي هي مناط تكليفها والمنخرطة في دور نقيض للدور المعبر عن مصالحها وقضاياها وبالضد لها!
في خطاباته بيوم ولاية الإمام علي وعاشوراء الإمام الحسين وذكرى استشهاد الإمام زيد عليهم السلام، تطل الفصول المشرقة من تاريخ الإسلام المُغيبة والمقولبة من بيان سيد الثورة متحررةً من الأطر والأسوار التي تجعلها وقفاً على فئة من الأمة دون غيرها بل وبالتضاد لها.
إن بدور وشموس تلك الفصول المشرقة من الإسلام هم التجلي القرآني المحمدي الذي جرى سجنه خلف قضبان مذهبية ضيقة، والتعامل معه باعتباره إرثاً خلافياً يعني أناساً بعينهم لا تجلياً لرموز يمثلون أعلى سقوف الثورية والإيثار والتضحية الإنسانية في سبيل المستضعفين، وترجمة سلوكية مثلى لقيم الإسلام التي استفرغها أعداء هؤلاء الرموز ليدخلوا عليه قيم الجاهلية والطغيان الامبراطوري القيصري والكسروي، ويحكموا كامتداد لها واستمرار لفسوقها بلبوس إسلامية وبمسميات أخرى لذات الجاهلية والطغيان.
إن الإمام الحسين عليه السلام لم يدعُ لنفسه بالبيعة متخذاً من المستضعفين ومسجد جده أو كعبة الله درعاً لدعواه، بل قدم روحه وأرواح بنيه الزاكية، وضحى براحة أهله الأطهار على مذبح الدفاع عن المستضعفين اللابدين في خدور ذلتهم خاذلين له، وكذلك فعل الإمام زيد، ولو أراد أن ينسج مذهباً خلافياً سوى إقامة عدل الله في أمة جده عليه وعليهم الصلاة والسلام لانكفأ في زاوية المسجد يفتي في أبواب الطهارة وموجبات الغسل ورواية أحاديث عن أهوال يوم القيامة وإرجاء أمر المستكبرين إلى الآخرة وتسبيب قهر المقهورين وعذاب المعذبين بـ”قدر لا مرد له ولا تعقيب عليه”، رافلاً في منحة سابغة مجزية من الطاغية هشام بن عبدالملك نفسه.
إن العلوية والحسينية والزيدية بناء على هذا الفهم – وهو الكائن- هي القرآنية المحمدية ذاتها مبرعمةً في أخصب النفوس والأرواح المؤمنة، أنفس وأرواح أهل بيت رسول الله حيث مهبط الرسالة السماوية لا في المكان فحسب، بل وفي قاطنيه الذين تنفسوها تنزيلاً تنزيلاً وحرفاً حرفاً وسورةً سورةً، وعاشوها نهجاً وسلوكاً، وكانوا مرآة نقائها الصقيلة الصافية تشف عن حقيقتها اللاهوتية في أنضر ناسوت بشري.
كانت مناصبة هذه الكوكبة القرآنية المحمدية من أهل البيت العداء والسعي الحثيث الفاجر للإجهاز عليهم سبيل القيصرية الأموية الوحيد للانفراد بالأمة والقرفصة المستكبرة المطمئنة على ظهور أبنائها المعبدين بالسخرة في إقطاعياتها المترامية.
لقد استشهد الإمامان الحسين وزيد لأنهما مرآة الزكاء الرسالي والرحمة الإلهية المهداة لعيال الله والفاضحة لقتامة وقبح الدخيلة الفاجرة لطغاة بني أمية أمام المحكومين، وبنو أمية أرادوا لكل مرآة أن تعكس نفاقهم إيماناً بالله ودمامتهم جمالاً وجبروتهم رضى بقدر الله وقضائه، حتى قال هشام بن عبدالملك من منبر البيت الحرام مخاطباً الحجيج: “والله لا يدعوني أحد لتقوى الله إلا قتلته”، فأوصد باباً لمحاججة الحاكم لم يوصده فرعون قبله حين قبل بمنازلة نبي الله موسى أمام الملأ والجمهور في يوم الزينة.
إن مظهر زكاء الرسالة الإسلامية اليوم كما كان بالأمس هو مسرح مقارعة الطواغيت والمنافقين، وذلك لا يتحقق عبر رجمهم بالتهم، وإنما عبر تجسيد القيم القرآنية المحمدية العلوية الحسينية الزيدية في مسرح الحياة بكل ما يترتب على ذلك من أكلاف، فالأكلاف التي تنوء بها هي مرآة صدقية هذا التجسيد القيمي، وهي محك انفضاح نفاق المتسربلين بقشور الإسلام كما هو حال خلطة العمالة المحلية وبني سعود ونهيان اليوم في عدوانهم على هذه البذرة المحمدية الزاكية منذ برعمت للوهلة الأولى فكراً قويماً في حركتها وحركة قويمة في فكرها، ونهضت بعبء مجابهة أمريكا وجهاً لوجه عندما خلت الساحة من غير الراكعين لأمريكا يساراً ويميناً وأحزاباً وتيارات دينية سياسية وأنظمة حاكمة، ليقف حسين مران رضوان الله عليه كامتداد غامر لحسين كربلاء وزيد كناسة الكوفة، ووقف معه أخلاص الأمة من أحفاد الأنصار وقوف عمار والأشتر وجندب وحجر بن عدي، فكانت هذه الملحمة التي تولد من خلف رماد معاركها اليمن والأمة بالعموم ولادةً قرآنيةً ملتحمة بالأحداث صانعةً لها خبيرة بسبل المضي صوب كينونتها كأمة مستخلفة على الأرض بناموس الله وعهده لا كصدى للاستكبار والجبروت برسن وأصفاد انحرافات التاريخ التي تجسدت جميعها في طغيان الأحادية الأمريكية والصهيونية العالمية اليوم.
 لقد صبت كل تشوهات التاريخ في جينات الغرب من “بازل هرتزل” إلى “صفقة ترامب”، ومن تعبيد القارة الأفريقية في مزارع الغرب الأوروبي والأمريكي كرقيق إلى تعبيد العالم باسم الأمن القومي الأمريكي وألوهية السوق الامبريالية.
إن تاريخ البشرية زاخر برموز الحرية منذ آدم وإلى الساعة، لكن أزهى هذه الرموز هي تلك التي يحتشد عالم الطغيان اليوم لوأدها بكل ثقله وجبروته و… يفشل، وتنتصر سبابة سيد الثورة أبي جبريل الهادية إلى منابع فجر الخلاص، وأهداب سيد المقاومة أبي هادي المشرعة على أحزان القدس ووعد الآخرة.
سلام على علي…
سلام على الحسين …
سلام على زيد …
وسلام على قوافل العشق الناهضة برايات الثورة على دروب أعلام الهدى.