المقالات

عن صراع الأتباع في العالم العربي

عن صراع الأتباع في العالم العربي

الجديد برس : رأي

نارام سرجون

منذ أن أصدر هوميروس العرب حمد بن جاسم آل ثاني روايته الشهيرة عن سوريا (الصيدة التي أفلتت) .. ونحن نشهد تزايدا في المعركة بين الكلاب والذئاب .. فالصراع بين الأخوة الاعداء على اشده .. معسكر الاخوان ومعسكر الوهابية .. وحتى هذه اللحظة لاأعرف سبب هذا الصراع .. الا انه حرب أهلية بين النوع الواحد من فصيلة حيوانية .. فكلاهما له خطاب تمثيلي للاله .. وكلاهما يعتبر العنف الأقصى ضد كل المخالفين جهادا مقدسا .. وكلاهما اقصائي ومغرور ويظن أن النبي كان يخصه في خطبة الوداع ويستأمنه على الأمة .. وكلاهما ولد في رحم المخابرات البريطانية .. فالاخوان أبناء بريطانيا الذين وضعتهم في مصر والوهابيون ابناء بريطانيا الذين ولدتهم في السعودية .. ثم كفلتهم الولايات المتحدة .. وأتحدى اي مفكر ان يجد الفرق بين الفكرين .. الا بطول اللحية وشكل حف الشاربين .. فلحى الوهابيين أطول عموما .. ويشترك التنظيمان في انهما من أشرس التنظيمات التي تعيق التقدم الاجتماعي ومتمسكان جدا بالتخلف كنمط حياة .. لأن القرآن ليس كتابا روحيا وايمانيا لهم بل هو مرجع كل شيء حتى في الطب والفلك وعلم الذرات والفيمتو ..

المهم منذ ان أعلن حمد بن جاسم انهم تهاوشوا على الصيدة ونبه الى ان الصيدة أفلتت وهربت .. ولايزال النباح والعواء على أشده .. حتى أن ذلك التهاوش صار يقض منامنا وراحتنا .. فأنا لم تعد تصلني نشرات النباح المخصصة ضد النظام السوري والشيعة والنصيرية والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي والاطفال الذين يتسلى الجيش السوري بقتلهم كما يزعمون .. بل يصلني خطاب الكراهية والتحريض بين جماعة الاخوان وجماعة بن عبد الوهاب .. او بشكل ادق جماعة أردوغان وجماعة بن سلمان .. ويتنافس الطرفان على كسب قلبي ومساندتي واقناعي من قبل كل منهما بوجهة نظره .. حتى صار الامر مسليا .. وصرت اقف بينهما كالقاضي والحكم في مسابقات نجم العرب.

وفي حرب الاعلام لكل فريق أنصاره وجنوده ومرتزقته .. والحق يقال ان الجميع مرتزقة .. ولكنني والله أستمتع وأنا أسمع الصراع وارى الدماء تسيل من أجساد الطرفين .. وصرت اخصص وقتا للفسحة بين ابطال السوشيال ميديا للطرفين .. فللاخوان معتز مطر الذي هو ديك الاخوان او الديك التركي الذي له عرف عال من الشعر وصوت واعظ غاضب على المنبر .. ويبدو انه يظن ان الاعلام هو في اعلاء الصوت والحنجرة الى حد تمزيق الحبال الصوتية له ولو انه يمزق اغشية الطبل للمستمعين .. وهو يتشفى بأتباع بن سلمان ويثني على اردوغان وآل خليفة .. فيرد عليه معسكر بن سلمان بتسليط لسان يوسف العلاونة للقدح باردوغان والسخرية من قطر وشكر الله على هبة السماء بارسال نبي للمسلمين اسمه محمد بن سلمان رحمة وهدى للمسلمين ..

والمضحك ان الطرفين يخوّنان بعضهما في قضية فلسطين .. وكلاهما دمر القضية الفلسطينية ونهشها حتى العظم بشكل غير مسبوق وخاصة في الربيع العربي .. لان الصيدة الحقيقة التي تمزقت لم تكن سورية بل فلسطين التي نسيها العرب .. اخوانا ووهابيين .. عندما أخذوا الامة الى معركة الجمل الثانية وطواحين الهواء الاسلامية ..

طبعا كلا الطرفين يوجهان خطابهما للسذج ومجتمع الحمير الواسع بين المعسكرين .. وهما لايعرفان انهما يضيعان وقتهما .. فمنذ ان قررت الولايات المتحدة ان تبتز الطرفين وهي تتكئ مبتسمة ولاتريد انهاء هذا الصراع وتخطط لابقائه الى الأبد .. ومن يلاحظ طريقة تفكير الامريكيين في الصراعات يدرك انهم لايفضلون الضربة القاضية ولا الانتصارات الناجزة .. ففي الحرب العراقية الايرانية تركوا الطرفين يقتتلان في نوع من التوازن العسكري الدقيق .. فهم كانوا يعطون العراقيين صور الاقمار الصناعية التي تكشف ثغرات الجبهة الايرانية .. وعندما يتوغل العراقيون ويهددون المدن الايرانية يتبرع رجل اعمال اميريكي وتاجر سلاح بأن يؤمن قطع الغيار الأميريكة للسلاح الايراني – الذي كان اميريكيا منذ زمن الشاه ويخضع لنظام المقاطعة والحصار – يتبرع ان يهرب السلاح عبر اتفاقات سرية مع جماعات غير نظامية في اميريكا الوسطى (الكونترا) .. فيحارب الايرانيون بالسلاح المهرب ويدحرون العراقيين الى الحدود .. ثم فجأة تصدهم القوات العراقية لأن لعبة التوازن كانت تمنع الايرانيين من التفوق وكسب الحرب وتمنع العراقيين من الفوز الناجز .. وتعاد الكرة من جديد حتى حدثت اطول حرب في القرن العشرين دامت 8 سنوات بين بلدين مسلمين وجارين منذ آلاف السنين .. وكان هناك احساس غربي بالاسف انها انتهت ..

وفي الحرب السورية كان الاميريكيون يفضلون ان تبقى داعش ووضعوا نبوءات انها باقية ل 30 سنة .. وخطتهم تقضي بأن تبقى داعش في حدود الصحراء السورية العراقية ولكنها ستشاغل ايران وسورية لعشرين سنة وربما تركيا لاحقا في المستقبل وباقي المنطقة ل30 سنة .. ويبدو انهم كانوا يريدون ان تتوقف داعش عند حمص وبعد ذلك يتولى الاخوان باقي سورية .. بحيث لاتكون سورية والعراق بيد جهة واحدة وان كانت اسلامية او بعثية او عثمانية كما منعوا العلمانيين البعثيين من توحيد البلدين رغم انهما من نفس المنشأ القومي العروبي .. الا ان مشروع داعش انهار لأن السوريين فاجؤوهم باشراك الروس والايرانيين والعراقيين في الحرب على داعش وسحقها .. واليوم ليس هناك اي قوة معتبرة للامريكيين في الجزيرة السورية ولكنهم يوظفون اردوغان في ان يبقى في ادلب ليشاغل السوريين والايرانيين ولو لعشر سنوات .. وهم لايريدون ان يحسم الاتراك ولا السوريون .. فمصلحتهم هي في الحرب المديدة .. وهي كل همهم ..

وفي ليبيا .. يحافظون على توازن خبيث لايسمح بسقوط الاخوان ولايسمح للاخوان بان يحسموا .. ولايسمحون للجيش المصري ان يسحق الاخوان في طرابلس .. ويلاحظ ان مصر والسعودية والامارات مسموح لها بحد صغير من المناورة ..ويستغرب الكثيرون كيف ان تركيا سمح لها ان تتوضع في طرابلس ولكن الجيش المصري هو الاقوى في اي مواجهة وهو قادر على اجتياح الاخوان في طرابلس في أسابيع قليلة وانهاء هذا الجيب التركي ولكنه لايسمح له باي تواجد معتبر لسحق الوجود التركي والاخواني رغم انه تهديد مباشر لمصر .. انه ابقاء الازمات مزمنة ..

فالمطلوب هو ابقاء الصراع الى الأبد لان الصراعات المزمنة اما ان تترك خطوط تقسيم جغرافي او تقسيما نفسيا الى حد تكوين هويات جديدة .. وولادة نزعات سياسية اجتماعية .. فالجيل الليبي الذي سيصل بعد سنوات الى الحياة لايعرف شرق ليبيا الا على انها عدو .. وشرق ليبيا لايعرف غربها الا على انه عدو .. وسينمو نموذج حياة وقناعات جديدة تجعل غرب ليبيا غريبا عن شرقها .. دون ان يتعلموا مرحلة ليبيا الواحدة التي عاشت في كنف القذافي وقبل القذافي ..

لذلك سيستمر الصراع والنباح الاعلامي بين المعسكرين الاسلاميين .. الإخواني والوهابي .. ولن تهزم قطر العظمى السعودية الشقيقة الكبرى .. ولن تهزم السعودية العظمى امبراطورية قطر .. وسيدفع كلاهما الجزية للامريكي .. فالكلاب لايسمح لها ان تعض بعضها وهي ممسوكة بالسلاسل .. ومانسمعه هو عواء ونباح .. وهواء ورياح .. سيستمر طويلا .. وللاسف سيأخذ معه جزءا من هذا الشرق وطاقته لسنوات .. وسيقتل معه الكثير من وقت العرب والمسلمين واموالهم وأرواحهم وتذهب صلواتهم للدعاء بين شرقستان باهلاك غربستان وبالعكس .. وسيكتشف هؤلاء جميعا أنهم باتوا الصيدة والدجاجة التي تبيض ذهبا .. والبقرة الحلوب .. وعندما ينتهي البيض والحليب .. سيكون الجميع مشويا على مائدة عيد الشكر الامريكي .. وصحة على قلب الامريكان .. للأسف ..