المقالات

“نصر من الله” و “البنيان المرصوص”

“نصر من الله” و “البنيان المرصوص”

الجديد برس : رأي

د . حمزة الحسن – كاتب ومحلل سياسي سعودي

معركتا “نصر من الله” و “البنيان المرصوص” النوعيتان، اللتان حققت فيهما صنعاء انتصارات مبهرة، تعيدنا قسراً الى طرح سؤال: كيف ستنتهي حرب اليمن العدوانية؟
الحديث عن “حل سلمي” خاصة من قبل قوى العدوان، لا يمكن التعويل عليه، وهو في مجمله يدخل ضمن “التكتيك” المرحلي السعودي.
‏لا يبدو ـ حسب التجربة حتى الآن ـ أن هناك أُفقاً لحل سياسي يؤدي الى إيقاف الحرب العدوانية السعودية.
وما يدعو الى عدم التفاؤل بحل سلمي قريب، الآتي:
١/ ان الرياض جزء من محور أمريكي، من مشروع أمريكي، ينظر الى حرب اليمن كجزء من حرب إقليمية أشمل، هي مشتعلة الآن مع محور المقاومة.

‏وعليه، لا يمكن إيقاف حرب اليمن، فيما تشتعل الجبهات الأخرى المرتبطة ـ قسراً ـ بها.
بمعنى: أنه ما دامت المنطقة تشتعل في حرب محوري المقاومة وأمريكا، فإن استثناء اليمن منها، يبدو شبه مستحيل، ان لم يكن مستحيلا.
٢/ إن قرار الحرب، كما قرار السلم وإيقاف العدوان، ليس شأناً سعودياً محضاً.

‏فلا الرياض كانت قادرة على اشعال الحرب بدون دعم أمريكي مباشر، وغطاء امريكي أممي (القرار ٢٢١٦)؛ الى حد إعلان انطلاقها من واشنطن على لسان الجبير؛ ولا هي قادرة على إيقافها بدون غطاء أمريكي غربي أيضاً.
ذلك أن النصر أو الهزيمة في حرب اليمن العدوانية، يعني هزيمة أو نصر أمريكا نفسها.

‏٣/ إن جوهر الحلّ السلمي ـ أي إيقاف الحرب العدوانية على اليمن ـ يعني هزيمة سعودية أمريكية. أي أنه يعني: عدم تحقّق أهداف العدوان. أي أنه يعني أيضاً ـ ومهما كانت التخريجات: نصراً سياسيا وعسكريا واستراتيجيا لليمن ولأنصار الله بما له من تداعيات خطيرة على مستقبل النظام السعودي نفسه.

‏مزاعم الرياض بأنه “لا يوجد حل عسكري للحرب في اليمن”، صحيحة ولكن الرياض ليست مقتنعة بها، وإن رددتها!
وقولها أنها تسعى لحلّ سلمي، بانت على حقيقتها هذه المرة، حين فجّرت معركة نهم، للوصول الى صنعاء، في الوقت الذي كانت تتساهل فيه بالكلام عن مفاوضات وتهدئة، فيما كانت تعدّ العدة حرباً!

‏بعبارة أخرى: لا يمكن تصديق مقولات الرياض “السلمية”. وهي مقولات أُجبرت على استخدامها، حتى لا تُتهم بأنها لا تريد حلاً سياسيا، في حين أن الحل العسكري شبه مستحيل. وأيضاً حتى تظهر بمظهر الحريص على السلام، بعد ان ضج العالم من جرائمها بحق شعب اليمن، خاصة حين تقصف مدنييه بقنابل عنقودية.

‏الأهم، أن الرياض حينما كانت تتحدث بلغة سلمية أُجبرت عليها، فإنما لاستخدامها كتكتيك، أي لتمرير الوقت، تفادياً لأزمة، أو تهدئة لرأيٍ عام، أو استعداداً لمعركة جديدة.
ولذا لا نستغرب مطلقاً أن آل سعود، وعلى لسان الجبير، أخذوا ينكرون بأنهم هم من بدأ الحرب، رغم أنه من أوضح الواضحات!

‏إذن كيف ستقف الحرب؟ ومتى ستقف الحرب؟
هل لا بدّ من انتظار (انتصار محور على آخر)؟
هذا يطول.. فالحرب الأمريكية على إيران بدأت منذ انتصار الثورة (يوم لم يكن هناك سواها)، وحتى الان (بعد أن تشكّل محور المقـا ومة).
لا يُنتظر انتصار محور على آخر، دفعةً واحدة.
الهزيمة بالنقاط كما هو واضح.

‏السعودي مهزوم في اليمن، ومن ورائه كل قوى العدوان الأمريكية والعربية.
لكنه لا يريد أن يوقع صكّ هزيمته، بإيقاف الحرب، ولن يتوقف عن المحاولة في تغيير المعادلات العسكرية على الأرض ولو بالخداع.
لن يقبل ابن سلمان حلا سلميا يعلم العالم كله أنه صك هزيمته وهو ليس جاهزا لمواجهة تداعياتها.

‏كيف تتوقف الحرب إذن؟
علينا أولا أن لا ننخدع مدّعيات السعودية بأنها تبحث عن حل سلمي.
وعلينا ثانياً، أن نتابع بشكل جيّد النوايا السعودية على شكل خطط تطبقها، بتحويل الصراع الى يمني/ يمني، ومحاولاتها إيجاد بدائل قادرة على الصمود تعوّض ـ في المستقبل ـ الخسارة العسكرية اذا ما وقعت.

‏وعلينا ثالثاً، التأكد من حقيقة أن الرياض لن تستطيع أن تواجه أمريكا، فتقرّر وحدها إيقاف الحرب. اللهم الا في حالة واحدة: اذا وصل السيفُ الى العنق، وانهارت القوات العسكرية السعودية.
حينها ستتخذ الرياض قرار ايقاف الحرب، تفادياً لانهيارها التام. الحرب لن تتوقف الا بجهد عسكري.

‏تؤشر معركتا (نصر من الله) و(البنيان المرصوص) الى إمكانية هزيمة الرياض عسكريا.
فالمعركتان الأخيرتان بالذات، لهما طابع الجيوش النظامية، ونتائجهما ساحقة من حيث المساحة التي تم استردادها والخسائر التي وقعت في جانب الخصم.
هذا النوع من المعارك، ليس فقط يدلّ على تطور في الأداء العسكري..

‏هكذا معارك، تفتح أفقاً لتكرارها على الأراضي السعودية.
واذا ما حدث ذلك، سواء قبل تصفية الجيوب في الحديدة وغيرها، أو بعد ذلك.. فإن انهاء الحرب قد أصبح واقعاً، واعلان الرياض لهزيمتها لا مفرّ منه.
كنتُ أدردش مع د. محمد المسعري ‎فكان هو أيضاً يرى ان لا حل الا باقتحام الجنوب!

‏ورأى ‎المسعري وحسب معرفته، بأن ذلك ممكن وبسهولة جداً.
وقد سبق لي ان كتبت مراراً، بأن الحرب لن تتوقف بدون إسقاط مدن كبيرة. فمثلما تعوّل الرياض على اسقاط الحديدة وصنعاء وصعدة، هناك من يعوّل على اسقاط جيزان ونجران وحتى أبها وما بعد أبها أيضاً.
ما نراه اليوم مستحيلاً هو ليس كذلك!

‏لا أعلم هل كان ذلك من أجل التخويف الدعائي أم هو نابع من شعور بالقلق الوجودي، أن الرياض وكتابها وذبابها كانوا يبررون العدوان، بأنه (لولا عاصفة الحزم، لدخل الحوثي بيوتكم)!
لكن من المؤكد جداً، أن بين النخبة الحاكمة (أمراء وتكنوقراط وغيرهم) يستشعرون خطر انهيار النظام القادم من اليمن.