المقالات

دول منزوعة الأسنان

دول منزوعة الأسنان

الجديد برس : رأي

كارلوس شهاب
يصف المستشرق الفنلندي جورج فالين ضريبة الخوّة أثناء إقامته في معان 1845 بالمعنى العام بأنها “ضريبة يدفعها الضعفاء إلى السادة الأقوياء، والتي تصل لأعلى ثمن ممكن أن تصل إليه لقاء الحماية التي يوفرها الأقوياء” وتسمى الخوّة/ الأخوة، نظرا للمشاركة بالرغم من أن العلاقة بين الطرفين ليست متكافئة بالمرة. ولا يقتصر الأمر على دفع الضريبة (العينية غالبا) بل ترافقها طقوس معينة مثل أن الحماة يطلبون أن تستقبلهم القرى (التي يحمونها) بحفاوة، وأن تستضيفهم بكرم فيما إذا زاروها، ويطلبون كذلك أن تساعدهم في الأحوال الطارئة، وهم يدافعون عنها ويحمونها من تطلبات القبائل القوية الأخرى، ويقومون أيضا بدور الوسطاء في النزاعات التي قد تنشب بينها وبين القبائل.
في عصرنا الحالي لا يوجد أي اختلاف بين مفهوم “الخوّة” البدوي وبين قانون “ادفع لتبقى” الذي تمارسه الولايات المتحدة على من يفترض أنهم حلفاؤها. ليست ممالك النفط والغاز وحدها من تتعرض لهذا الابتزاز المستمر من “إمبراطورية الخوّة” بل هنالك دول نسجت حولها سرديات التقدم والتطور والاستقلال، خذ مثلا العملاق الأوروبي ألمانيا. تحوي ألمانيا ما يقارب 35 ألف جندي أميركي وقيادتين عسكريتين أميركيتين (القيادة الأوروبية والقيادة الأفريقية في شتوتغارت) وتدفع ألمانيا سنويا ضريبة الخوّة ومنذ العام 2019 يلاحقها دونالد ترامب لكي ترفع مدفوعاتها من الضريبة بنسبة 50%. اليابان هي الأخرى عملاق التطور تدفع ضريبة الخوّة صاغرة بقيمة ملياري دولار سنويا لقاء الحماية وفي العام 2019 طالبها ترامب بزيادة 400% أي أن تدفع 8 مليارات دولار. كوريا الجنوبية هي الأخرى تدفع مليار دولار عن حماية 27 ألف جندي أميركي، والزيادة نفسها التي فُرضت على اليابان تفرض عليها. السؤال هو: ما قيمة كل ناطحات السحاب والرفاه الورقي في الخليج وما قيمة كل التطور وسلاسل الاختراع في اليابان وكوريا وألمانيا ما دام أمنها يتعرض للابتزاز؟! ما قيمة أن تملك كل شيء دون قدرتك على أن تدافع عنه ويتخطفك الناس من حولك؟! ما تدفعه إيران وحلفاؤها ثمنا للمقاومة هو أرخص بكثير مما تدفعه هذه الدول المنزوعة الأسنان للخضوع والاستسلام.
*  كاتب وباحث عراقي