المقالات

وفتح قريب

وفتح قريب

الجديد برس : رأي

أحمد الحسني

هذه المرة لم يكن بوسع متحاذق كالجبير أن يواجه سخط النخب في المملكة من فشل سيده قائلا: «من الصعب اكتشاف أشياء صغيرة تطير على ارتفاع 300 متر»، فما تم بثه كان مساحات شاسعة من خيبة الغطرسة السعودية وأسراب ضخمة من مجنزرات خزي تحالف البترودولار وآليات فضائحه وشناعاته، وقطارات على مد البصر من هوان الارتزاق وذل الخيانة، كما ليس بإمكان الأبواق المأجورة لابن سلمان وابن زايد وذبابهما الإلكتروني ولا محللي الأجر اليومي في فضائيات التحالف، أن يشرقوا أو يغربوا بحثا عن منتصر، ولن يتأتى لـ«وول ستريت جورنال» أن تمسح على بقر الخليج بالحديث عن صواريخ مجنحة إيرانية أو طائرات مسيرة عراقية لتحلب أكثر.. هذه المرة لا يفتقر المشهد إلى إضافة ولا يحتمل تضليلا ولا تحليلا ولا اختزالا ولا انتقاصا ولا إنكارا ولا تحويرا ولا تبديلا، ثمة في ذات الصورة فارس ترتسم اليمن في تقاسيم وجهه، وتنساب في خفق أنفاسه، تشرق الشمس بحذاء ناصيته الشامخة، ممسكا سيف الحق، مسربلا بالبسالة، مضمخاً بالقيم النبيلة، مكللا بالنصر، تمر أسراب الأسرى بين يديه لاجئة إلى كريم خلقه، وتحت قدمه تقعي مرغمة عنجهية البترودولار بفائض تخمتها ومجنزراتها وجحافل مرتزقتها وانحطاطها وجرائمها، ليست صورة جديدة، لكنها في مشاهد «نصر من الله» أكبر حجما وأكثر وضوحا وإبهارا وأشد نكاية في العدو وأشفى لصدور قوم مؤمنين.
غمرنا الفخر بشعورنا بالعجز ونحن نعالج اللغة فلا تسعفنا، وملأنا الزهو ونحن نتحدث بإسهاب لا لنضيف شيئاً إلى الحدث، وإنما لنعلن انتماءنا إليه. وبقدر ما أثار إعجابنا ذكاء مراسل الإعلام الحربي الشاب يحيى الشامي وهو يلبس تقاريره الميدانية أجنحة من سحر التراكيب والنصوص القرآنية، لتحلق في رحاب المشهد وتواكب جلاله، بدا وزير إعلام المرتزقة مثيراً للسخرية وهو يتردى سحيقاً في درك الغباء بقوله إن تلك المشاهد «تعكس المأزق السياسي والعسكري الذي يعيشه الحوثي»، فيما كان مراسل علي محسن في برلين مروان الغفوري، يجتر مصطلحاته الدبقة عن النازية وما قبل السقوط، في مقاربة تضحك الثكلى، أبواق ارتزاق أخرى سارعت إلى نشر قوائم متباينة بأسماء وهمية سمتهم القيادات الحوثية التي تم القضاء عليها في معركة كتاف «نصر من الله». أغبياء آخرون اعتبروا أن تأخير بث المشاهد يجعل النصر لاغيا، وآخرون شددوا على أن العملية وقعت في وادي آل أبو جبارة، وقول ناطق القوات المسلحة اليمنية إنها في قطاع نجران هو تضليل إعلامي يجعل العملية كأن لم تكن، والأكثر وقاحة سطا على بعض المشاهد وأعاد بثها على أنها مشاهد انتصارات وهمية في جبهة الضالع، أما متحاذقو المرتزقة فقالوا إن بث المشاهد يعرقل عملية السلام، ويؤكد أننا نريد استمرار الحرب، لكن هذا التحاذق بدا سمجا بدرجة لا تقل عن تنظيرات الغفوري الشقعبرية، وسخيفا على شاكلة الإرياني، ووقحا كالسطو على بعض المشاهد وإعادة بثها كانتصارات وهمية للمرتزقة في جبهة الضالع، ليس لأن بث مشاهد «نصر من الله» غير مستفز للتحالف السعودي الإماراتي، وإنما لأن تلك المشاهد المستفزة بل المهينة للمملكة وتحالفها ورعاتها الغربيين، ظلت طي الكتمان من قبل قيادة القوات المسلحة اليمنية، وأعلن بدلا عنها مبادرة سلام من قبل القيادة السياسية تتضمن وقف كل العمليات العسكرية ضد المملكة، مقدمين لها ولتحالفها فرصة الدخول بماء الوجه في مفاوضات سلام شاملة، وتم الترحيب بها من قبل المجتمع الدولي، وحض المملكة وتحالفها على التعاطي معها بإيجابية، ولكن تحالف العنجهية الجوفاء تجاهلها، واستمر في عدوانه وحصاره وواصل قصف المدنيين وارتكاب المزيد من الجرائم والشناعات، فيما نبح متحاذقو المرتزقة هؤلاء محذرين منها أسيادهم في الرياض وأبوظبي، فبث الإعلام الحربي مشاهد العملية لأن وجه الغطرسة يستحق الصفع، ومن يهن الله فما له من مكرم، وبعد نصر من الله فتح قريب، وبشر المؤمنين.