المقالات

تناقض فاضح

تناقض فاضح

الجديد برس : رأي

راسل القرشي
 
الثلاثاء الماضي اجتمع مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ووقف أمام الانتهاكات التي يرتكبها العدوان في اليمن.. واتفق مندوبو كل الدول المشاركة فيه على طرح الموضوع هذه المرة، بعد قرابة 5 أعوام من العدوان الغاشم على اليمن واليمنيين.
ودعا مندوبو تلك الدول بينها روسيا وبريطانيا لوقف الانتهاكات في اليمن ومحاسبة المتورطين فيها، منددين باستخدام التجويع كسلاح حرب.
والسؤال الذي يجب طرحه هنا: ماذا بعد تلك المطالبات والتنديدات؟ هل تلجأ الأمم المتحدة لتنفيذ مطالب تلك البلدان والمتضمنة حظر بيع الأسلحة لأطراف النزاع كما سمتهم، رغم أن دول العدوان هي من تواصل شراء تلك الأسلحة، فيما اليمن لم يقم بشراء أي أسلحة نتيجة الحصار المفروض عليه منذ 5 أعوام..؟!
هل سيجد ذلك التنديد باستخدام التجويع كسلاح حرب في اليمن من يتفاعل معه في الأمم المتحدة، ويفرض اتخاذ قرارات جدية تؤكد على فك الحصار على اليمن واليمنيين؟!
ندرك يقيناً أن مجلس حقوق الإنسان لا يملك من الأمر شيئاً، وكل ما يقوله مندوبو الدول الأعضاء فيه لا يعدو عن كونه ظاهرة صوتية تصطدم بالقرارات السياسية لنفس الأنظمة التي سمعنا مندوبي دولها ينددون بالانتهاكات التي ترتكب في اليمن، ويطالبون بوقف العدوان، ومن ضمنها بريطانيا التي تعد شريكاً رئيسياً بارتكاب تلك الانتهاكات ضد المدنيين وفي الدمار الكبير الذي شهدته البنية الأساسية اليمنية وفرض الحصار الجائر..!
والشيء الذي يدفعنا للاستغراب كثيراً التناقض الكبير الذي نراه في مواقف هذه الدول سواء في مجلس حقوق الإنسان أو في الأمم المتحدة، حيث نسمع من مندوبيهم في مجلس حقوق الإنسان الإدانات والاستنكارات للانتهاكات التي تركب في اليمن ضد المدنيين، وعلى وجه الخصوص من قبل دول العدوان، فيما نسمع ممثلي نفس البلدان في الأمم المتحدة يقولون كلاماً مغايراً ومناقضاً لزملائهم في “حقوق الإنسان”..!
ألا يدفع هذا التناقض في المواقف والأقوال إلى حالة من الغرابة، أم أن لكل منهم توجهات مختلفة عن بعضهم ومهام لا ينبغي تجاوزها.. أو بعبارة أصح أنت عليك أن تقول وتفعل كذا وأنت عليك كذا وكذا..!
هذه الأقوال والأفعال المختلفة والمتناقضة في ما بينهم تكشف عن غياب الجدية لديهم في ما يخص العدوان والحرب في اليمن والحالة الإنسانية الكارثية التي يعيشها اليمنيون نتيجة الحصار الجائر المفروض عليهم..
نعم هناك عدم جدية وسعي حقيقي لترجمة أقوالهم إلى أفعال، ونقصد هنا ترجمة أقوالهم التي نسمعها في مجلس حقوق الإنسان..
وهذا التناقض يذكرني بمواقف مشابهة كنا ومازلنا نسمعها من سفراء الاتحاد الأوروبي الذين يزورون اليمن، حيث يدلون بتصريحات يقولون فيها إن الحرب المأساوية في اليمن يجب أن تتوقف إذا أردنا لهذه الأزمة الإنسانية غير المسبوقة أن تنتهي.. فإن كانت لديهم الجدية لترجمة هذه الأقوال إلى أفعال فلماذا لا يتحركون عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن ويقودون حلفاً دولياً لوقف فوري للحرب السعودية الظالمة على اليمن ورفع الحصار وفتح مطار صنعاء الدولي.. بالإضافة إلى مطالبة حكوماتهم بوقف مبيعات أسلحتها للسعودية..؟!
أليس في ذلك تناقض حقيقي وانعدام الجدية لإنهاء الحالة الإنسانية المأساوية وغير المسبوقة التي يعيشها اليمنيون ووقف هذه الحرب العدوانية التي طال أمدها؟!
ما يقوله البعض من مندوبي تلك الدول في مجلس حقوق الإنسان أو سفرائهم هنا أو هناك يعكس أنهم يستخدمون العدوان على اليمن والحالة الإنسانية الكارثية التي يعيشها اليمنيون وسيلة للمتاجرة والابتزاز ليس إلَّا..!
يجدون في النظام السعودي وحلفائه الخليجيين حنفية لضخ الأموال إليهم إما عن طريق ابتزازهم أو بيع أسلحتهم.. وأي إجراءات أو تحركات فعلية وجادة لإدانة جرائمهم وانتهاكاتهم للقانون الإنساني الدولي سيؤثر على اقتصادياتهم وعلى علاقاتهم الأكثر من جيدة معهم.
يعكسون بهذه التناقضات ما قالته رئيسة الحكومة البريطانية المستقيلة تريزا ماي عندما ردت على مطالبات المعارضة لها بوقف دعمها للعدوان وقتل اليمنيين بالقول: “علاقاتنا مع السعودية أبقى وأجدى من قتل اليمنيين”..!
ونستطيع أيضا معرفة مواقفهم الحقيقية من خلال عدم قدرتهم على التوجه صوب تشكيل لجنة دولية محايدة ومستقلة للتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام السعودي وحلفاؤه في اليمن.
ولا شك أيضاً أن ما قاله مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، نهاية العام الماضي: “إن تحفظ المجتمع الدولي عن طلب العدالة لضحايا النزاع في اليمن لهو أمر مخز ويسهم بطرق عدة في استمرار الرعب”، يكشف حقيقة ما يجري في اليمن والسبب الحقيقي وراء الصمت الدولي المخزي وغير المبرر.
وهكذا سيستمر النظام السعودي باستعراض عضلاته على المدنيين والتلاعب بالقوانين الدولية نتيجة انعدام الجدية من قبل مجلس حقوق الإنسان الأممي ومجلس الأمن والتعاطي غير المسؤول مع ما يشهده اليمن من دمار شامل وما يعانيه اليمنيون من تجويع وقتل وإبادة.