المقالات

حرساً شديداً وشهباً

حرساً شديداً وشهباً

الجديد برس : رأي

صلاح الدكاك

عاصفة الأخبار السيئة تهب على الأحادية القطبية وكياناتها الوهابية الصهيونية تباعاً من تلقاء اليمن
من صفر الإمكانات المادية أخذ مؤشر الخط البياني لمعادلة الرد والردع اليمني منحنى صاعداً إلى الأعلى خلال خمسة أعوام من الاشتباك. في المقابل يأخذ مؤشر الخط البياني لتحالف العدوان الكوني منحنى هابطاً بصورة منظورة لعيان الرأي العام المتابع لمجريات الاشتباك، وهو الذي دشن عملياته الحربية ضد شعبنا بدءاً من ذروة الإمكانات المادية التي تمثل اختزالاً لكل عبقريات التصنيع الحربي، الغربي والشرقي، فضلاً عن اتكائه على خزائن البترودولار المتخمة بالسيولة والنقد، كما وعلى نفاق عالمي سياسي وحقوقي مطلق وبلا نظير في تاريخ التحالفات والحروب.
هذه الحقائق المنظورة في مآلات الاشتباك بعد نصف عقد من عمره لا تتيح -فحسب- للقيادة الثورية والسياسية اليمنية موقعاً تفاوضياً متقدماً ضاغطاً لجهة وقف العدوان، فهي بالإضافة إلى ذلك تؤسس لوجود يمني وطني وازن إقليمياً في حال استمر الخط البياني لجديد التصنيع الحربي لجيشنا ولجاننا في صعود، وثبوت جدوائية مخرجاته ميدانياً كمدخلات في الاشتباك مع تحالف العدوان الكوني، وهو كذلك بشواهد الحال بين الحين والآخر، أي أنه مستمر بالفعل، ورصيد مفاجآته فوق حسبان مراكز الاستشراف الاستراتيجي للعدو.
إن خطورة حقائق كهذه تكمن في ما ستسحبه من آثار مستقبلية على بنية التوازنات والنفوذ الإقليمي والدولي الناهضة برافعة الغلبة الأحادية للغرب بقيادة أمريكا. أي أن المعضلة التي يواجهها المدير التنفيذي للعدوان ليست مقصورة على حاجته الملحة لفض الاشتباك عاجلاً كسبيل وحيد لاستنقاذ كياناته الوظيفية الخليجية الموسدة والمنكشفة أمام معادلة الردع اليمنية الجديدة، فحسب، فالأعقد من ذلك هو حاجته لكبح سيل المتغيرات هذه في حدود جغرافية يمنية ضيقة، ووسط مناخ داخلي يمني غير مواتٍ لأن يكتسح مدها جغرافيا الجوار الإقليمي بما يقسره على الرضوخ لإعادة بناء توازنات جديدة في المنطقة خصماً من الأرصدة الوجودية لأحادية الهيمنة القطبية الراهنة، وبما يهدد كيان العدو الصهيوني في صلب معادلة بقائه القائمة على تفوق الردع المطلق في جوار عربي وإسلامي منزوع الأظافر ومستلب كلياً لجهة مركز الهيمنة الغربي.
لقد برهنت حقائق الاشتباك اليمني مع كبريات دول البترودولار أن الكيانات الوظيفية الخليجية، وتحديداً المملكة، هي حقل تمظهر القوة الصهيونية في سقفها العسكري الأعلى، وأن انكشاف هذه الكيانات لضربات الردع اليمني على النحو المشهود اليوم يعني بالنتيجة انكشاف كيان العدو الصهيوني، الأمر الذي يفسر العويل المسموع لـ»تل أبيب» والمتصاعد بتصاعد متغيرات الاشتباك إيجاباً لجهة الاقتدار العسكري اليمني، فمداميك الوجود النفطي الوظيفي المتآكلة بفعل ضربات استراتيجية الردع التي دشنها جيشنا ولجاننا بعملية التاسع من رمضان على «أرامكو» في الرياض، هي بالنتيجة تآكل ونقصان في مداميك الوجود الصهيوني. وفي هذا السياق يأتي إقرار نتنياهو الأخير بالمشاركة المباشرة في العدوان العسكري على اليمن، وبغارات طيرانه على ما وصفها بـ»أهداف إيرانية في باب المندب». هذا الإقرار يمكن قراءته تحليلاً بحاجة الكيان الصهيوني للبروز إلى واجهة مشهد الاشتباك بما يجعله طرفاً في العملية التفاوضية حول مستقبل التسوية في اليمن، والتي يريد لها أن تكون ضامنة لـ»مصالحه وأمنه القومي»، وفي الحد الأدنى ضامنة لئلا تمثل اليمن تهديداً مستقبلياً له.
إن التصعيد البريطاني الأمريكي الأخير عسكرياً ودبلوماسياً في فرض قواعد اشتباك أحادية غربية تقسر إيران على الانكفاء عن مضيق هرمز كـ»طرف دخيل يهدد أمن الملاحة الدولية» كان ضربة الحظ الأخيرة التي حاولت من خلالها بريطانيا وأمريكا البرهنة على قدرتهما في حماية الكيان الصهيوني دون حاجة لبروزه إلى مسرح الضوء والعلن. وبما أن هذا التصعيد قد فشل واستطاعت إيران فرض وجودها المشروع في المياه الخليجية كطرف أصيل وضامن للأمن الإقليمي فإن الغرب قد دفع بـ»أبوظبي» للتفاوض المباشر مع «طهران» لامتصاص هذه النتائج ضمن البوتقة الإقليمية، وبما يتيح لـ»إسرائيل» ادعاء كونها كذلك طرفاً وجودياً أصيلاً في المنطقة ومن حقها ضمان أمن الملاحة فيها على القاعدة ذاتها التي تتيح لـ»إيران» الحضور العلني. وهكذا مخرت القطع العسكرية البحرية الصهيونية عباب الخليج بتشبيك «إماراتي سعودي» سابق ضمن مجريات «التطبيع».
بتفاوضها المباشر مع إيران عقب فشل التصعيد الغربي أرادت الإمارات أن تقول إنها ليست ضد حق الجار الفارسي المسلم في مزاولة نشاطه الأمني الإقليمي المشروع في مضيق هرمز ومياه الخليج؛ وفي المقابل فإنها تتعاطى مع «إسرائيل» انطلاقاً من القاعدة ذاتها وباعتبار كيان العدو الصهيوني طرفاً أصيلاً في المنطقة على حدٍ سواء مع إيران في التعليل الإماراتي المخاتل.
من هنا كانت تسمية صنعاء رسمياً سفيراً لها لدى طهران، إثر الاستقبال الإيراني الشهير والمائز لوفد حركة أنصار الله على مستوى رسمي شمل لقاءً متلفزاً مع وزير الخارجية «جواد ظريف» كما ومع المرشد الأعلى «السيد علي خامنئي»، كفيلة بإثارة سخط «لندن ـ واشنطن ـ تل أبيب» علاوة على الرياض وأبوظبي، إذ إن ذلك يعني أن المحاور بدأت تتخلق علناً وفي واجهة الاشتباك، الأمر الذي جهدت قوى الاستكبار في الحيلولة دون حصوله، لاسيما وأنها لم تضع في حسبانها أن صنعاء قادرة على اتخاذ هذه الخطوة وفي هذا التوقيت وبهذه الجرأة والمكاشفة والحنكة الدبلوماسية، إذ اعتقدت أن شيطنة صورة إيران لدى الرأي العام اليمني ستجعل القيادة السياسية والثورية عاجزة عن المضي صوب بناء علاقات إقليمية إيجابية مع طهران توسع وتعمق عوامل التداعي في بنية النفوذ الأحادي القطبي الغربي على مستوى المنطقة ومن ثم العالم.
دلالات الكشف عن منظومتي دفاع جوي يمني جرى اختبارهما عملياً في مسرح الاشتباك، لن تتكشف أبعادها الاستراتيجية دفعة واحدة في اللحظة الراهنة، وإنما ستسحب أثرها العميق تباعاً على مستقبل المنطقة خلال المداءات القريبة المنظورة والمتوسطة والبعيدة، وهو ما يعني أن اليمن تتجاوز اختبارات الجدارة الوجودية القُطرية الوازنة بوتيرة متسارعة صوب البرهنة على جدارة الحضور الإقليمي الوازن بوعد حضور مثيل على المستوى الدولي.
يبقى جنوب اليمن المحتل آخر صندوق شرور يحاول المدير التنفيذي الأمريكي تطويعه لينوب عن عجزه في إجهاض هذه المسيرة اليمنية المقتدرة وتثبيت موطئ قدم وتشريع منافذ آمنة و»شرعية» على ترابه لكياناته الوظيفية، وفي مقدمها العدو الصهيوني، للتعويض عن عجزه في محو المتغير الثوري اليمني المناهض للهيمنة الأمريكية والمعادي للكيان الصهيوني، أو تطويع قرار القيادة الثورية في صنعاء بالحد الأدنى لجهة كبح المد الداهم لهذا المتغير بحدود غير عابرة للإقليم،  وإماتته تدريجياً انطلاقاً من خناق جغرافي قُطري مواتٍ -وفق حساباته- في الجنوب المحتل.
على أن عاصفة الأخبار السيئة لا تزال تهب على الأحادية القطبية وكياناتها الوهابية الصهيونية تباعاً من تلقاء اليمن والقادم يحمل نُذر سوء أنكى عليها من ماضي المواجهة فسماء أيلول باتت كأرضها ومُلئت حرساً شديداً وشهباً.