المقالات

في مواجهة السلفية اليسارية

الجديد برس : رأي

فهد حجازي – كاتب يساري
في غمرة العدوان المستمر الذي تتعرض له بلادنا من قبل قوى الهيمنة العالمية، دأبنا على إعادة قراءة جديدة لتاريخ بلادنا، بناء على معطيات التركيبة الاجتماعية والعملية الاقتصادية، أي المادية التاريخية ونمط الإنتاج حسب الفلسفة الماركسية، أو العمران البشري والمعاش حسب ابن خلدون.
تطرقنا في ما تطرقنا إليه تناول الماركسية لقضايا بعيدة عن التطور الرأسمالي للغرب، ذلك المجال الذي أبدع فيه ماركس وإنجلز، وأشبعاه بحثاً وتدقيقاً وتكراراً في مؤلفات رأس المال بأجزائه الثلاثة، والمادية التاريخية، وغيرها من كتب في نقد الاقتصاد السياسي. أما عندما وصل الأمر لتحليل الوضع في المستعمرات، فقد تناولها الفيلسوفان بكثير من السطحية والاستخفاف، ومن خارج ما سطراه بإسهاب وعمق حول أوروبا.
وللعلم، فقد زار ماركس الجزائر في العام 1866، وراعه التخلف والبؤس الذي ترزح به البلاد، فارتأى أن ما تحتاجه تلك الفيافي لانتزاع شعبها من براثن التخلف، هو الاستعمار الأوروبي، مع أن الفرنسيين كانوا يحتلون الجزائر منذ العام 1830، فكيف أغفل ماركس عن دراسة معمقة لمادية الجزائر التاريخية؟!
أما في ما يخص الهند، فكانت الوصفة نفسها جاهزة من أجل وضع البلاد على سكة الحضارة، دون النظر إلى تركيبة البلاد الاجتماعية وطريقة عيشها، ودون النظر إلى كون البلاد تسيطر عليها شركة الهند الشرقية، أي أنها مستعمرة بريطانية منذ العام 1765م!
وأما في ما يخص مصر، فقد تناولنا ثورة أحمد عربي على الاحتلال الإنكليزي، المسألة التي لم يرَ فيها فريدريك إنجلز سوى تمرد لمستبد شرقي، ووازى في التنديد بين عرابي وبين الاحتلال البريطاني، دون البحث في مادية مصر التاريخية، ولا تاريخ مصر الحضاري العريق، وسبب نكوصها.
هذه هي الأمور التي سببت لدى بعض الرفاق كل هذا الهلع والامتعاض، من منظور أن النص الماركسي مقدس ولا يجوز نقده أو المس به، وأن تناوله يعتبر مساً بالذات الماركسية!
فقد اعتبر البعض أن “نقاشاً ماضوياً” كهذا تسبب في التشويش لدى بعض المتمركسين الجدد، وأدى إلى خسارة لعناصر كان جرى العمل لإقناعها بالفكر الماركسي، وفكرة الصراع الطبقي في مجتمعاتنا؛ فيما تم إغفال أن هذه المجتمعات تخضع لقوى تابعة لمنظومة الهيمنة الغربية، وتغلب عليها التركيبة القرابية (من عشائر وقبائل وإثنيات وطوائف ومذاهب، وحتى حزبية)، في ظل اقتصاد ريعي خاص، أقصى ما يمكن أن يمت به إلى الرأسمالية، هو كونه رأسمالاً شكلياً (تمثيلياً) قاعدته الأساسية خارجية!
ما يهم الكلام هنا، أننا في المشرق، والعربي منه على وجه الخصوص، بالكاد نتلمس طريقنا من أجل التحرر من التبعية، وإن الاعتقاد بأن المعركة مع حيتان المال المحليين (حسب تسمياتهم)، وليس مع الأسياد العالميين لهؤلاء النواطير (حسب تسميتنا)، إنما هو وهم طفولي يساري، وهو تسطيح للوعي وهدر للطاقات الشبابية وتضييع لجهودها وتعريضها للمزيد من خيبات الأمل بسبب النتائج الصفرية لنضالهم الذي يُقاد بوهم المطالب الديمقراطية ومحاربة الفساد؛ بينما وسيلة النضال الضرورية هي المقاومة من أجل التحرر من التبعية، وعندها فقط يمكن الرهان على بناء اقتصاد وطني مستقل فوق جغرافيا تتسع لسوق كافية لهكذا اقتصاد.
من هنا نقول للمؤمنين السلفيين الماركسيين، تعالوا إلى نقاش موسع لأوضاعنا، عبر إعادة قراءة تاريخنا ضمن معطيات المادية التاريخية ذاتها، لنفهم تركيبة بلادنا الاجتماعية وسبل عيشها، وأسباب انسداد تطورها، وسبل تحررها ووضعها على سكة الخلاص!
عن صفحة مجموعة العمل الوطني العربي – فيسبوك