المقالات

ضريبة النجاح

ضريبة النجاح

الجديد برس : رأي

عبدالمجيد التركي

يا لهذه الحياة التي تُجبرنا على أن نشرب من موارد موحلة، وحين نجد الماء سرعان ما يتلاشى سراباً، لكأنها مفارقة لا يقدر الموسرون والمعسرون على فكِّ طلاسمها المحيِّرة!
فقراء تجد الفرحة مرسومة على أبواب بيوتهم التي لا تعدو أن تكون صفيحاً. وأغنياء ترى أبوابهم متجهِّمة كأنها تعكس ما بداخل هذه القصور من التعاسة التي أغرق جبران خليل جبران في وصفها، إلى حدٍّ يجعلنا نشعر بالشفقة تجاههم، رغم خزائنهم التي تحوي كلَّ شيء سوى الحياة.
يكرر التاريخ نفسه مع “هند” كما فعل مع أمها التي كانت في عصمة رجل لا يربطها به سوى عقد زواج بائس، ورقة كتبها قاضٍ أخرق ووقَّع عليها رجلان لم يكونا يعرفان أنهما يوقِّعان على حكم إعدام، دون أن ترتعش لهما يد!
جاءت “هند” وهي ترفرف بشهادتها، وكأنها تحاول أن تستخدمها كجناح، لشدة فرحتها باجتيازها المرحلة الإعدادية.
لم تنتبه إلى كفِّ أمها. بقي وجهها مشتعلاً لساعات. ذكَّرتها تلك الصفعة بحقنة التخدير التي جعلت وجهها ينتفخ، ذات يوم، وهي في عيادة الأسنان.
هل كان مطلوب منها أن تأتي بشهادة رسوب كأختها الكبرى، سلوى، كي تتجنَّب مثل هذه الصفعة؟!
وكأنها لا بد أن تتظاهر بالحزن لرسوب أختها الفاشلة، التي لم تكن تعلم شيئاً عن رسوبها إلَّا بعد ساعات من تلك الصفعة!
أسئلة ظلت تنكزها وتلحُّ عليها حتى بعد تخرُّجها من الجامعة، دون أن تجد إجابة، رغم أنها ليست أسئلة وجودية.. لكن مفردة “لماذا” كانت تجعل كل شيء يمشي بالمقلوب كلَّما وضعت يدها الصغيرة على خدها، وكأنها تقيس بها أصابع أمها الكبيرة.
هند الآن في المصحَّة، تضمُّ يديها على صدرها وتتكوَّر على نفسها كجنينٍ يحاول العودة إلى رحم أمه الآمن.