المقالات

روابط السلام والحرب والوصاية

الجديد برس : رأي

لطف الصراري

مارتن جريفيث يطير مجدداً إلى صنعاء للمرة الثالثة في شهر يناير. ما زال الخلاف بشأن تنفيذ اتفاق ستوكهولم قائماً، وبريطانيا حريصة على تثبيت الاتفاق بشتى الوسائل. لا يوجد مبرر منطقي لربط مساعي جريفيث الدؤوبة بحرص بريطانيا على تثبيت الاتفاق، غير أن الزمن هو الرابط الأكثر منطقية وثباتاً عبر التاريخ.
جريفيث مواطن بريطاني، ويتمتع بكل الخصال التي يتمتع بها المسؤول الإنجليزي؛ من المثابرة إلى طريقة التفكير الدبلوماسية بالفطرة. ناهيك عن أن الحكومة البريطانية تطالب كل مواطنيها بما يسميه روبرت فيسك «الواجب الوطني».
في كتابه «الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة»، يذكر فيسك لقاءه بمسؤول استخباراتي قديم، ويجري معه مقابلة عن دور بريطانيا في الانقلاب على حكومة مصدّق في إيران. وفي السياق لا يتردد المسؤول الاستخباراتي عن تذكير الصحافي بكونه بريطانياً قبل كل شيء، وأن عليه واجباً وطنياً. بغض النظر عن الطريقة التي أدّى فيها فيسك واجبه الوطني تجاه بلده، غير أنه لا شك قد فعل ذلك على الطريقة البريطانية الذكية. تستطيع أن تلمح ذلك من تركيز وصفه الأسطوري لشخصيتي آية الله خميني وأسامة بن لادن، مقابل الوصف الأقل تركيزاً وتقديراً لرؤساء الدول؛ من صدام حسين إلى ياسر عرفات والملك حسين بن طلال.
جوهر السياسة البريطانية يعتمد على ضرب الجوامع الوطنية للشعوب، وهي تفعل ذلك بأكثر الطرق دهاءً حتى ليبدو راسمي ومنفذي السياسات الأمريكية مجرد مبتدئين شديدي الفجاجة.
لا تشجع بريطانيا العنف وإسقاط الأنظمة غير المريحة لها عبر الفوضى و«قواعد الاشتباك» الأمريكية. وفي ما يخص العنف المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، لا شك أن المملكة المتحدة لن تؤيد انجراف الأوضاع نحو مزيد من العنف، لكن لن يكون بمقدورها الوقوف أمام صفقات السلاح. ليس ذلك وحسب، بل إن جزءً مهماً من سياستها الخارجية يعتمد على هذه الصفقات المدمرة، مثلها في ذلك، مثل نظيراتها الكبرى المنخرطة في الصراع الدولي. وقد صرّح وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، في نوفمبر من العام الماضي، أن وقف بيع الأسلحة للسعودية يعني أن نفوذ بلاده في إنهاء الحرب في اليمن سوف «ينخفض إلى الصفر». هذه هي وجهة النظر الأمريكية التي أدارت بها حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، ومن الصعب على بريطانيا اعتراض الفجاجة الأمريكية.
في ما يخص المنطقة العربية، سعت بريطانيا خلال حقبة الاستعمار القديم، وبناءً على اقتراح مدراء شركة الهند الشرقية، إلى احتلال عدن. وسنة بعد أخرى، وطدت المملكة المتحدة سيطرتها على مستعمراتها في البحر الأحمر وبحر العرب، شأنها شأن بقية مستعمراتها الخاصة تحت الشمس التي لا تغيب. وفي الوقت الذي اعتقدت فيه شعوب العالم ونخبه من قادة الفكر والفن والأدب، أن زمن الاستعمار والوصاية على الشعوب قد ولّى، يفاجئنا قادة هذا الزمن العصيب من أمثال ترامب وماكرون وتيريزا ماي، أن ما سماه إدوارد سعيد الزمن «ما بعد الكولونيالي»، لم يكن سوى استراحة محارب بالنسبة للغرب المتنمّر. وعلى ذلك، سوف تستمر مساعي جريفيث لتثبيت اتفاق ستوكهولم التاريخي مهما كلف الأمر.