المقالات

*”طه ربيعُ المُهتدينْ”*

الجديد برس : رأي

رقية الصفي

سَـ أبتدأ حديثيّ معكُمْ مِنْ مكة مكانْ مولد الرجُل الذي مارسّ أعظمْ تأثير في حياة الجِنس البشريّ *مُحمداً صلوات الله عليه وعلى آله* وسأعود إلى عام 569 ، العام الذي تغيرت الأوضاع العالمية تغيراً مفاجئاً عند ظهور *” شخصية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي كانت ولازالت خطاً فاصلاً واضحاً في كل مجرى التاريخ ” .*

ما يمكنني ذكره والحديث عنه بين هذه السطور هو نُبذةً عنْ حياته المُتسلسلةِ مِنْ صور مُتتابعة جميلة، فَـ هُناك مُحمد النبي، ومُحمد المُحارب، ومُحمد رجُل الأعمال، ومُحمد رجُل السياسة، ومُحمد الخطيبْ، ومُحمد المُصلح، ومُحمد ملاذ اليتامى، وحاميّ العبيد، ومُحمد مُحرر النساء، ومُحمد القاضيّ.

وكان مُحمداً قائداً سياسياً وزعيماً دينياً في آن واحد، لكن لم تكُن لديه عجرفة رجال الدينْ، كما لم تكُن لديه فيالق مثل القياصرة، ولم يكُن لديه جيوش مُجيشة أو حرس خاص أو قصر مُشيد أو عائد ثابت، فإِذا كان لأحد أنْ يقول بإنهُ حكم بِـ القدرة الإِلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يُسانده أهلها.

إِنهُ خاتم الأنبيا والمرسلين ، الذي لُقب بِـ الأمين مُنذُ الصِغر بإِجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحُسن سلوكه، ومهمّا يكُن هُناك مِنْ أمر ، فإِنَّ مُحمداً أسمى مِنْ أنْ ينتهي إِليه الواصف، ولا يعرِفهُ مِنْ جهلِه، وخبيرٌ بِهِ من أمعنْ النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك مُحمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم.

ولقد عُرِفَ الرسول الأعظم بِـ خلوص النية والمُلاطفة وإِنصافهُ في الحُكم، ونزاهة التعبير عنْ الفكر والتحقق، وبِالجملة كانْ مُحمداً أزكى وأدينْ وأرحمْ عربْ عصره، وأشدهُم حفاظاً على الزمام فقد وجههُم إِلى حياة لمُ يحلموا بِها مِن قبل، وأسس لهُم دولة زمنية ودينية لا تزال مُتجسدةً إِلى يومنا هذا

وقد قام الرسول بِأعظم دور يُمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض ، وأدرك بعقليته الواعية لِما يقوم به اليهود من مكايد ، وقام بتحقيق هدفه في إبعادهم عن النَّيْل المباشر من الإسلام الذي مازال حتى الآن هو القوة التي خُلقت ليحل بها السلام ، وهذا أقل ما يُقال عنْ مُحمداً أنهُ قد جاد بِكتابٍ وجاهد ، وأنْ دين الإِسلام لم يتغير قط .

لايوجد إعتراض أيضاً في أن نبي الله مُحمداً كان رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، فقد كان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فَـ كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه.

كُل هذهِ الأدوار الرائِعة في كُل دروبْ الحياة الإِنسانية تؤهِلهُ لأنْ يكون بطلاً.
ومن هُنا سأتطرق إلى صفاته صلى الله عليه وآله وسلم الجديرة بالتنويه والإِجلال مِنها الرقة والإِحترام اللتانْ كان يُعامل بِهِما أتباعه حتى أقلهُم شأناً ، فَـ التواضع والرأفة والإِنسانية وإِنكار الذات والسماحة والإِخاء تغلغلتْ في نفسه ووثّقتْ بِه محبة كُل من حوله .

ومن أرفع الأدلة على صدق *النبي محمد صلوات الله عليه وآله وسلم* كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به فقد كانوا مُطَّلعين على أسراره ولو شكوا في صدقه لما آمنوا به.

ولم يتناسى الرسول أحكام الإسلام في شأن المرأة ، فقد جاءت صريحة وفي وفرة العناية بوقايتها من كل مايؤذيها ويشين سمعتها .

فقد كان رسول الإسلام يعرف أن المرأة ستجد طريقها بجوار الرجل ذات يوم، لذا آثر أن تكون المرأة متدينة ، وأن يكون لها لباس معين، حتى تقي نفسها شر النظرات وشر كشف العورات.

ورجل بهذه العبقرية لا أستطيع أن
أقول إلا أنه قدم للمجتمع أسمى آيات المثالية وأرفعها وكان جديراً أن تظل
الإنسانية مدينة لهذا الرجل الذي غيَّر مجرى التاريخ برسالته العظيمة.

وليعلم الجميع أن استعداد النبي لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيداً وقائداً لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه.

وقد اُختير النبي محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ ، قد يندهش القراء ، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين : الديني والدنيوي.

فَـ هُناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد
الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته.

وإن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على
نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مُصلح آخر في التاريخ كله.

ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وقرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء ، فَـ الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله لا يزيد حرفاً ولا ينقص هو القرآن الكريم ، مِن هُنا يجب التأكيد أن القرآن من الله ، ومنه أيضاً لا شكوك في ثبوت رسالة مُحمد.

يكفينا فخراً بنعمة النبي محمداً صلوات الله عليه وعلى آله وسلم الذي خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.

نعم؛ هو مُحمداً وما أدراكُمْ من مُحمد !

تمعنوا ولاحظوا ما قلت وما هي ، الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان والتي تُعتبر هي سمو الغاية والنتائج المُذهلة مع قلة الوسيلة..

فمن ذا الذي يجرؤ أن يُقارن أياً من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في عبقريته؟!

هؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات ، ولم يجنوا إلا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم.

ولكن النبي مُحمد ” صلى الله عليه وآله وسلم “ لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله).

كان طموح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) موجهاً بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما
إلى ذلك، حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين:
الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث.

فالشق الأول يبين صفة الله *(ألا وهي الوحدانية)* ، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى *(وهو المادية والمماثلة للحوادث)* ، ولتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المُدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).

هذا هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام، هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة، هذا هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولا أُنكر أن أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية وبحثت في ذلك ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود؛ فَـ أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد ، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق.

وصحيح أنهُ يزعم المُتعصبون *محمداً لم يقوم بهذا إلا للشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان*
كلا والله !!

لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير المتورِّد المُقْلتين ، العظيم النفس المملوء رحمةً وخيراً وحناناً وبراً وحكمةً وإربةً ، من ونهى أفكار غير الطمع الدنيوي ، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا وتلك نفس صافية ، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مُخلصين جادين ، ووالله إني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنٌّع .
*” إنما محمد شهاب قد أضاء العالم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء “.*

لقد أُخِذتْ سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بألباب أتباعه ، وسَمتْ شخصيته لديهُم إلى أعلى علِّيِّين ، فآمنوا برسالته إيماناً جعلهم يتقبلون ما أُوحِيَ به إليه.

ومِنْ المُستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء .

ونحن سنصف مُحمداً ، ولن ننكر ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع.

*أنا من المنبهرين بشخصية النبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء* صلوات الله عليه وعلى آله وسلم

وهذا بعض مما تحدث عنه الغربيون والمستشرقون عن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ويوجد لديهُم كُتب بإسم أعظم خلق الله ، والآن بعد إِتماميّ للحديث برأيكُم وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية ، أود أن أتساءل :- هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ، وهل هُناك أيّ معارضة لإحياء ذكرى مولد الرسول الأعظم ، ومن هو أعظم مِن الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم للإحتفال بيوم مولده.. ؟ هل وصلت للقليل مما كان به النبي مِن حكمة وغيرها، سأُنهي حديثي بمغزى لكي أجعل كُل شخص يعمل على قياس إجابته وينظر مِن منظور حياته ومنظور حياة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم، ولكي يدفع للتحسين مِنه للأفضل ..

اعتذر عن إطالة الحديث، الا أن رسول الله مهما كتبنا وقلنا وطال الحديث عنه لن يوافيه حقه ..