
تمثل الجرائم الاستعمارية الاستراتيجية النواة الأولى للاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، والتي استمرت لقرابة 130 عامًا، لم يكن هذا الاحتلال مجرد توسع إمبراطوري عابر، بل كان مخططًا بعناية لضمان السيطرة على ممرات التجارة العالمية والموارد الاستراتيجية في المنطقة.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على بعض من الجرائم الاستعمارية الاستراتيجية التي ارتكبتها بريطانيا، بدءًا من الاستيلاء العسكري على عدن، مرورًا بإنشاء المحميات، وانتهاءً بتحويل عدن إلى مستعمرة تاج بريطانيا.
الجديد برس | تقرير
الاستيلاء العسكري على عدن (1839)
في 19 يناير 1839، قامت بريطانيا باحتلال مدينة عدن بالقوة العسكرية، مبررة ذلك بحادث جنوح سفينة هندية في عام 1837. كان هذا الحادث بمثابة ذريعة للاحتلال، حيث كانت عدن تتمتع بموقع استراتيجي حاسم في البحر الأحمر، مما يجعلها نقطة تفتيش رئيسية للممرات البحرية بين الهند وأوروبا.
“احتلت بريطانيا عدن بالقوة العسكرية في 19 يناير 1839، بعد حادث جنوح سفينة هندية في عام 1837 استغله البريطانيون كذريعة للاحتلال. تم الاستيلاء على الميناء الاستراتيجي في البحر الأحمر الذي كان يمثل نقطة مهمة في الممرات البحرية بين الهند وأوروبا.”
كان الهدف الاستراتيجي من هذا الاحتلال هو تأمين خطوط المواصلات مع الهند، التي كانت تُعد تاج الإمبراطورية البريطانية، كما مكّن هذا الاحتلال بريطانيا من السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، مما أعطاها قدرة على التأثير في حركة التجارة والشحن في المنطقة .
إنشاء المحميات وتوسيع النفوذ
بعد احتلال عدن، لم تقف بريطانيا عند حدود المدينة، بل بدأت في توسيع نفوذها إلى المناطق الداخلية لليمن، في عام 1937، تم إنشاء محميات عدن الغربية والشرقية، والتي شكلت ما يُعرف بـ “محمية عدن”، تم إنشاء هذه المحميات بشكل رسمي بناءً على مرسوم ملكي صدر في 18 مارس 1937، وقسمت المحمية إداريًا إلى قسمين غربية وشرقية .
كانت هذه المحميات تخضع لسيطرة بريطانية غير مباشرة، حيث تم إبرام اتفاقيات مع السلاطين والحكام المحليين، مما سمح لبريطانيا بالتحكم في شؤونهم الداخلية والخارجية دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر، كان الهدف من هذه السياسة هو ضمان ولاء هذه المناطق لبريطانيا ومنع أي نفوذ أجنبي آخر في المنطقة.
تحويل عدن إلى مستعمرة تاج بريطانيا (1937)
في عام 1937، تم تحويل عدن من مجرد قاعدة عسكرية وتجارية إلى مستعمرة تاج بريطانيا، مما منحها وضعًا قانونيًا رسميًا كجزء من الإمبراطورية البريطانية، في المقابل بقي الريف المحيط بها (المحميات) تحت إدارة بريطانية غير مباشرة .
كان هذا التحول بمثابة إعلان رسمي للاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وفتح الباب أمام المزيد من الاستغلال الاقتصادي والسياسي، أصبحت عدن مركزًا إداريًا وعسكريًا للإمبراطورية البريطانية في المنطقة، وشهدت تطورًا ملحوظًا في البنية التحتية والخدمات، لكن هذا التطور كان يخدم في المقام الأول المصالح البريطانية.
تُعد الجرائم الاستعمارية الاستراتيجية التي ارتكبتها بريطانيا في جنوب اليمن هي الأساس الذي بُني عليه الاحتلال، من خلال الاستيلاء العسكري على عدن، وإنشاء المحميات، وتحويل عدن إلى مستعمرة تاج، نجحت بريطانيا في فرض سيطرتها على المنطقة وتأمين مصالحها الاستراتيجية. هذه الجرائم لم تكن مجرد أحداث تاريخية منفصلة، بل كانت جزءًا من استراتيجية إمبراطورية متكاملة للاستيلاء على موارد العالم وموارده.




