الأخبار المحلية تقارير

لندن تُعاكس اتفاق الهدنة… لا تتنازلوا لـ«أنصار الله»

الجديد برس / تقارير / جريدة الأخبار اللبنانية:

تلعب بريطانيا دوراً معاكساً لمشروع توسيع الهدنة في اليمن، مُحاولةً الحيلولة دون إدراج بند الرواتب ضمنه، بدعوى كون ذلك تنازلاً من قِبل «التحالف» لـ«أنصار الله». وفي اتّجاه مساوق، باركت لندن الإجراءات الاقتصادية لحكومة عدن بوصْفها ضرورية لتجاوز آثار الحظر المفروض على تصدير النفط، على رغم انعكاسات تلك الإجراءات «الكارثية» على أوضاع اليمنيين المتردّية أصلاً. والواقع أن هذا الأداء لا يشذّ عن سياق انخراط بريطاني مزمن في ديناميات الحرب، تارةً بما يتطابق مع مصالح التحالف السعودي – الإماراتي تماماً، وطوراً بما يلائم سياسات المملكة المتحدة الخاصة، ويخدم طموحها إلى استعادة هيمنتها على البلد الواقع جنوبيّ الجزيرة العربية

يَحضر الشريكان الغربيّان الرئيسان للتحالف السعودي – الإماراتي في اليمن، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في كلّ محطّة أو مفصل حيوي في الأحداث اليمنية، ولا تفوتهما أيّ فرصة ليُدخلا أنفَيهما في قلب الأحداث. هذا في الظاهر، أمّا في العمق، فإن واشنطن ولندن تلعبان دوراً رئيساً في توجيه الأحداث وصُنع سياسات الحلفاء اليمنيين. إذ تؤدّي العاصمتان مهمّة مركزية من خلال «اللجنة الرباعية» التي هي إحدى الدوائر الأبرز في تشكيل التوجّهات الاقتصادية للحكومة الموالية لـ«التحالف»، على رغم أن الأخيرة ليست عضواً في اللجنة التي تتشكّل من واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي. وفي تجلٍّ واضح لذلك الدور، سُجّل، أواخر الأسبوع الماضي، موقف للسفير البريطاني في اليمن، ريتشارد أوبنهايم، أعلن فيه دعم بلاده لقرار حكومة عدن زيادة الدولار الجمركي، وهو ما أثار عاصفة من الاحتجاجات السياسية التي ندّدت بتصريحه الذي قال فيه إن المملكة المتحدة «تدعم الحكومة اليمنية في الإجراءات الاقتصادية المتّبعة لتجنّب تبعات الهجوم الحوثي». وتَرافق ما تَقدّم مع تسليم القوّات البحرية الملكية السعودية، القوّات البحرية الملكية البريطانية، في حفلٍ خاص أقيم في مقرّ القاعدة البحرية الأميركية في مملكة البحرين، مسؤولية قيادة قوّة الواجب المختلطة (CTF -150)، والتي تضمّ 34 دولة، والمعنيّة بتأمين خليجَي عُمان وعدن وبحر العرب والمحيط الهندي، بادّعاء ضمان حرية الملاحة ومكافحة أنشطة الإرهاب.

وليست المشاركة البريطانية في الحرب، منذ أيّامها الأولى، خافية، بل إن لندن تُبقي مصالحها، سواءً الاقتصادية أو العسكرية أو الاستراتيجية، المتحكّم الرئيس ببوصلتها هناك، حيث يظلّ الحنين إلى ماضيها الاستعماري يراودها على الدوام. أواخر عام 2021، أثارت مواقف لافتة لأوبنهايم حفيظة حلفاء بلاده المحلّيين، الذين اعتبروا ذلك انحيازاً إلى مصلحة صنعاء، ولكن حقيقة الموقف هي أن لندن تضع على رأس اهتماماتها تقسيم اليمن وتشتيت قوّته المركزية (أي صنعاء)، في ما يمثّل سياسة بريطانية قديمة جديدة. وكان أوبنهايم قال حينها إن «فجوةً حدثت في مضمون القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015، والوضع على الأرض يتغيّر يومياً»، معترفاً بأن تلك التغيّرات ستنعكس على أيّ تسوية سياسية مقبلة، وأن «أيّ تسوية سياسية بين الأطراف ستحتاج إلى قرار جديد». وبخصوص الموقف البريطاني الأخير المؤيّد لرفع الدولار الجمركي، تَعتبر أوساط سياسية في صنعاء «تدخّلاً وقحاً في الشؤون الداخلية لليمن، ومحاولة لتعطيل عملية تمديد الهدنة وتوسيعها»، كاشفة أن لندن تُعارض بشدّة تضمين أيّ اتفاق قادم بند صرف رواتب الموظفين، عادّةً ذلك تنازلاً من قِبَل «التحالف»، مضيفة أن الماكينة السياسية البريطانية تدفع في اتّجاه ربْط الملفّ الإنساني بالملفَّين السياسي والعسكري. وترى الأوساط أن الهدف من «الجرعة» الجديدة مضاعفة الضغط على صنعاء، من خلال تفريغ التحسّن الاقتصادي المنتظَر الناتج من صرف رواتب الموظفين من مضمونه، أي إفقاد الرواتب قيمتها الشرائية، وبالتالي إبقاء الأزمة الاقتصادية قائمة في وجه حكومة «الإنقاذ».

تُواصل المملكة المتّحدة احتلال موقع الصدارة في الانخراط الغربي في اليمن

ويأتي ذلك في وقت تُواصل فيه المملكة المتّحدة احتلال موقع الصدارة في الانخراط الغربي في اليمن، في إطار عمليّة انتشارٍ أوسع تشترك فيها لندن وواشنطن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وصولاً إلى خليج عدن. وهي عملية تتماشى مع المراجعة التي أجرتْها الحكومات البريطانية السابقة، خصوصاً حكومة الرئيس الأسبق، بوريس جونسون، وخلصت إلى ضرورة تعميق التواجد البريطاني في آسيا، تحت ستار دوافع أمنية وعسكرية تستهدف تبرير التدخّل الرامي إلى تثبيت الهيمنة مباشرةً أو من خلال دعم الأنظمة القمعية. وفي هذا الإطار، يقول تقرير لموقع صحيفة «مورنينغ ستار» البريطانية نهاية العام الماضي (أقلّ من شهر)، تحت عنوان «لندن تصبّ النار على الزيت في اليمن»، «إنه من المخزي والمخجل أن بريطانيا لعبت ولا تزال تلعب دوراً حاسماً في تأجيج الصراع، إلى جانب الولايات المتحدة، وبالتالي تتحمّل مسؤولية كبيرة عن الكارثة الإنسانية المستمرة». وتُصنَّف المملكة المتحدة بأنها من أهمّ مورّدي السلاح إلى السعودية، بل إن لندن سلّطت ضغطاً على حلفائها الغربيين حين حاول بعضهم فرْض الحظر على توريد السلاح إلى المملكة بسبب سجلّها السيّئ في مجال حقوق الإنسان. وكشف الموقع المذكور، في أيلول 2022، أن الحملة ضدّ تجارة الأسلحة قدّرت أنه منذ آذار 2015، رخّصت الحكومة البريطانية ما لا يقلّ عن 23 مليار جنيه إسترليني من الأسلحة لـ«التحالف».

وفي صيف عام 2021، وظّفت الحكومة البريطانية حادثة قصْف السفينة الإسرائيلية «ميرسر استريت» قبالة سلطنة عُمان في أكثر من اتّجاه. فإلى جانب السعي إلى تشكيل تحالف دولي تحت عنوان حماية الممرّات البحرية والتجارة العالمية، عمدت لندن إلى توسيع بيكار التوظيف ليطال اليمن، وتحديداً حركة «أنصار الله» التي اتّهمتها بالمسؤوليّة عن مهاجمة السفينة، في ما مثّل ذريعة لإنزال قوّاتٍ بريطانية جديدة في محافظة المهرة. وفي أعقاب ذلك، أميطَ اللثام عن اتّفاق عسكري بين كلّ من السعودية وبريطانيا أُبرم في بداية العام نفسه، لتنفيذ ما سمّته الدولتان «أعمالاً أمنية» في المحافظة المذكورة، بدعوى «تعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح». ومذّاك، تتواجد قوّات عسكرية وأمنية بريطانية، إلى جانب أخرى أميركية وسعودية، في مطار الغيضة وعشرة مواقع أخرى. وهو ما سبقه قيام وفد من كبار ضبّاط المخابرات البريطانية، برفقة مسؤولين سعوديين، بزيارة إلى المهرة. كذلك، كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء، بداية العام الجاري، عن «خلايا» تُدار مباشرة من قِبَل المخابرات البريطانية، وتعمل على رصد تحرّكات الجيش و«اللجان الشعبية» ومواقع إنتاج المنظومات الصاروخية والطائرات المسيّرة. والجدير ذكره، أيضاً، أن 6300 خبير وفنّي بريطاني يشاركون القوات السعودية في عمليّاتها، من خلال الإعداد والتجهيز، وصيانة الطيران الحربي، وإدارة غرف العمليات والتحكّم والسيطرة والمراقبة. وتعترف لندن بوجود هذا العدد من خبرائها، والمهامّ التي يتولّونها، إلّا أنها تدّعي أنهم يعملون في شركات أمنية خاصة.