الأخبار المحلية تقارير

قصة عمر.. طفل يمني ابتلعته سجون “درع الوطن” في صحراء الوديعة

قصة عمر.. طفل يمني ابتلعته سجون “درع الوطن” في صحراء الوديعة.. قصة عمر.. طفل يمني ابتلعته سجون “درع الوطن” في صحراء الوديعة|
الجديد برس| خاص|
في زاويةٍ منسيةٍ في صحراء الوديعة بمحافظة حضرموت، يقبع الفتى عمر سعيد بن مجلي الجابري (17 عامًا) خلف جدرانٍ صامتةٍ، لا يسمع فيها سوى صدى خطوات الحراس ووجيب قلبه المتسارع خوفًا من المجهول.
عمر، الذي خرج من قريته الصغيرة في سبتمبر الماضي، لم يكن يحمل سوى حقيبة بالية وأحلام بسيطة بالعمل في المملكة العربية السعودية، ليساعد أسرته الفقيرة التي أنهكتها سنوات الحرب. لكنه لم يصل وجهته قط — إذ اعترضته قوات “درع الوطن” المدعومة سعوديًا، لتبدأ فصول معاناةٍ لا تنتهي.
تقول أسرته إن عناصر من تلك القوات أوقفته عند نقطة تفتيش قريبة من الوديعة، وصادروا أوراقه قبل أن يُقتاد إلى مركز احتجازٍ تابعٍ لهم. ومنذ ذلك اليوم، انقطعت أخباره.
“كل ما نريده أن نعرف أين هو.. وأن نراه حيًّا”، تقول والدته بصوتٍ مرتجف، وهي ترفع صورة ابنها وقد غلبت ملامح الحزن على وجهها.
احتجاز بلا قانون.. وصمت رسمي مطبق
وفقًا لشكاوى الأسرة ووثائق رسمية، فإن عمر محتجز منذ ما يقارب الشهرين دون أي توجيه قضائي أو إحالة إلى النيابة العامة، في خرقٍ فاضحٍ للقانون اليمني الذي يُلزم بتحويل أي موقوف إلى النيابة خلال 24 ساعة فقط من توقيفه.
ورغم توجيهات نيابة القطن بضرورة إحضار القاصر للتحقيق واستجوابه وفق الإجراءات القانونية، إلا أن قيادة “درع الوطن” لم تنفذ تلك الأوامر حتى اليوم، وسط تجاهلٍ تامٍ لمناشدات الأسرة والمنظمات الحقوقية.
ناشطون وصفوا ما يتعرض له الفتى بأنه “اختفاء قسري تحت غطاء أمني”، مشيرين إلى أن عمر لا يُعامل كمُتهم بل كرهينةٍ في صراع النفوذ بين الفصائل المسلحة التابعة للتحالف.
حقوق الطفل المغيّبة خلف القضبان
القانون اليمني واتفاقية حقوق الطفل الدولية، اللتان صادقت عليهما صنعاء وعدن على حد سواء، تنصّان بوضوح على أن احتجاز القاصرين لا يجوز إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة ممكنة، مع ضمان حقهم في الدفاع، والتواصل مع الأسرة، والعيش في بيئة تحفظ كرامتهم الإنسانية.
غير أن حالة عمر تكشف واقعًا مختلفًا تمامًا: قاصرٌ يُحتجز انفراديًا، بلا محامٍ، بلا زيارات، بلا تهمة واضحة — فقط لأن طريقه مرّ بنقطة خاضعة لقواتٍ تتصرّف فوق القانون.
تقول منظمات حقوقية محلية إن احتجاز عمر الجابري ليس حالة فردية، بل “نموذج متكرر” لما يحدث في مناطق سيطرة التحالف، حيث تتقاطع السلطات الأمنية المتعددة الولاءات، وتُدار السجون بمعزل عن أي رقابة قضائية أو إنسانية.
حلم بسيط تحوّل إلى كابوس
كان عمر يحلم فقط بأن يجد عملًا يدرّ ما يسدّ رمق أسرته. اليوم، تحولت أحلامه إلى جدرانٍ رماديةٍ لا يرى خلفها ضوء النهار.
أصدقاؤه في القرية يتحدثون عنه بصوتٍ خافتٍ، ومدرسته تحتفظ بمقعده فارغًا منذ بداية العام الدراسي الجديد. أما والدته، فلا تزال تضع صحناً من الطعام كل مساء “على أمل أن يعود فجأة ليأكل معنا كما كان”، كما تقول بدموعها التي لم تجف منذ رحيله.
مطالب بالتحقيق والمساءلة
ناشطون وحقوقيون يطالبون الجهات القضائية ووزارة حقوق الإنسان في حكومة عدن والمنظمات الدولية بالتدخل الفوري لإطلاق سراح القاصر أو نقله إلى جهة قضائية رسمية إن وُجدت تهم بحقه، محذرين من أن استمرار احتجازه “يُعد جريمة مكتملة الأركان بحق الطفولة والعدالة”.
ويرى مراقبون أن صمت مجلس القيادة الرئاسي وحكومة عدن والمنظمات الإنسانية “يشكل غطاءً غير مباشر لتنامي هذه الانتهاكات”، داعين إلى فتح تحقيق دولي مستقل في انتهاكات قوات التحالف ضد القُصّر في اليمن، وضمان مساءلة كل من تورّط في هذه الجرائم.
ختاماً..
بين حلمٍ بالرزق وواقعٍ من الحديد، يقف عمر الجابري شاهداً على زمنٍ فقد إنسانيته. في زنزانته البعيدة، لا يسمع سوى صدى الأبواب الثقيلة، بينما في الخارج لا يزال العالم يتحدث عن “حقوق الإنسان” التي لم تصل بعد إلى الوديعة.