الأخبار المحلية تقارير

البديل المصرية : كيف تعاملت الدولة السعودية مع قضاياها الحدودية منذ نشأتها؟

الجديد برس 

القاهرة : محمد الصبان
—-
تمهيد تاريخي :
مع بدايات العصر الحديث وفي أواخر القرن السابع عشر كان الوضع السياسي في جزيرة العرب مكون من 4 كيانات سياسية كبرى هي: الحجاز، اليمن، سلطنة مسقط، إمارة شمر. بالإضافة لبعض الإمارات والمشيخات العائلية والقبلية التي تكونت على الساحل الخليجي مثل الزبارة «قطر حاليا» والكويت وأبوظبي ودبي وغيرهم ..
ظهرت المحاولة الأولى لتغيير هذا الوضع السياسي مع وصول شركة الهند الشرقية “البريطانية” والبرتغاليين والهولنديين للساحل وبدء تواصلهم مع العرب ومع مشايخ القبائل وفي نفس التوقيت تقريبا في عام 1720 م وصل لزعامة قرية الدرعية – قرب الرياض حاليا- سعود الأول بن محمد بن مقرن ولما توفي استلم الزعامة أحد أعمامه “زيد بن مرخان” الذي تم اغتياله في ظروف غامضة واستلم الزعامة بعده «محمد بن سعود» الذي بدأ المشوار في تأسيس الدولة السعودية انطلاقا من هذه القرية الصغيرة .
وبدأت القصة بالتحالف بين «محمد بن سعود» من جهة والداعية «محمد بن عبد الوهاب» من جهة أخرى وأطلق الأمير على نفسه لقب «الإمام» وأشهر سيفه في مواجهة المحيطين به مناديا بنشر الإسلام الصحيح الذي يشرحه محمد عبد بن الوهاب.
استطاع من بعده الإمام الثاني “ابنه” عبد العزيز أن يوسع سلطانه مستغلاً الاضطرابات التي حدثت في المنطقة بسبب وصول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على مصر وانشغال الدولة العثمانية بها ، تحرك بجيش من الدرعية غازيا أو فاتحا فهاجم قطر والكويت ووصل خطره إلى العراق حيث اقتحم مدينة كربلاء وقتل سكانها وهدم مسجد الإمام الحسين فيها لأنه حسب منظور «ابن عبد الوهاب» شرك ومنافي للإسلام الصحيح ..
ولكن بالرغم من تقدم السعوديين وسيطرتهم بعد ذلك على الحجاز أيضا ودخولهم مكة والمدينة ومنعهم لوفود الحجيج القادمة من الشام إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام التدخل المصري وقتها حيث أعلن الأزهر رفضه للتطرف الوهابي وتوجه طوسون باشا ومن بعده إبراهيم باشا على رأس حملة كبيرة قضت على الدولة السعودية الأولى نهائيا والقبض على عبد الله بن سعود بن عبد العزيز اخر ائمة السعوديين.
بعد وقف المشروع المصري الذي أسسه محمد علي باشا وعقد اتفاقية 1840 م التي تم بها تحجيم دور مصر في المنطقة استطاع أحد أحفاد «محمد بن سعود» اعادة المحاولة من جديد.
استطاع «تركي بن عبد الله» أن يتخذ من الرياض عاصمة له ولكن لم يمهله القدر كثيرا وبعد اغتياله على يد ابن اخته بدأ الخلاف يدب بين أبنائه وأحفاده حتى انهارت الدولة السعودية الثانية وانتصر «آل رشيد» – حكام نجد- وأعادوا الرياض لسيطرتهم مرة أخرى وفرّ «عبد الرحمن بن فيصل» اخر ائمة آل سعود لاجئا إلى الكويت هو وابنه «عبد العزيز».
في هذا التوقيت كانت الكويت تشهد كذلك تغييرا جذريا فقد استطاع «مبارك آل صباح» أن يقوم بقتل أخويه وشريكيه في الحكم جراح ومحمد وتوجه بعدها على الفور نحو البريطانيين ووقع اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت وبدأ من خلاله تواصل «عبد العزيز آل سعود» مع البريطانيين الذين دعموه من أجل القضاء على ” شمر” وحكم آل الرشيد الموالين للدولة العثمانية ..
واستطاع عبد العزيز بالفعل أن يدخل الرياض منتصرا في يناير 1902 وبدأ تأسيس الدولة السعودية الثالثة التي تحركت شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وسيطرت على أغلب مساحة شبه الجزيرة العربية.
وتم الإعلان رسميا عن «المملكة العربية السعودية» عام 1932 م بعد سنوات من تسميتها تارة «سلطنة نجد» ثم «سلطنة نجد والحجاز» ثم «سلطنة نجد والحجاز وعسير وتهامة».
ولأن الدولة السعودية حديثة النشأة وقائمة على أنقاض دول وكيانات سابقة فقد واجهت مشاكل كثيرة من أجل تسوية حدودها مع دول الجوار حيث كانت الاستراتيجية السعودية في البداية قائمة على التوسع قدر الإمكان وضم ما يمكن ضمه من أي أراضي في شبه الجزيرة العربية وفرض الأمر الواقع .. ولهذه الأسباب ظلت السعودية من أكثر دول العالم التي لم يتم ترسيم حدودها بشكل واضح و نهائي حتى وقت قريب.
دول الجوار السعودي:
للسعودية حدود برية طويلة وممتدة تشترك مع 7 دول “كلها دول عربية” هي (الأردن، العراق، الكويت، قطر، الإمارت، عُمان، اليمن)
وايضا للسعودية حدود بحرية ممتدة وطويلة جدا تشترك مع 8 دول (الأردن، فلسطين المحتلة، مصر، اليمن، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت) وكذلك امتداد بحري عبر المياه الدولية مع كل من (إيران ، السودان ، إريتريا).
ونستعرض في هذا التقرير بعض من أهم قصص التسويات الحدودية التي قامت بها الدولة السعودية منذ نشأتها مع الوضع في الحسبان اننا لم نورد في هذا التقرير كل القضايا الحدودية كالمناطق المحايدة مع الكويت والعراق على سبيل المثال.
1) قضية جازان و جزر فرسان مع اليمن:
كانت اليمن قبل عام 1924 خاضعة ل«الدولة العثمانية» كوحدة وكتلة واحدة شأن أغلب العالم العربي وبعد ضعف وانهيار الدولة العثمانية أعادت «بريطانيا» تقسيم اليمن حيث بات شماله تحت حكم الدولة المتوكلية “الائمة الزيديين” بينما كانت منطقة أقصى الشمال (جازان ونجران والسواحل الغربية) تحت نفوذ «الأدارسة» اليمنيين ، وبدأ ما يعرف ب«الحرب اليمنية السعودية» حيث أراد الإمام «يحيى حميد الدين» إعادة توحيد اليمن بعد تقسيمه فتوجه للسيطرة على ميناء الحديدة وحاصر مدينة جازان وبناءا عليه حاصرت بريطانيا وقتها الدولة المتوكلية ومنعت توريد السلاح لها.
وقّع الأدارسة اتفاقية تعاون مع بريطانيا واتفاقية «دارين» مع ال سعود بوساطة بريطانية وأعلن الأدارسة انضمامهم لآل سعود في الصراع بسبب عدم قبول الدولة المتوكلية بشروطهم لتحقيق الوحدة اليمنية.
في عام 1933 تغير موقف الأدارسة تماما وتراجعوا عن الاتفاقية مع آل سعود وأعلنوا انضمامهم لليمن الكبير بعد أن شعروا أن «آل سعود» يريدون ابتلاع أراضيهم لتصبح جزءا من الدولة السعودية الناشئة ، وقتها نشبت الحرب بين الأدارسة والمتوكليين من جهة وآل سعود من جهة أخرى واستطاع بن سعود ضم نجران إليه بعد معركة مع اليمنيين وبدأ الجنوب اليمني (عدن ومحمية عدن) يشتعل بدعم بريطاني أيضا فأصبح الحلم اليمني مهددا من الجنوب ومن الشمال فاضطر وقتها الإمام يحيى حميد الدين لتوقيع اتفاقية الطائف 1934 -على أن تجدد الاتفاقية بعد 20 سنة- وبناءا عليها ضمت السعودية لحدودها كثيرا من المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ الأدارسة ومن أهمها (جازان) ..
تحسنت العلاقات السعودية مع المملكة المتوكلية بعد هذا التاريخ من الصراع بدءا من عام 1962 حين قامت الثورة اليمنية ضد النظام الملكي ووقتها أعلنت السعودية وقوفها ضد ثورة اليمن ودعمت النظام الملكي الذي كانت قد بلغت حدا جيدا من التفاهم معه ، ووقتها أرسلت مصر 70 ألف جندي مصري لنصرة الثورة اليمنية وقامت السعودية بدعم قوات الأئمة اليمنيين ضد مصر.
الجدير بالذكر أنه في عام 1970 عندما حان وقت تجديد اتفاقية الطائف تم اغتيال الرئيس اليمني وقتها ودخلت اليمن في حرب أهلية بين الشمال والجنوب، وفي عام 1990 بعد إعلان وحدة اليمن من جديد تمت إثارة القضايا الحدودية حيث كان من المقرر ان يعاد النظر في اتفاقية الطائف بعد 20 سنة وكان قد مر قرابة ال 60 سنة ، وفي عام 1992 اعتبر الجانب اليمني اتفاقية الطائف ملغاة من جانبه وأنه يريد استرداد مناطقه الحدودية الطبيعية في نجران وجازان وغيرهما ..
وظل الوضع خلافيا حتى العام 2000 حيث كانت السعودية قد تحسنت علاقتها بشكل كبير بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية وتعاون واستثمار توج باتفاقية «جدة 2000» التي أكدت على عودة اتفاقية الطائف 1934 وتم ترسيم الحدود بناءا عليها !
وبعدها بدأ التمرد الحوثي في صعدة في شمال اليمن ضد حكومة «علي عبد الله صالح» الذي دعمته السعودية بشكل كبير وقتها بالمال والسلاح للقضاء على هذا التمرد منذ 2004 وحتى 2009. وقامت الثورة اليمنية في 2011 ووقتها تخلت السعودية عن صالح بينما تقدم الحوثيين وسيطروا على صنعاء مما تسبب في الأزمة القائمة حاليا في البلاد.
وتعتبر «جزر فرسان» (المهمة استراتيجيا) في مدخل البحر الأحمر الجنوبي جزر تابعة رسميا لمنطقة جازان وتحولت للسيادة السعودية بعد اتفاقية 1934 السابق ذكرها .. والجزيرة بها قواعد عسكرية سعودية ومقرا للبحرية السعودية ، الجدير بالذكر أن قوات التحالف السعودي تستخدم الجزيرة اليوم فيما يعرف بعاصفة الحزم لقصف اليمن وترابض البحرية المصرية هناك لمنع أي توريد للسلاح للجان الشعبية اليمنية والجيش اليمني