المقالات

الثروة والسلطة والأسرة.. حصريات “فقير العائلة” السعودية

الثروة والسلطة والأسرة.. حصريات “فقير العائلة” السعودية

الجديد برس : رأي

إسحاق المساوى

كان ثمة مليار دير في واجهة العائلة الحاكمة لمملكة الذهب الأسود، ومثله آخرون -بعيداً عن الأنظار- حتى جاء وريث العرش الطائش ليخطف كل الأنظار وكل الثروة.

ذلك أن الأمير محمد بن سلمان أدرك في سن المراهقة أن والده كان “فقيراً” وفقاً للمعايير الملكية طبعاً- وعلى الرغم من مفارقة هذا الإدراك، بالنظر إلى امرأة مسنة يتدلى نصف جسدها لالتقاط ما تيسر من مخلفات المتخمين، إلا أن “فقير العائلة” يبدو مدهشاً حقاً، ليس في مسيرة كفاحه الخيالية، بل في تحييد الأثرياء من حوله داخل العائلة.

لقد وجدناهم محشورين أمام الكاميرات للتعبير عن الامتنان، لقاء الاعتقالات المهينة التي طالتهم واستلبت منهم المليارات بدافع “محاربة الفساد” المرفقة عند الضرورة بـ “استغلال السلطة” حتى يتسنى استلاب الأمرين معاً.

قد يكون من الانصاف استقبال مساعي الديوان الملكي السعودي لمحاربة الفساد، بكثير من الشكر، إلا أنها “مثالاً لحكومات مختلفة تستخدم كلمات متشابهة لتعني أشياء مختلفة جداً!” إذ لا تجسيد لهذا أشد وضوحاً من خواتيم أمير من أفراد العائلة أمضى قرابة ستة أعوام يقود نزوات بن سلمان العدوانية في اليمن بالنيابة عن ولايات الحرب والدم، ثم كافأه الأخير بإقالته من عمله كـ (قائد القوات المشتركة) لذات التهمة المسلوقة بنفس المقادير: “فساد مالي” وإلى جواره ترفق بالضرورة “استغلال السلطة”.

لكن ما يثير الفضول والشكوك حول صدق النوايا الرامية إلى تحقيق مبدأ المحاسبة والشفافية، أن (نجل) القائد المقال أقيل هو الآخر بنفس اليوم من منصب نائب أمير منطقة الجوف، فهل للأمر علاقة بالفساد أيضاً؟ أم بأشياء أخرى ترتبط بطموح “فقير العائلة” بالملك.

إن الحديث عن محاربة فساد في السعودية وتحديداً في الوسط الأسري، يعني أن يستقبل القضاء السعودي الآن1000  آلاف أمير بتهمة الفساد، وأن يصدر لعاناته في محاكم التاريخ بحق من راحلوا متخمين بثروات الأجيال.

وبعيداً عن الانشاء، فإن الأموال التي استهلكها “فقير العائلة” لـ “النزهة” لأقل من أسبوع في جزيرة المالديف بلغت 50 مليون دولار؛ تعفينا عن الخروج بناتج رقمي للاستقطاعات المالية التي يحتاجها لـ “الثروة”.

وإذا كان ما يفوق مليار و300 مليون دولار تكلفة عملية شراء كماليات ثلاث (لوحة وقصر ويخت)؛ فكم تبلغ ثروة “فقير العائلة؟” الذي بدأ مشواره التجاري بـ 100 ألف دولار عندما اكتشف أن والده كان “فقيراً” على حد زعمه ووقاحته!

هل على المتابع أن ينساق “مع الخيل يا شقرا” دون عقلنة المخرجات الدعائية -بالحدود الدنيا- لمصادر هذا الترف ومشروعيته، كتبويبه –حتى- ضمن الفساد الحلال على غرار البارات الحلال!.

إذ ليس أغبى من حديث “فقير العائلة” السعودية إلا المنصتين له، أما قادة العالم الغربي والأوربي فقد استلموا ثمن تسويق “الوهم” وفوق ذلك توظيفه للأغراض السياسية والعسكرية في المنطقة دون أن يبلغ مرام المقابل حتى اللحظة.

ثمة هدف وحيد لما يحدث، مهما اقتضت دواعي التمويه، أن يأخذ كل ما يحدث أبعاداً أخرى، كأن يصبغ الصراع على العرش، بألوان الهموم الشعبية لكسب التأييد للبطل الكرتوني المسعور، الذي لم تبقِ أو تذر عضاته بقية الكلاب المتهمة في نظره بسعار “الملك”.

حتى المواطن الذي نفخ في عضلات “فقير العائلة” جرده الأخير من الامتيازات التي كان يتحصل عليها من خزينة الدولة الحصرية الآن على تلبية شهية الالتزامات الدولية، يليها شهية “فقير العائلة” ليصبح ثريها الأوحد وما دونه فقراء، على أن فقر العائلة يعني قطعاً، الرغبة في الشراء -أي شراء- مع فقدان القدرة لأية أسباب غير مالية، قد تنطوي في حالات ضمن موانع المقولة الغربية:” لا تشرق أكثر من السيد”.

لهذا أَفُلت شمس الوليد بن طلال، المليار دير الذي أخضعه “فقير العائلة” لرجيم قاسٍ أفقده الأوزان المالية الزائدة، ليس بمقدار نسبة الفساد في ثروته وإنما بمقدار ما يهوي بمرتبته إلى مستوى متدنٍ في قوائم أثرياء العالم، وبالتالي -وهو الأهم محلياً- يهوي بطموحاته في “الملك”.

بعد أكثر من 80 يوماً قضاها “محبوساً” ظهر الوليد “ممنوناً” على قناته روتانا خليجية منتصف مارس 2019م، للرد على أسئلة أشبه باستجواب مستنسخ من محبسه في الريتز كارلتون الذي حقق غرض “فقير العائلة” لدى الاستخبارات الغربية، لكنه لم يكن كافياً بما يحقق ذات الغرض لدى الشركات العالمية والرأي العام، دون إقرار الوليد من قناته على الطاعة لـ”فقير العائلة”، مرفقاً بالرقم “صفر” لأي طموح سياسي، ومعه الأرقام التي خسرها مقابل الخروج من محبسه، وربما مقابل الخروج الآمن من قناته إلى القصر يومها.

بالتالي لم تكن الـ 22 مليار دولار التي خسرها الوليد بالتسوية أو بغيرها مهمة، أكثر من إظهار بريستيج “المليار دير” حتى وهو محبوساً، ولعل هذا جزءاً من خطة استدراك الخسائر القادمة أكثر من الماثلة. لكنه فشل بتداركها وفقاً لمقاييس اليوم وربما المستقبل، وبالتالي لم تتغير من حقيقة وضعه شيئاً حتى اللحظة. ومن أكذوبة محاربة الفساد التي انتهت بـ “تسوية” لدواعي الفساد أيضاً.

ربما على أفرد العائلة أن يتساءلوا -والأحرى بهم أن يتساءلوا- لماذا حُبس الوليد بن طلال في الريتز كارلتون مع رجل الأعمال محمد العمودي، المالك -إلى جانب الوليد- لأكثر من نضف شركات المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وعلى الجانب الآخر من الحبس، المنافس الإعلامي للوليد، عبدالعزيز ابن الملك الراحل فهد، مع ذراعه اليمني الوليد بن إبراهيم آل ابراهيم مالك مجموعة إم بي سي، وإلى جانبهم “صالح الكامل” المعروف باستحواذه على قطاعات استثمارية إعلامية؟

هل لأنهم –مجتمعين- تنطبق عليهم الصفة ذاتها “فاسدين” وحسب، أم قدرتهم على توجيه الفئات السعودية من كياناتهم الإعلامية هي ضمن الأسباب الخفية لحبسهم، ثم الإفراج عنهم وفق مبدأ “كسب المصالح مقدم على درء المفاسد”.

في سياق محاربة الفساد الكاذب الذي لا يخرج إلا من كواليس ديوان أكذب، ثمة ارتباطات غير مرئية بمشروع الاستحواذ على ركائز السلطة وأدوتها المساعدة، بصرف النظر عن بروبجنا النزاهة، ولهذا يتساءل أصحاب البصيرة: لماذا يستثنى “فقير العائلة” فساد ولي العهد ووزير الدفاع الراحل سلطان بن عبد العزيز وأبنائه كأحد أقطاب الفساد المهول في العائلة؟

إن كان السبب وفاته، فالحياة مازالت في عروق ابنه بندر بن سلطان، الذي هندس مع والده أكبر عملية فساد مشهودة بذريعة شراء أسلحة بريطانية بلغت قيمتها 56 مليار دولار، عرفت بصفقة اليمامة. لكنها لفسادها عرفت بـ”سوداء اليمامة” ويرافقها حتى اليوم المزحة الشهيرة بأن رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر تحولت إلى “مندوب مبيعات” لإقناع السعودية بالصفقة المغلولة بوثائق رشى أُزيح الستار عن جانب بسيط منها، ممهوراً بملياري دولار، كجزء من نصيب بندر بن سلطان.

ولم يجد رئيس الوزراء البريطاني حينها من سبيل لتبرير الفضيحة غير الاستناد على فقه “الضرورات” بقوله: “تصرف غير مرغوب، لكن إذا كان يتعين عليك دفع رشى لإتمام الصفقة فلا بأـس بذلك”.

فلماذا إذاً، يطبق “فقير العائلة” جفونه عن بندر بن سلطان؟ هل لأنه محمي بغبائه عن طموح والده بالملك، بعكس الوليد الذي قد يستتبع خطوات والده المؤسس لحركة (الأمراء الأحرار). وبالتالي قد ينساق مع مشروع “الملكية الدستورية” النموذج السلطوي الأمثل لوالده، يليه، أو يتزامن معه، جماعة الإخوان المعروفة بالسعودية بتيار “الصحوة السروري”.

ثم إذاً، ما القاسم المشترك، بين حبس الوليد وتجريده المال، وبين مقتل “خاشقجي”؟ صديق الوليد المقرب، والواجهة الإعلامية لجماعة الإخوان، كما أنه -وفق اتهامات -ذراعها الاستخباراتي داخل الأسرة.

بالتالي ليس علينا في صراع الذئاب وتحالفاتها حول فريسة “الملك” أن تذهب بنا حسن النوايا إلى القول بأن “فقير العائلة” يحيط نفسه بـ “البطانة الصالحة” أو أن نراهن في صراعهم على صفقة مربحة، أو ننساق كالأنعام وراء تكتيك التوازنات القطرية كإبراز أحمد بن عبدالعزيز بديلاً أمثلاً! ونتعاطف لمآلات الأمير اللئيم محمد نجل اللئيم الراحل نايف بن عبدالعزيز، إلى آخر العبط الذي يثقب شبكية الرؤية الاستراتيجية للبلد وللأمة الإسلامية جمعاء.

ما سبق، جزءا من رواية تتصل أحداثها حتى اللحظة، وتخضع خياراتها لذات الفاسدين، وذات الترددات الإعلامية المدفوعة لنزع الغطاء عن بعض ما يجري، حتى نظن أنه كل ما يجري.