المقالات

محور المقاومة والمصاعب الاقتصادية

محور المقاومة والمصاعب الاقتصادية

الجديد برس : رأي

غالب قنديل

تواجه قوى المقاومة ودول المواجهة والتحرر في المنطقة أعنف حصار اقتصادي في زمن ركود وشح شاملين. وتنعكس المعاناة بظروف شديدة القسوة يعيشها الناس في إيران وسورية والعراق ولبنان واليمن. والأمر يستدعي وقفة حول سبل المجابهة التي لا يكفي فيها خطاب المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الذي يربط عن حق جميع المشاكل بالحصار والضغوط والعقوبات، ولا بنداءات الصمود والصبر التي تعول على جسور الثقة بين القيادات الاستقلالية الصلبة والجمهور الذي لم يبخل بشيء في زمن المعارك الصعبة والقاسية وبذل التضحيات بلا حساب وما يزال.
أولاً: ينبغي الاعتراف بأن محور المقاومة أهمل طويلا ملف العمل على بناء كتلة اقتصادية إقليمية متشابكة تمثل بداهة البناء الأساسي الذي يحتضن ويرسخ جبهته السياسية والعسكرية المتكاملة التي حققت إنجازات كبيرة. فالتكامل الاقتصادي بين بلدان المحور يكسبها مزيدا من القوة والمناعة ويعزز مستلزمات الصمود الشعبي. وقد كان من المفاجآت غير السعيدة أن نكتشف مثلاً أن العلاقة الاقتصادية السورية الإيرانية ظلت محدودة طوال أربعة عقود من الشراكة الاستراتيجية الحاسمة التي غيرت وجه المنطقة.
ثانياً: يمكن للعلاقات والشراكات الضخمة أن تتطور بسرعة قياسية في ما بين سورية وإيران، حيث تنفتح آفاق التعاون والشراكة في جميع القطاعات دون قيد أو شرط، وهذا ما يفترض ان يعطى عناية خاصة من حكومتي البلدين الشقيقين، وهو سيكون حافزا لسائر أطراف المحور بتقديم نماذج التكامل المثمر وعائداته الوفيرة ومكتسباته المتنوعة في شتى مجالات النشاط الاقتصادي بتكامل المزايا والقدرات. وهذا ما يجب اقترانه بشراكة مباشرة وقوية مع حكومة صنعاء المقاومة التي تقود معركة استقلال اليمن وتحرره.
ثالثاً: في لبنان والعراق، حيث مساكنة المحورين داخل السلطة السياسية، لا بد من كسر الفيتو الأميركي في البلدين على تطوير الشراكات الاقتصادية مع سورية وإيران وسائر أقطاب الحلف العالمي المناهض للهيمنة، وخصوصا الصين وروسيا، وحيث تتوافر حوافز مالية واقتصادية واستثمارية هائلة، لاسيما في مبادرة الحزام والطريق الصينية. ويمكن اقتراح الدعوة إلى توازن الشراكات العراقية واللبنانية عالميا وإقليميا ورفض الانعزال عن الدول الشقيقة والصديقة التي ساهمت في جهود البلدين في مقاتلة غزوة التكفير التي دعمتها حكومات غربية وإقليمية معروفة وكادت تغرق لبنان كما العراق في طواحين الدماء والخراب.
رابعاً: يفترض بسائر أطراف المحور حكومات وأحزابا التوجه للقيام بأوسع حملة سياسية وشعبية ضد الظواهر اللصوصية التي تسهم في استنزاف القدرات والإمكانات وفي فتح الثغرات السياسية والإعلامية للتدخلات المعادية المتسترة بمحاربة الفساد عبر التحريض ضد الخيارات والمواقف التحررية المبدئية الرافضة للهيمنة الاستعمارية والداعمة لخيار المقاومة ولقضية فلسطين التي ما تزال مركز الصراع والفرز على مستوى المنطقة بجميع بلدانها، وتقديم أولوية التحرر من الهيمنة والوصاية الأميركية وضرب مرتكزاتها المادية والسياسية في أي تطلع للبناء الوطني الاستقلالي من قلب التكتل الإقليمي والشراكات العابرة للحدود.
خامساً: من الخطأ الجسيم إيهام جمهورالمحور في جميع البلدان بأن النصر الحاسم قيد التحقق وتصوير الأمور على غير حقيقتها، حتى لا يتصرف الناس بتوقع الرخاء الموعود والمكاسب التي تكافيء الصبر والصمود بنتيجة انتصار مازال انتزاعه يستدعي في الواقع سلسلة من المعارك المقبلة والتضحيات التي لا بد منها والمتاعب الاقتصادية والمعيشية التي يفترض الاستعداد لتحملها ومواجهتها. ولذلك ثمة حاجة واقعية لمكاشفة الجمهور بالحقائق والوقائع، بدلاً من نفخ الإنجازات المهمة لمسيرة الدفاع والتحرر واستعجال إعلان الانتصار الذي نلمسه في بعض الحوارات والكتابات المستعجلة. فالخطب الانتصارية المتسرعة تنطوي على خداع وتبذر الخيبة اللاحقة في نفوس الناس عند انكشاف خطئها، ولا يعني ذلك باي شكل أي تقليل من قيمة ما تحقق بفضل الصمود الشعبي واستراتيجيات الدفاع التي تبنتها سائر أطراف المحور في ساحات عملها.