الأخبار المحلية

فول آت النمساوي : السعودية تتجرع الهزيمة أمام المقاتلين اليمنيين

الجديد برس : رأي

دانيال بيشلر- موقع فول آت النمساوي
 تمتلك المملكة العربية السعودية أكبر ميزانية عسكرية في العالم الثالث. وبقوتها تلك قادت حرب على البلد المجاور لها، اليمن. وتتجرع هناك الهزيمة تلو الأخرى أمام المقاتلين ذوي التجهيز العسكري المتواضع، الذين بدورهم يقومون بشن هجمات مضادة على الأراضي السعودية. وهذا الصراع في حقيقة الأمر ينطوي على الكثير والكثير جدا.”الله أكبر” يهتف أحد أفراد المجموعة. والآخرون يرددون بعده مؤيدين. التل الذي يقفون عليه يطل على واد صغير فارغ. وهناك تتعرج الطريق التي يلوذ فيها جنود سعوديون على دبابات حديثة للغاية وغيرها من المركبات بالفرار. وهناك، على بعد مسافة، تتكون سحب من الغبار ما يشير إلى أن وحدة عسكرية سعودية بأكملها تحاول الهرب والنجاة من الموت. ويليق عليهم وصف الفارين من القطيع.
أما الرجال المرتدين للزي اليمني التقليدي وليس الزي العسكري الرسمي فهم كثيرون ويسيرون في تلك الطريق بالصنادل ويتسلحون بالكلاشنيكوف والقذائف الصاروخية للمشاه (بانزر فاوست) ولا أكثر من ذلك. هؤلاء هم الحوثيون. هؤلاء من يلقنون الجيش السعودي حاليا دروسا من الخوف على الأراضي السعودية. وبالإمكان العثور على مشاهد كثيرة جدا من هذه على شبكة الإنترنت.
المملكة العربية السعودية تشعر أنها “محاصرة”قبل عامين، بدأت السعودية تدخلها العسكري في البلد المجاور لها، اليمن. وكان الهدف هو إعادة الرئيس المخلوع المخلص للسعودية، عبدربه منصور هادي ومجلس وزرائه من أجل إزاحة الحوثيين المتمردين من العاصمة اليمنية صنعاء.وكان الحوثيون قد بدأوا بالهجوم من منطقتهم الواقعة في الجزء الشمالي وجنبا إلى جنب مع حلفائهم، تمكنوا من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد- حتى صنعاء. وسارع هادي بالفرار.   ولكن من زُعم بأنهم غزاة قَدموا من الشمال لم يقابلوا بالعداء في أجزاء واسعة من المناطق التي احتلوها حديثا.  وهذا بالطبع له سببه.
الحوثيون هم حركة سياسية عسكرية – مماثلة لحزب الله في لبنان. وتعود تسميتها إلى زعيمهم السياسي الديني حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتل على يد القوات المسلحة اليمنية في العام 2004 عندما كانت الحكومة اليمنية الموحدة تحارب الحوثيين. الحوثيون شيعة، وبحسب التقديرات، يشكلون نسبة من 40 إلى 50 بالمائة من السكان. وهم شيعة مثلهم مثل حزب الله ومثل الحاكم السوري بشار الأسد، لأن العلويين يصنفون بأنهم شيعة أيضا.
وهم شيعة مثل إيران، التي تتصدر هؤلاء جميعا. إنها حركة عسكرية شيعية، سيطرت على المناطق الشيعية في اليمن دون سابق إنذار. أو حررتها. كل بحسب وجهة نظره. في كل الأحوال، يعتبر ذلك من وجهة نظر المملكة العربية السعودية السنية أمرا غير مقبول بكل بساطة. فالمملكة رأت نفسها، فجأة، في مواجهة ليس فقط مع “البلد الشيعي الجار”، بل أيضا مع دولة عملية محتملة تقع على الجانب الآخر من الحدود، دولة عميلة لعدوتها اللدود إيران.
وهناك أيضا أمر آخر يجعل من هذه الوضعية كابوسا مزعجا للسعودية.  المتمردون يرعبون الرياض:ينظر الغرب للمملكة العربية السعودية بأنها دولة سنية متطرفة في المقام الأول وبالبنط العريض. “الوهابية” هي مصطلح. ولكن ما تلك إلا نصف الحقيقة. لأن السعودية تمتلك أقلية دينية قوية. وهي الأقلية الشيعية. وتقديرات عدد السعوديين الشيعة متباينة.
ففي مرحلة من المراحل قيل أنهم يشكلون 5 بالمائة من عدد السكان. وبعدها قيل أنهم عشرة بالمائة وأخيرا خمسة عشر. وفي الوقت الحالي هناك تقديرات تقول أن 20 بالمائة من العشرين مليون نسمة شيعة. وهم يتواجدون في منطقتين في المملكة العربية السعودية: مباشرة على الخليج، حيثما توجد الموارد النفطية السعودية وفي المنطقة الواقعة على الحدود اليمنية. وكانت تلك المناطق الشيعية الواقعة في الجنوب غير تابعة ذات يوم للملكة. وكانت قد تعرضت للغزو من قبل العائلة المالكة. وليس فقط في اليمن، يعتقد الكثيرون أن هذا الوضع قد امتد لفترة طويلة جدا. وتخشى الرياض من أن يوقظ تفوق الحوثيين الرغبات لدى سكان تلك المنطقة بالعودة للعهد الذي سبق الغزو.فالجيش الحوثي سيتحرك إلى المدن الشيعية، مثل نجران، كمحرر لها.
وما تزال صور استيلاءهم على صنعاء ماثلة أمام أعين الأسرة السعودية الحاكمة. وهذا وحدة كفيل بتوليد شعور عدم الارتياح. هذه المخاوف السعودية لا تبعد كثيرا عن الواقع. فقد نجح الحوثيون بالفعل من الدخول إلى الأراضي السعودية واحتلال بعض المواقع هناك.
ومن وجهة النظر السعودية ليس هناك سوى حل وحيد قابل للتطبيق: إلى جانب إعادة هادي إلى الحكم، يتوجب دحر الحوثيين وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، طوعا أو كرها. الجوع يتهدد الملايين:لذلك نفذت السعودية وممالك النفط الحليفة معها هذه الحملة – التي لم يعرها الغرب اهتماما- بوحشية لا مثيل لها. لقد فرضت مملكة النفط  حصارا فعليا على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ودمرت المطارات والموانئ والجسور ومخازن الأغذية بغاراتها الجوية. كما فرضت السيطرة على الممرات البحرية عن طريق السفن الحربية. وعواقب ذلك لم يشعر بها سوى السكان المدنيين: فقد حذرت منظمة أوكسفام من أن ما يقرب من سبعة ملايين شخصا مهددون بالمجاعة. وأكثر من عشرة ملايين آخرون مهددون بنقص الغذاء وهم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. يعيش عدد كبير من السكان على تناول الخبر والشاي في أحسن الأحوال. كما تخلى كثير من البالغين عن وجباتهم ليوفروها لأطفالهم. وناشدت منظمة أوكسفام أطراف الصراع بإنهاء المعارك. وقد كانت هناك محاولات ولكنها لم تجد نفعا: عقدت مفاوضات سلام مرات عديدة ولكن شروط السعودية للانسحاب غير مقبولة لدى الحوثيون المدعومون من إيران.
القضية هي سياسة القوة:ولكن لنعلم في الأخير، إن الصراع اليمني – تماما مثل الصراع في سورية أو العراق – ما هو إلا مشهد آخر من مشاهد الصراع بين السعودية وإيران للهيمنة السياسية في المنطقة. وهذا الظرف يجعل حل كل هذه الصراعات أمر صعب للغاية. لأن إيران الشيعية ترى في نفسها دولة غنية وأن براعتها استثنائية ما يجعلها جديرة بتوسيع نفوذها في المنطقة.  وباتت طهران على وشك أن تصبح العامل الحاسم في سورية والعراق. وفي لبنان لديها حزب الله ، الحليف القوي والمخلص. و في البحرين، أغلبية السكان شيعة.
ولم يكن إسقاط الأسرة السنية الحاكمة ممكنا بفعل تدخل القوات السعودية. وقد وصل المد الإيراني إلى وسط آسيا: فقد ارتبط غرب أفغانستان لوجستيا بشكل أفضل مع إيران أكثر من ما تبقى من أجزاء أفغانستان. وسعى الإيرانيون إلى توسيع نفوذهم، تبع النمط التالي: لم ترسل إيران أي قوات للتدخل وقامت بحروب أقل تكلفة.
وكل ما تفعله هو إرسال مستشارين عسكريين وبحثت لنفسها حلفاء في البلدان. وحققت من خلال تلك التدخلات نفوذا اقتصاديا هائلا. فإذا ما كان أحد حلفائها في محنة – كما هو الحال في سورية- ترسل طهران ميليشيات ولا ترسل أبدا أفراد من جيشها. ويوصف هذا التسلل المتعمد في البلدان بـ “البصمة الخفيفة”.
إن إيران متواجدة في كل مكان في الدولة الحليفة ولكن بدون أن تكون “حقا” هناك، ميزان القوة بأكمله في الشرق الأوسط سيميل:ميزان القوة بأكمله- ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في المنطقة ككل- يمكن أن يميل إلى الجهة الإيرانية. وهنا يدور الأمر حول النفط ومع السيطرة على سورية والعراق والخليج الفارسي ستكون طرق النقل بالنسبة للمملكة العربية السعودية “ضيقة” تقريبا.
وآخر قطعة صخر لتطويق السعوديين هي “مضيق باب المندب”، الذي يقع بين إريتريا وجيبوتي و- اليمن.إيران تصعد الأوضاع: إذا ما سقطت اليمن في يد إيران، فسنرى إعادة هيكلة كاملة للسياسة القوة في الأوسط.
لقد صعدت إيران الأوضاع في اليمن. نقلت أسلحة حديثة للحوثيين كما ضاعفت من المنح المالية. يصنع الحوثيون في الوقت الحالي صواريخ وطائرات بدون طيار- ويرجح أصل هذه التقنية على حد قول الخبراء هي تقنية إيرانية.
قال ضابط إيراني رفيع الرتبة لا يريد الكشف عن اسمه لرويترز: “من سيفوز في هذه الحرب، سيقلب ميزان القوة في الشرق الأوسط”. ولا أحد يعلم بذلك أفضل من المملكة العربية السعودية.