المقالات

لحظات برفقة ‘ ابوحسن ‘..!

الجديد برس : رأي 

ملك المداني – كاتب وناشط يمني

لكي أكون صادقا معكم
لا أعلم مالذي أريده !
بل بالأصح لا أدري من أين ابداء أم ماذا سأقول
في الحقيقة أنا في ورطة ،
فلا قلم اسعفني ، ولا هاجس انقذني ،
ولا حبل أفكار تدلى أمام ناظري ،
لا أملك بداية ولم أفكر في نهاية بعد ، كل مايعتريني هو رعشة قلب وفراغ كبير لشدة اتساعة اضاق صدري حد الاختناق !
فالحدث كبير والمعني به أكبر
لاتسعه سطور الأوراق ولا تفي حقه أحبار المحابر التي ما انفكت تذرف المداد على وجه الورق وكأنه ينقصني أحد غيري وغير جوارحي لاواسيه والملم شتاته !
ياللهي ! ما هذا الشتات الذي يتملكني!
حسنا ، يكفي إضاعة للوقت
سأدع قلمي يسترسل فقط بدون مقدمات أو خاتمات أو أي شيء
سأقدم ما عندي ويكفي
طه المداني !
أم أقول ابو حسن ?!
هل اكتب عنه باسمه ام بكنيته ?!
في الحقيقة هذا لا يهم
لست بصدد كتابة تقرير أو تحليل أو تحقيق
لن أروي حكايا والدي واقاربي عنه ولن اسرد شهادات من عاشروه !
لن أتحدث عن دماثة اخلاقه ورحابة صدره التي اتسعت لأصدقائه واعدائه واستولت حتى على السجان والجلاد
سأدع قصص سجنه و تعذيبه للحقوقيين
وسأترك نزاهته … شهامته … صبره …
حلمه .. حكمته .. فطنته .. شجاعته …
سماحته … عصفه .. سكونه … اتزانه .. انهماره …
واحاطته بكل الفضائل والمكارم لعلماء النفس وهواة الكمال البشري ..

سأتجنب الحديث ياطه عن ارتباطك بالله عن ذكرك له .. عن تسبيحك..تهليلك ..ركوعك .. سجودك … استغفارك .. مناجاتك وذرفك للدموع أثناء خلواتك التي كانت كثيرة بكثرة المصائب التي كنت تواجهها يا سيدي
وسأفسح المجال ‘للحرب نفسها’ يا ابوحسن لكي تكتب وتروي وتحكي عن شجاعتك
عن بطولاتك عن هيجاتك وذروة تجلياتك
هي ستروي كيف كسرت الزحوف المرتله
وكيف دحرت الفيالق المجندله
هي ستحكي كيف أحرقت دبابة ببندقية !
وكيف وثبت وحيدا أمام كتائب الابادة حتى أثرت دهشة اعدائك واشبعتهم رعبا ورهبة …
الحرب نفسها ستخبر الرجال كيف يصبحون رجالا ، يقفون في الكمائن فرادا ويقلبون الحومة حدادا ويحيلون العتاد رمادا ، ببندقية ومصحف ومسبحة ….
الحرب ياطه كفيلة بكتابة المعلقات والقصائد والروايات فيك ، لاينقصها إلا قلم ونوتة لتسطر ملاحمك الأسطورية التي لطالما تناقلناها في مجالسنا ومحافلنا التي لم نكن نفقه فيها إلا الحديث والكلام تاركين الفعل لك ولامثالك من ساداتنا المجاهدين …
سأترك كل هذا لأصدقائك ولاعدائك ولمن عرفوك وعايشوك
أما أنا ، سأكتفي بالكتابة عن يوم لقائي بك ويوم ابلاغي بخبر ارتقائك وما بعده …
سأكتفي بهذا ياسيدي فارجوا ان تنصت إلي …
كانت ليلة الثلاثاء ،
لا اذكر تأريخها تحديدا ولكنها كانت بعد ثورة ال 21 من سبتمبر اذكر هذا
التقيتك ليلتها في منزل أحد أقاربي
كنت خامس خمسة حينها ،
مازلت اذكر وقوفك في الردهة تمتشق بندقيتك وتلقي التحية بتواضع وتلك الابتسامة التي عجزت عن فك شفرتها إلى يومنا هذا لا تفارق محياك
اذكر مصافحتك لي وأنا كلي فخر واعتزاز ..
دخلت يومها وجلست معنا .. لم تتحدث كثيرا ، كنت أكبر من الحديث
ولم أمتلك الشجاعة للحديث معك
فقط جلست بدوري اراقبك واسترق النظر إليك متأملا ملامحك الحادة وطبعك الهادئ وتلك الهالة التي كانت محيطة بك
تلك الهالة التي ارغمتني وارغمت كل من ينظر لك أن يسكت احتراما واجلالا
كنت متخما بالرجولة والوقار يا سيدي حد الثمالة بل كنت تفيض بهن أينما ارتحلت وحيثما حططت رحالك ..
لم أستطع ليلتها إلا أن اتسمر مكاني جامدا أشاهد تضاريس وجهك وتلك الندبة التي تعتليه في دهشة وذهول !
ولا أخفي عليك أنني شتمت حظي الذي لا انفك عن شتمه والدوس عليه على كل لحظة ضيعتها ولم أتعرف عليك فيها أكثر لسبر اغوارك ومعرفة احاجيك والغازك التي كنت تخفي حلولها خلف حدقات عينيك
عينيك اللتين ضربت بنظرهما أقصى الدنيا وقعر الكون وكأنك ترى السر المكنون وتعرف مالقادم من بعيد !
وكل من حولك عمي لا ينظرون !
الله ياطه كم بعثرني صمتك وسكونك واجلالك للسيد القائد حينما أشرق على الشاشة !
لا أدري كيف لك أن تكون كالسد المنيع لحظة وكالحمل الوديع لحظة وأنت محتفظا بكامل أرصدتك المهيبه ، لاتهدر منها شيئا …
سلبت ألبابي ياولي الله ومازالت مسلوبة إلى اليوم !
غادرت يومها ، ودعتنا وتوكلت على الله وأنا اتمنى الا تفارقني دقيقة !
أمضيت ليلتي تلك وأنا أفكر فيك بكل ما فيك لم تغب عني لحظة واحدة
كانت أول مرة التقيك فيها مباشرة
كنت مجرد قصص وحكايا مرسومة في مخيلتي ، اقصها لاصدقائي واحكيها لجلسائي ..
أكملت ليلتي على نفس الحالة ، حتى أشرقت شمس صباح اليوم التالي ..
صباح اليوم التالي الذي اخبرني فيه قريبي انك طلبت منه اصطحابك ويدعوني لمرافقته !
تملكتني الفرحة حينها وغمرتني السعادة
لم اتردد بتاتا في قبول دعوته ..
ارتديت ثوبي على عجل
حملت سلاحي بيدي وهرولت مسرعا
للخارج منتظرا أبن خالي الذي سيأتي لأخذي قبل المجيء لك
أتى الي وأنا كلي شوق ولهفة لرؤيتك
صعدت سيارته وانطلقنا اليك أحسب الأمتار التي تفصلنا عنك حتى انتهيت من حسبتها ورأيتك ..
تفترش الأرض ، خاليا من بهرجة الحياة وزخارفها .. مبتسما لنا من بعيد !
لن تصدق كم كنت مزهوا ومختالا بنفسي عندها …
ركبت معنا وذهبنا …
كان أول حديث اجريه معك واخر حديث يومها !
كنت بسيطا يا سيدي حد العظمه !
وقريبا من الواقع حد اليقين !
كنت خفيف الظل ، سريع البديهة متقد الذكاء ، خطيب .. فيلسوف .. ملم .. ملهم .. عالم !
انهينا ذلك المشوار وقطعنا تلك المسافة كلمح البصر .. تعلمت آنذاك ما لم اتعلمه خلال ست وعشرون سنة !
ودعتك ويكاد قلبي يتمزق .. لا أدري كيف راودني ذلك الشعور الذي اخبرني بأني لن أراك مجددا !
كدت أبكي وافجر دمع عيني يومها ولكني تمالكت نفسي بالكاد وظللت اراقبك حتى اختفيت عن ناظري !
ولم يطل الوقت بعدها كثيرا حتى اشتعلت الحرب .. واوقدت نيرانها
وبلغني انك أبيت الا ان تكون في المقدمة كما هي عادتك
ظللت أتابع اخبارك واقتفي وحيك بتوجس وخيفة وحذر !
مكثت على حالي هذا ، حتى تلك الليلة
تلك الليلة السوداء الظلماء التي لازالت تفاصيلها القبيحة عالقة برأسي حد اللحظة
كانت ليلة باردة ، غائب عنها القمر ، وأكاد اقسم بالخالق أنه حتى النجوم انطفئت يومها ، فلا نور ولا قبس نار ولا وهج أفق ظهر …
كنت أنا والسواد واحد أصدقائي الذي زف الي خبر استشهادك ..!!
تبلدت وقتها ، حاولت أن ارسم سيناريوهات مغايرة عسى أن أخفي الحقيقة ،
عسى أن أكذب على نفسي مواساة وشفقة بحالي .. ولكن الخبر كان قاطعا ومؤكد وفوق كل هذا غاية في السرية ، كانت قطعة جمر حكم علي أن ابتلعها وحدي دون أخبار أحد ..
عدت ادراجي صوب منزلي وأنا أدري انني سأبكي على أثر الفاجعة حد الاختناق ، لم أصدق أنني وصلت عتبة غرفتي حتى تنفست الصعداء وأطلقت العنان للطفل الذي بداخلي وبكيت …
بل ذرفت الدم بشكل هيستيري ولم يوقفني عن جنوني إلا عينيك !
عينينك اللتين تذكرتهما وأنا في سكرة أحزاني وتثلجت اطرافي رهبة منهما !
كتمت السر الثقيل منذ ما يقارب عام ونصف
ورفضت مشاركة أحد به
كنت أسمع ماتسرب من أخبار واتألم وحيدا
كنت أرى صورك على مواقع التواصل واتوجع خفية
كنت أضع عيني بعين من يعلم خبر ارتقائك والفظ الشهقة بصمت
مكثت على حالي هذا إلى قبل ما يقارب الشهرين من كتابتي لطلاسمي هذه
إلى ذلك اليوم الذي طلب مني أن اشترك في عمل تصويري وثائقي يحكي حياتك .. جهادك .. استشهادك !
أدركت عندها ، أنه حان الوقت لكي يبتلع الجميع جمرة النار الذي ابتلعتها قبلهم ، وأنه سيعلن عن استشهادك قريبا
ظننت حينها انني سأريح كاهلي من حمله الثقيل قليلا
عند مقابلة أصدقائك ورفاق جهادك والاستماع إليهم وهم يتحدثون عنك
ولكن ياويلي ..
لو شاهدتهم وهم يبكون في نصف الحديث
لو رأيت دموعهم التي سالت لعظمتك يا سيدي
لو سمعت زفراتهم التي كانوا يفجرونها رغما عنهم
لو لمحت بريق أعينهم وهم يصفونك
وشرود نظراتهم وهم يترجمونك
ورباطة جأشهم المنهار وهم ينعونك !
وحسرتي وضيمي ورعشة يدي حينها
لقد تركت يتامى كثر ورائك ياطه
وخلفت رجال اشداء كثر أيضا
ارتقيت إلى السماء يا سيدي
واخفينا خبر ارتقائك كثيرا
وها قد جاء أسبوع الشهيد ، وقرر لنا أن نحتفل بك علانية
ها أنا اليوم اكتب عنك ما لا يليق بك
ولكن لا يهم ، فأنت لست بحاجة لمن يكتب فيك
هنيئا لك الشهادة بجوار الأنبياء والصديقين والشهداء ممن سبقوك
وسلام الله عليك يا سيدي في كل وقت وحين
وعهدا علينا أن نمشي على دربك ودرب السيد حسين ممتثلين لأوامر قائدك وقائدنا السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن نلقى الله نحمل لواء النصر أو بيرق الشهادة ….!