الأخبار المحلية تقارير

إرث علي عبدالله صالح الأسود وتأثيره المدمر على اليمن

الجديد برس| تقرير| وحيد بن سلام|
تعد فترة حكم المخلوع علي عبدالله صالح، التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود (1978-2012)، محطة مفصلية وكارثية في تاريخ اليمن الحديث. يرى الكثيرون أن هذه الفترة قد شهدت ترسيخا للفساد، وتدهورا في الخدمات الأساسية، وتراجعا ملحوظا في مستوى التعليم، فضلا عن تعزيز الانقسامات المجتمعية التي ما زال اليمن يعاني منها حتى اليوم. لم تقتصر تجاوزات صالح على ما ذكر سابقا ، ففترة حكمه كانت غارقة في العديد من الجرائم والانتهاكات التي ما زالت تداعياتها تلاحق اليمن حتى يومنا هذا.
اغتصاب السلطة وتكريس الفساد والجهل..
قام صالح بـاغتصاب السلطة عبر انتخابات مزورة لمدة 34 عاما، وخلال هذه الفترة، كرس الفساد والفوضى بشكل ممنهج. عمل على تجهيل التعليم ونشر الجهل بشكل واضح، وعين وزراء ومسؤولين جهلة ومتخلفين من أولاد الشوارع لضمان ولائهم وسهولة التحكم بهم. هذا النهج سمح له بسرقة مقدرات البلاد المالية له ولأسرته، محولا الثروات الوطنية إلى حسابات شخصية في الخارج.
من الجرائم الخطيرة التي ارتكبها صالح هي تشجيعه على حمل السلاح الذي كان يباع للمواطنين من المؤسسات العسكرية، مما حول المجتمع اليمني إلى مجتمع مسلح، وزاد من حدة الفوضى. كما شجع على توسيع رقعة زراعة القات، وهي آفة اجتماعية واقتصادية تستنزف موارد البلاد وتؤثر على الصحة العامة.
الأخطر من ذلك هو اغتيال العلماء والمفكرين، لأنه كان يعاني من عقدة نقص تجاه العلم والتعليم بسبب جهله. كان تعليمه محدودا للغاية، حيث كان يعمل أجيرا لرعي الأغنام في صغره. هذه الاغتيالات كانت تهدف إلى إخماد أي صوت تنويري يمكن أن يهدد حكمه الاستبدادي.
الاغتيالات السياسية والاختطافات الممنهجة
لم يكن القتل مجرد حادث عرضي في عهد صالح، بل كان أداة ممنهجة للتخلص من الخصوم. كان نظام صالح يقوم باللجوء إلى الاغتيالات السياسية المنظمة التي طالت سياسيين بارزين، ناشطين، صحفيين، وحتى علماء دين، بهدف إخماد أي صوت معارض. غالبا ما كانت هذه العمليات تنفذ بطرق غامضة، مع إلقاء اللوم على أطراف أخرى، مما زاد من حالة الفوضى وانعدام الثقة. كما اشتهرت فترة حكمه بعمليات الاختطاف القسري للمعارضين، حيث كان يتم احتجازهم في سجون سرية وتعذيبهم، لترهيبهم وإجبارهم على التراجع.
التفجيرات وأعمال العنف:
لعبة الفوضى للحفاظ على سيطرته وإظهار نفسه كمنقذ من الفوضى، كان نظام صالح يقوم بتدبير العديد من التفجيرات وأعمال العنف التي استهدفت البنية التحتية والمواطنين الأبرياء. كان الهدف من هذه الأعمال إثارة الخوف بين الناس، وإظهار أن غيابه عن السلطة سيؤدي إلى المزيد من الفوضى، وبالتالي دفع الناس إلى المطالبة بعودته. هذا التكتيك، المعروف بلعبة الفوضى، كان يهدف إلى تبرير قبضته الأمنية وتجاهل أي مطالبات بالإصلاح السياسي الحقيقي.
الفساد المالي والإداري الممنهج وتدمير مؤسسات الدولة
لم يكن الفساد في عهد صالح مجرد حالات فردية، بل كان نظاما ممنهجا تغلغل في كافة مفاصل الدولة. كان صالح وعائلته والمقربين منه بنهب مليارات الدولارات من ثروات اليمن، بما في ذلك عوائد النفط والغاز، والاستثمارات العامة، والمساعدات الدولية. تم تحويل هذه الأموال إلى حسابات خاصة في الخارج، واستثمارها في عقارات وأعمال تجارية تابعة للعائلة، بينما كان غالبية الشعب اليمني يعيش في فقر مدقع. هذا الفساد أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وحرم اليمنيين من حقهم في التنمية.
عمل صالح بشكل منهجي على إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض سيادة القانون لضمان بقائه في السلطة. فقد تم تسييس القضاء والجيش والأمن، وتحويلها إلى أدوات لخدمة مصالحه الشخصية والعائلية. تم تعيين الولاء على حساب الكفاءة، مما أدى إلى تدهور هذه المؤسسات وفقدانها لثقة الشعب. هذا التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة أدى إلى فراغ قانوني وأمني، سهل انتشار الجرائم والعنف، وجعل اليمن عرضة للتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.
الصراع على السلطة وتداعيات ما بعد 2011
عندما خلعه الشعب من السلطة عام 2011، لم يتوقف صالح عن العبث. بقي يلعب في الظل ، حيث كان يستأجر ضعاف النفوس لقطع الطرقات وتفجير أبراج الكهرباء واغتيال الناشطين والسياسيين والإخلال بالأمن. كان هدفه من ذلك إيهام الناس بأن عهده كان أفضل، وبالتالي تمهيد الطريق لعودته إلى السلطة.
على الرغم من منحه حصانة كاملة ومسامحته بالأموال التي سرقها، والقتلى الذين قتلهم في ظروف مختلفة، على أساس أن يبتعد عن السياسة، إلا أنه من شدة غبائه رفض هذه العروض. بقي متمسكا بالحرس الجمهوري والأمن المركزي، متحولا إلى دولة داخل دولة يعبث ويقتل ويقطع الطرقات ويخلط الأوراق ويغتال منافسيه. لقد أسس لحروب أهلية وانقسامات في الشمال والجنوب، ولا يزال اليمن يعاني من الفوضى التي أسسها حتى يومنا هذا. كانت نهايته القتل، وهي النهاية الطبيعية التي تناسب حجم الدمار الذي خلفه.
قضية الوحدة اليمنية ودور صالح فيها
فيما يتعلق بوحدة اليمن، يرى العديد من المحللين أن علي عبدالله صالح لم يكن هو المهندس الحقيقي للوحدة بين الشمال والجنوب. بل إن القادة الجنوبيين هم من ضحوا بمناصبهم وتنازلوا إرضاء له لكي تتم الوحدة، في حين كان صالح هو المستفيد الأكبر من هذه الخطوة، حيث عزز سيطرته على البلاد وأصبح رئيسا لليمن الموحد.
دعوات عودة أحمد علي صالح: تكرار للمجرب ومصداق للمثل الشعبي
الآن، هناك عقول متحجرة جاهلة تطالب أحمد علي صالح، نجل المخلوع، أن يعود لحكم اليمن بدلا من والده. هذه الدعوات تعكس جهلا مطبقا وغباء سياسيا، وكأن الشعب يريد أن يجرب المجرب مرة أخرى. يصدق عليهم المثل الشعبي: (ما يجرب المجرب إلا الذي عقله مخرب). الدعوة لعودة شخصية من عائلة حكمت البلاد لسنوات طويلة وأدت بها إلى هذه الهاوية، تعتبر دليلا على عدم استخلاص الدروس من الماضي، وتنبئ بمستقبل قد يكون أكثر سوءا في ظل استمرار نفس النهج السياسي المدمر.
إن اليمن بحاجة إلى قيادات وطنية جديدة تؤمن بالدولة والمؤسسات، لا إلى إعادة إنتاج نظام أثبت فشله ودماريته.