المقالات

الاحتلال البريطاني.. جرائم وانتهاكات أشعلت ثورة أكتوبر

الجديد برس| بقلم- فؤاد مسعد|

احتلت بريطانيا جنوب اليمن لفترة زمنية تناهز 130 سنة، ولم يختلف هدفها الرئيس عن أهداف الاحتلال البريطاني لبقية المناطق والدول التي احتلتها خلال الفترة نفسها، وهو استغلال الأرض والثروات وتوظيف المواقع الاستراتيجية للدول المستعمَرة في خدمة أجندتها الاستعمارية والعمل على استغلال كل ذلك، من أجل توسيع رقعة نفوذها، خاصة وأنها صار يُطلق عليها “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”.

ويرجع ذلك إلى أن بريطانيا – خاصة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين – صارت هي القوة الاستعمارية الأولى على مستوى العالم، وبلغت قواتها أقصى الأرض شرقاً وغرباً، وفي أدغال أفريقيا كما في أطراف آسيا، في البر كما في البحار والمحيطات، وفي العالم القديم كما في العالم الجديد الذي كان لبريطانيا فيه نصيب الأسد.

والحقيقة أن تلك الأهداف الاستعمارية لم تكن خاصة بالاستعمار البريطاني، بل هي سمة مشتركة لكل قوة تقوم باحتلال أرض دولة أخرى، وتستولي على ثرواتها ومواردها، يستوي في ذلك الاستعمار البريطاني مع الاستعمار الفرنسي، والاحتلال الأمريكي مع الاحتلال الصهيوني، في كل زمان ومكان، وفي كل أرض ودولة.

الاحتلال هو ذاته الاحتلال يقوم باحتلال أراض خارج حدوده ويسمي ذلك الاحتلال استعماراً، ويمارس استغلال الموارد وسرقتها ونهب الثروات ثم يصور ذلك كما لو كان عملاً حضارياً يجعل الشعوب المحتلة مدينة لتلك القوى المتحضرة التي كلفت نفسها وجيوشها عناء السفر وتحملت المشاق والمصاعب من أجل تسدي الخدمة لهذه الدولة أو تلك باحتلال أرضها ونهب ثرواتها واستغلال مواردها واستعباد شعوبها!

إن أسوأ ما فعله الاحتلال البريطاني بعد سيطرته على مدينة عدن أنه قام بسلخها عن محيطها اليمني والعربي، وجعلها جزءاً من ممتلكاته الخاصة، وأطلق عليها مسمى “مستعمرة عدن” يقرر هو مصير المدينة ومصير أبنائها، ويتحكم جنوده في إدارة شؤون مواطنيها وتحديد من يدخلها ويقيم فيها، ومن يحرم من دخولها ويجبر على مغادرتها.

ولم يتوقف ذلك على عدن بل سعت بريطانيا إلى توسيع سيطرتها على بقية مناطق الجنوب، سيما المدن الكبرى، فأعلنت عن احتواء هذه المناطق باعتبارها “محميات” خاضعة لسلطة التاج البريطاني، بعدما أجبرت مسؤولي المناطق تلك من أمراء ومشائخ وسلاطين على إبرام اتفاقيات تعتبر مناطقهم محميات بريطانية.

كل ذلك كان يجري تخطيطه وتنفيذه على قاعدة بريطانيا الشهيرة “فرّق تسُد”، فهي قد فرقت أولاً بين عدن وبقية مناطق جنوب اليمن المحيطة بها، من خلال اعتبار عدن “مستعمرة”، وبقية المناطق “محميات”، ثم مارست التفريق من خلال اعتبار كل منطقة “دولة”، أو “شبه دولة”، لها كيانها الإداري وعلمها الخاص وحدودها الجغرافية ووثائقها الرسمية الخاصة بها، مع الإبقاء على المسميات السابقة لكل منطقة منها، سواء أكانت إمارة او سلطنة أو مشيخة.

بعدما نجحت سلطات الاحتلال البريطاني في رسم كيانات سياسية وإدارية وفق مخططاتها شرعت في خطواتها التالية من استغلال الموارد بما فيها الموقع الاستراتيجي، خاصة موقع عدن القريبة من مضيق باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر- أحد أهم الممرات المائية الدولية التي تربط بين آسيا وأفريقيا، وتتصل بأوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، كما تتصل بالهند- أكبر مستعمرات بريطانيا شرقاً- من خلال بحر العرب وارتباطه بالمحيط الهندي.

أتقنت بريطانيا لعبة السيطرة البحرية على أهم المنافذ والممرات المائية حول العالم، من مضيق باب المندب إلى قناة السويس، ومن جبل طارق غرباً إلى جنوب البحر المتوسط في مصر وشمال أفريقيا، وشرقه في فلسطين والأردن، ومن المحيط الهندي إلى مضيق هرمز والخليج العربي، وصولاً إلى البصرة وشط العرب في العراق وشمال الجزيرة العربية.

وكانت عدن وبقية مناطق الجنوب اليمني جزءاً من هذه الرقعة المحتلة من قبل بريطانيا، يجري عليها ما يجري على كل المناطق المحتلة، من استغلال وسرقة ونهب وانتهاك للحقوق والحريات واعتداء على الكرامة الإنسانية مهما حاولت جهود تلاميذ الاحتلال أن تحسن من تلك الصورة، وتضع عليها أدوات التجميل والزينة التي تحاول إخفاء الملامح الحقيقية لصالح الظهور بمظهر الصديق الودود الذي ما كان له أن يغامر لاحتلال أراضي غيره لو لم يكن دافعه هو الحب والمودة والرغبة بالتضحية من أجل الشعوب المغلوبة على أمرها.

ماتعرضت له المناطق الأخرى في العالم التي خضعت للاحتلال البريطاني، كان يجري في المناطق المحتلة جنوب اليمن، من استغلال وسرقة ونهب وانتهاك للحقوق والحريات واعتداء على الكرامة الإنسانية.

كما يفعل غيره، فعل الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن ما أراد من استغلال، ومارس كما يمارس أشباهه وأضرابه من الانتهاكات والاعتداءات من القتل والتدمير والقمع والتنكيل، حتى أنه استخدم الطيران الحربي مراراً وتكراراً في حربه ضد المدنيين العزل في مختلف المناطق، وكان الطيران يقصف القرى والمدن والمساكن والطرقات والمباني بكل عنف ووحشية دون أن يفرق بين مواطن أو مقاتل، وبين الأطفال والنساء والشيوخ الطاعنين في السن دون اكتراث لما يمكن أن يؤدي إليه القصف الجوي المتسم بالهمجية والبربرية.

لقد مارس الاحتلال البريطاني أبشع صور الاحتلال وأكثرها قسوة ووحشية، ولو لم يفعل ذلك لما كان للثورة وقودها من القهر والآلام والأوجاع التي مضى على تكريسها عشرات السنين، ولو لم يكن الاحتلال بتلك القسوة والوحشية ما كان للثورة قيمتها وأهميتها التاريخية وأبعادها الأخلاقية والوطنية والإنسانية.

المصدر: ”يمن ديلي نيوز”

الوسوم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق