الجديد برس| اقتصاد|
استأنفت سلطة النقد الفلسطينية العمل اليوم الأحد في عدد من فروع البنوك الفلسطينية في قطاع غزة بشكل جزئي بعد فترة انقطاع طويلة بسبب حرب إسرائيل على القطاع، في خطوة وُصفت بأنها بداية لعودة النشاط المصرفي إلى القطاع، غير أن هذه العودة ستكون منقوصة إذا جاءت من دون توفير السيولة النقدية اللازمة لتفعيل خدمات السحب والإيداع.
وأعلن بنك فلسطين عن فتح فرعيه في دير البلح والنصيرات، كما أعلن كل من بنك القدس والبنك الإسلامي العربي عن فتح فرعيهما في النصيرات لتقديم الخدمات المصرفية باستثناء السحب والإيداع، فيما أعلن البنك الإسلامي الفلسطيني عن استئناف العمل في فرع غزة الرئيسي واستقبال العملاء من خلاله.
الخدمات المتاحة
وقال مدير عام البنك الإسلامي الفلسطيني عماد السعدي في حديث مع الجزيرة نت إن “طواقم البنك جهزت الفرع لاستقبال العملاء ضمن ساعات عمل محدودة”، مشيرا إلى استمرار تقديم الخدمات عبر فرع دير البلح الذي كان يعمل خلال فترة الحرب، إلى جانب القنوات الرقمية التي تتيح تنفيذ المعاملات إلكترونيا.
وأضاف “الخدمات المتاحة تشمل معظم العمليات المصرفية باستثناء السحب والإيداع النقدي، نظرا لعدم توفر السيولة في الوقت الراهن”، مؤكدا أن البنك يبذل كل جهد ممكن لتسهيل وصول العملاء إلى حساباتهم حتى استقرار الأوضاع المالية وعودة التداول النقدي بشكل طبيعي.
وأوضح السعدي أن توفير السيولة النقدية ليس من اختصاص البنوك التجارية، بل يرتبط بالجهات النقدية المسؤولة عن توريد الأموال إلى القطاع، مؤكدا أن حل الأزمة النقدية والسيولة هو الشرط الأساس لاستعادة الدورة الاقتصادية في غزة.
ولا يسهم فتح البنوك أمام العملاء من دون توفير النقد في حل الأزمة، إذ تبقى الحسابات مجمدة ويلجأ المواطنون إلى السوق السوداء، حيث تُفرض عمولات تصل ما بين 20 و30% للحصول على السيولة النقدية.
تشير تقديرات المؤسسات الدولية إلى أن نحو 95% من البنية المصرفية في غزة تضررت خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع، إذ دمر الجيش الإسرائيلي معظم مقار البنوك، واستُهدف الكثير منها بالسرقة والنهب.
والحاجة العاجلة اليوم تتمثل في ضخ السيولة النقدية وتفعيل الصرافات الآلية لضمان عودة النشاط المالي إلى طبيعته.
سلطة النقد الفلسطينية (الموقع الرسمي)
يرى الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر أن السيولة النقدية تمثّل شريان الاقتصاد، وتتيح استمرار النشاط التجاري، ودفع الأجور، وتمويل المشتريات، ومن دونها، لا يمكن للقطاعين العام والخاص العمل بشكل طبيعي، ما يؤدي إلى تفاقم الركود، ويُضعف الثقة بالقطاع المصرفي، ويزيد الاعتماد على قنوات غير رسمية محفوفة بالمخاطر.
ويقول أبو قمر في حديث مع الجزيرة نت إن “إعادة الإعمار المالي لا يمكن أن تقتصر على فتح الفروع المصرفية، بل تتطلب خطة شاملة تضمن وصول النقد إلى الفروع والصرافات، وتوسيع أنظمة الدفع الإلكتروني، وإلغاء العمولات المبالغ فيها، بما يعيد الثقة إلى المواطنين ويعزز استقرار السوق المحلي”.
عودة البنوك خطوة محدودة الأثر
عدّ كثير من الغزيين، خاصة الموظفين والتجار، عودة البنوك إلى العمل خطوة ضرورية لإعادة الحياة الاقتصادية تدريجيا بعد شهور من الشلل المالي الكامل، واعتبروها بارقة أمل بانتعاش قريب، لكنهم شددوا على أن فتح فروع البنوك من دون توفر السيولة النقدية وخدمات السحب والإيداع لا يلبّي احتياجاتهم الفعلية.
ويرى آخرون أن استمرار غياب النقد يجعل هذه الخطوة شكلية ومحدودة الأثر، إذ لا يمكنهم الوصول إلى رواتبهم أو تمويل أعمالهم إلا عبر السوق السوداء وبعمولات مرتفعة.
في السياق، قال المواطن خليل أبو كريم -موظف حكومي- إن “عودة فتح بعض فروع البنوك في غزة خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح”، معربا عن أمله في أن تمهد لعودة الحياة الاقتصادية تدريجيا.
وأضاف في حديث للجزيرة نت “حتى لو لم تتوفر السيولة النقدية بعد، المهم أن تبدأ عجلة العمل المصرفي بالدوران من جديد، وأن تترافق هذه الخطوة مع حلول سريعة لتوريد النقد وتشغيل الصرافات حتى يتمكن الناس من الوصول إلى رواتبهم ومدخراتهم دون ابتزاز من تجار العملة والسيولة التي عانينا منها خلال فترة الحرب”.
من جانبه، يرى المواطن محمد حمدان -تاجر مواد غذائية- أن فتح فروع البنوك من دون تمكين المواطنين من السحب والإيداع لا يغير شيئا من الواقع الصعب، ويصف الخطوة بأنها شكلية أكثر منها عملية.
ويقول للجزيرة نت “ما الفائدة من فتح البنوك إذا كانت الحسابات مجمّدة؟ فالمواطنون يضطرون للجوء إلى السوق السوداء للحصول على الكاش (السيولة) ودفع عمولات عالية. الأزمة ليست في فتح الفروع، بل في غياب السيولة التي تُحرّك الاقتصاد”.
بدوره، أشار الباحث في الشأن الاقتصادي خالد أبو عامر في حديثه مع الجزيرة نت إلى “أن إعادة فتح فروع البنوك في غزة خطوة مهمة لعودة الحياة إلى النظام المالي، لكنها غير كافية لتحقيق الغايات الاقتصادية المرجوة في ظل استمرار أزمة السيولة النقدية”.
وأوضح أن الخدمات المصرفية لا يمكن أن تؤدي دورها الحقيقي ما لم تتوفر السيولة اللازمة لتمكين المواطنين من السحب والإيداع، منوهًا بأن الموظفين والتجار يواجهون صعوبات كبيرة في تسيير أعمالهم ودفع التزاماتهم اليومية بسبب غياب النقد.
وشدد أبو عامر على أن معالجة الأزمة تتطلب تدخلا مباشرا من سلطة النقد ووزارة المالية لضخ السيولة عبر القنوات الرسمية وتشغيل الصرافات الآلية تدريجيا، إلى جانب قرارات تنظيمية تكبح السوق السوداء وتعيد الثقة بالقطاع المصرفي.
وحسب أبو عامر، فإن التعافي السريع للنظام المالي والمصرفي من شأنه أن ينعكس إيجابا على عملية إعادة الإعمار، المتوقع أن تبدأ على مراحل خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما يستوجب على سلطة النقد التحرك العاجل لإعادة تشغيل البنوك وتسهيل عمل شركات المقاولات دون معيقات لوجستية أو إدارية.
موقف سلطة النقد
وفيما يتعلق بأزمة السيولة النقدية، أكدت سلطة النقد للجزيرة نت أنها تتطلب سلسلة من الإجراءات، كالحصول على العديد من الموافقات وتوفير الاحتياجات اللازمة على الصعيدين الأمني واللوجستي.
ومن المقرر أن تتم معالجة هذه الأزمة بشكل تدريجي مع تحسن الظروف وتوسع عملية إعادة تشغيل الفروع.
وقالت سلطة النقد “نواصل جهودنا الحثيثة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتأمين إدخال النقد إلى القطاع ومعالجة هذه الأزمة التي سببت الكثير من المعاناة للمواطنين خلال فترة الحرب”.
وأضافت “نعمل بالتنسيق مع المصارف، على تنفيذ خطط تشغيل مرحلية تضمن وصول الخدمات المالية للجمهور بشكل آمن ومنظم، حيث تتم إدارة هذه المرحلة الانتقالية عبر مزيج من الإجراءات الميدانية والرقابية، بهدف التخفيف عن المواطنين، وتلبية احتياجاتهم المصرفية، وتهيئة الظروف لعودة دورة الحياة المالية إلى طبيعتها بشكل تدريجي”.