زلزال مالي عالمي يهزّ وول ستريت الأمريكية.. 28 تريليون دولار على المحك
5:47 م - 2025-10-19
82 المشاهدات
الجديد برس| اقتصاد|
تعيش “وول ستريت” على وقع صدمة جديدة أعادت إلى الأذهان هشاشة النظام المالي الأمريكي، بعد أن أثارت قروض متعثرة في مصرفين إقليميين كبيرين مخاوف واسعة بشأن جودة الائتمان في الاقتصاد، لتتراجع الأسهم الأمريكية وتفقد السوق الصاعدة التي تبلغ قيمتها نحو 28 تريليون دولار بعضًا من زخمها وسط قلق من امتداد العدوى إلى النظام المصرفي بأكمله.
وتزامن هذا الاضطراب مع تجدد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وانهيار مقرض السيارات منخفض التصنيف “تريكولور هولدينغز”، في مشهد يربط بين هشاشة البنوك الإقليمية وتباطؤ النمو الاقتصادي، وسط حالة من الحذر تسود المستثمرين والمؤسسات المالية الكبرى، بحسب وكالة “بلومبرج”، 16 أكتوبر 2025.
انكشاف مصرفي يهز وول استريت
بدأت الأزمة من مصرفي زيونس بانكورب وويسترن ألاينس بانكورب، بعدما كشف الأول عن شطب قرض بقيمة 50 مليون دولار منحه عبر فرعه “كاليفورنيا بنك آند تراست” في سان دييغو، فيما أعلن الثاني أنه منح قروضاً للمقترضين أنفسهم، ما أثار المخاوف بشأن انتشار التعثر في القطاع.
وتراجع سهم “زيونس” بأكثر من 13% بينما خسر “ويسترن ألاينس” نحو 11% من قيمته السوقية، ما دفع صندوق مؤشرات المصارف الإقليمية “KRE” إلى الهبوط بنسبة تفوق 6%، وهو أكبر انخفاض له منذ موجة البيع في أبريل الماضي. وأشار المحلل ستيف سوسنيك من شركة “إنتراكتيف بروكرز” إلى أن هذه الحالات تبدو حالياً محصورة في نطاق محدود، لكنها كافية لتذكير الأسواق بأزمة بنك “سيليكون فالي” في 2023، بحسب شبكة “سي إن إن”.
وفي المقابل، رأى محللو البنوك في “بيرد” أن التراجع كان مفرطاً، مرجحين أن تكون هذه القروض المتعثرة حالات فردية، وليس مؤشراً على أزمة نظامية، إلا أن رد فعل السوق القوي عكس هشاشة الثقة في القطاع المالي الأمريكي، وهو ما أكده الرئيس التنفيذي لـ”جيه بي مورغان”، جيمي ديمون، حين حذر من أن “ظهور صرصور واحد يعني غالباً وجود آخرين”.
الذهب يتألق وسط اضطراب الأسواق
بينما اهتزت الأسواق الأمريكية، شهدت السندات الحكومية والذهب موجة شراء كثيفة من المستثمرين الباحثين عن الأمان، فانخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى ما دون 4%، وتراجعت عوائد السندات لأجل عامين إلى أدنى مستوى منذ عام 2022.
وسجّل الذهب مستوى قياسياً جديداً بدعم من المخاوف الائتمانية، وتزايد التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين، في وقت تراجع فيه مؤشر الدولار نحو أسوأ أداء أسبوعي منذ يوليو الماضي. وأشارت تقارير إلى أن الذهب يتجه نحو تحقيق مكاسب للأسبوع التاسع على التوالي، في إشارة إلى تحوّل المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، بحسب وكالة أنباء “رويترز”.
تساءل المحلل ديفيد سميث من “تروست” عما إذا كان تعثر القروض بسبب الاحتيال أفضل من التعثر الناتج عن ضعف الاقتصاد، مؤكداً أن “الحالة النفسية للمستثمرين أصبحت أكثر حساسية، فالبيع السريع بات الخيار الأول قبل أي تحليل للأسباب”.
انهيار “تريكولور” يفاقم القلق الائتماني
أدى انهيار مقرض السيارات منخفض التصنيف “تريكولور هولدينغز” إلى خسائر بقيمة 170 مليون دولار في “جيه بي مورغان تشيس آند كو”، رفعت تكلفة الائتمان في الربع الثالث وأثارت تحذيرات من احتمالية ظهور نقاط ضعف جديدة في النظام المالي.
وجاء هذا الانهيار بعد سلسلة من حالات الإفلاس في شركات مثل “فيرست براندز”، ما جعل المستثمرين يخشون من “عدوى ائتمانية” قد تمتد من الشركات الصغيرة إلى المصارف الكبرى. وأكد المحلل مايك مايو من “وول ستريت” أن الأسواق باتت تبحث عن “الصرصور التالي” في إشارة إلى القلق من اكتشاف حالات تعثر إضافية.
وبينما حاول بعض المحللين التقليل من حجم الأزمة، فإن تزامنها مع تراجع الثقة في البنوك الإقليمية أعاد إلى الذاكرة أزمة 2023، حين أدت مشاكل السيولة إلى انهيار ثلاثة بنوك أمريكية متوسطة الحجم خلال أسابيع معدودة.
حرب تجارية تعمق أزمة الثقة الاقتصادية
توقّع استراتيجيون في “سيتي جروب” بقيادة بيتا مانثي أن تدخل السوق الأمريكية مرحلة أكثر تقلباً، محذرين من أن تصاعد الحرب التجارية مع الصين يزيد من تعقيد المشهد. وقالوا إن القيود الصينية الجديدة على صادرات المعادن النادرة، والتي تدخل في صناعة الرقائق والتكنولوجيا، تهدد بإعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية.
ولمح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إلى تشكيل تحالف اقتصادي جديد مع الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا والهند للتعامل مع هذه التحديات، في خطوة تهدف إلى تأمين الإمدادات الحيوية في مواجهة السياسات الصينية.
وفي المقابل، رأى دانيال سكيلي من “مورغان ستانلي لإدارة الثروات” أن القاعدة الذهبية لمستثمري الأسهم تظل التركيز على الشركات الكبرى عالية الجودة، مشيراً إلى أن الشركات الصغيرة قد تواجه صعوبات في ظل تباطؤ النمو وتراجع الإنفاق الاستهلاكي.
تراجع الثقة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات
أظهر استطلاع “رابطة المستثمرين الأفراد الأمريكية” تراجع نسبة التفاؤل إلى 33.7% مقابل 45.9% في الأسبوع السابق، ما يعكس تحولاً حذراً في مزاج السوق. وأوضح تقرير “بيسبوك إنفستمنت غروب” أن التفاؤل الذي ساد النصف الأول من عام 2024 بدأ يتلاشى مع تزايد المخاوف الائتمانية.
ومع ذلك، لا يزال المستثمرون الأفراد يتمسكون بإستراتيجية “شراء كل انخفاض”، إذ أشار سكوت روبنر من “سيتادل سيكيوريتيز” إلى أن إيمانهم بصعود السوق ما زال استثنائياً، على عكس المؤسسات المالية التي تتجه إلى شراء أدوات التحوط والرهان على تراجع السوق.
ويعتقد محللو “إيتورو” أن أي تراجع كبير هذا الشهر قد يُنظر إليه كفرصة جديدة للشراء، بشرط بقاء العوامل الأساسية مثل نمو الأرباح وخفض الفائدة في مسارها الحالي، مؤكدين أن الأسواق الأمريكية “لا تزال تقف على حافة التوازن بين التفاؤل والذعر”.
الذكاء الاصطناعي ينقذ وول ستريت
رغم الاضطرابات، لا يزال الإنفاق على الذكاء الاصطناعي أحد أهم عوامل الدعم في “وول ستريت”. فقد قفز سهم “أوراكل كورب” بعد إعلان توقعات بهوامش ربح قوية في مشاريع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، فيما أظهرت نتائج “تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشرينغ” و”إيه إس إم إل هولدينغ” استمرار الطلب العالمي القوي على الرقائق.
وأشار رايان غرابينسكي من “ستراتيغاس” إلى أن موجة الإنفاق على بناء مراكز البيانات ورفع القدرات الحسابية “ما زالت قوية من حيث القيمة”، مؤكداً أن سردية الذكاء الاصطناعي “لا تزال أحد الأعمدة القليلة التي تمنح السوق الأمريكية بعض الثقة وسط العواصف الائتمانية والسياسية”.
ووفقاً لفؤاد رزاق زادة من “فوركس.كوم”، فإن قدرة السوق على التعافي بسرعة من الصدمات الأخيرة “تؤكد أهمية الاتجاه الصعودي المدعوم بالتقنيات الحديثة”، رغم كل علامات القلق في البنية الائتمانية للاقتصاد الأمريكي.