الجديد برس : مقالات واراء
بقلم / طه زبارة
يمتطي الموت جوادهُ الكئيب كالعادة وتبدأ الفاجعة رحلتها من منزل إلى آخر.!
بلا مناسبة يأتي ويأخذ أحدهم ويميت معهُ كل شيء تموت كل ضحكة كل بسمة كل فرحة وتبقى الحسرة حبيسةٓ النفوس.
هو ضيف ثقيل نعلم جميعاً بقدومه ، ولكن نمارس النسيان المتعمد ونتجاهلهُ بعقلنا الباطن ، ربما خوفاً من أن يأتي أو أن وجودهُ من عدمه لم يعد ذا قيمة..وكالعادة بُرهةً يأتي بلا موعد وتدوس حوافر جوادهِ حقبة النسيان.!
أخذ الموت كل ما هو جميل وترك كل ما هو قبيح ، ومازالت جولتهُ المكوكية الباحثه عن الأطفال في المنازل والشوارع تجري على قدم وساق .
يتجسس الموت من بعيد كوحش ينتظر أن تغفل فريستهُ لينقض عليها ، ينتظر أن ينام الرجال والنساء والأطفال في منازلهم ليعلن هبوطه الغير اضطراري ، ثم يرحل وتبقى رائحة الدماء هي الماثلة ، ويُعلٓن رسمياً بين الجدران عن تزاوج الاشلاء بالركام بلا مأتم بلا عزاء ، وإنما بأهازيج وزغاريد تعتلي من أسطح المنازل المجاورة وتغمرها بحه من تكبد الخاطر .
يتهافت الناس مسرعين نحو الفاجعة لعلهم يغلبون الموت ويعيدون الحياة في من تبقى ، قد يجدون يد طفل هناك وحيدة بلا جسد ، وكأنها تبحث عن العابها ، وقد يجدون مصحف امرأة كبيرة في السن ينبعث من بين صفحاته رائحة تلك العجوز بريحانها وشذابها !
وقد يسترقون السمع بين الأحجار لعلهم يسمعون أحداً تحت الصخر يتنفس !
يتناقلون الكتل الإسمنتية ويزيحونها ليملأ بصرهم وجه امرأة كظيم غمرها الركام ، وفي قبضتها جسد طفلها الذي تنقصه يد…يحاولون سحبهم ولكن تبقى يد الطفل الوحيدة هناك كبوصلة تشير نحو صالة استقبال الضيوف !
لا يستطيع أحد دخول تلك الصالة فالكتل الاسمنتية كبيرة وكثيرة ، فيستعين المسعفون بالأسى والصبر، ويستجمعون قواهم ويقومون بتكسير تلك الكتل الاسمنتية ليسهل حملها ، وبعد ساعات من العمل الشاق يُزيلون تلك القطع ليجدون الأب وابنته قد أصبحا جسداً واحداً ملتحماً والدماء تتصدر المشهد وتُخفي ملامحهما، يجدون في الزاوية عجوز يغمرجسدها التراب ولكن شذابها الاخضر مازال في يدها ومازالت رائحته تملأ أرجاء المكان !
يخرجونهم جميعاً ولكن أرواحهم تبقى وتظل متشبثه بما تبقى من جدران المنزل وإرجاء الحي ، أرواحهم تبقى وتزور جيرانهم وأحبابهم كالعادة وكأن شيئا لم يتغير…لست أنا من يقول ذلك وإنما سكان تلك الحارة يحكون أنهم يلامسون تلك الأرواح بين الفينة والأخرى ويشعرون بوجودها ، ويتزاورون بها في عالم الأرواح ذلك العالم التي تتعانق فيه الأرواح في المنام ليفرغوا ما حوته أكبادهم من كمد . وكأنها رسالة ذات مفهوم أوحد وهي أنهم لم يموتوا قط !
هنا يطلق عليهم شهداء وليس أمواتا فالفرق بينهما كالفرق بين الحي والميت !
وعلى كل حال يعتبر الموت في جميع الحالات بشعا ، ولأنهُ يأتيك بصيغة سعودية هنا تجد البشاعة في برواز أخضر ، يعمل على تلميعها حشرات لم يخلق الله لها من مثيل…نحن نواجه آلة قتل وحشرات ، الأولى تقذف الموت من طائراتها وبارجاتها إلى كل كائن حي ، والأخيرة تسعى إلى تقديم هذا الموت كحمامة بيضاء تسر الناظرين .