المقالات

ما وراء الحديث الأمريكي عن خفض التصعيد في اليمن؟

الجديد برس : رأي

إبراهيم السراجي

خلالَ جولته في عواصم دول الخليج لتأليف ما بات يُعرَفُ بـ “الناتو العربي الإسرائيلي” تردّدَ على لسان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لدى زيارته للعاصمة السعوديّة مصطلحُ “خفض التصعيد” في اليمن، وهي المرة الأولى التي يجري فيها استخدامُ هذا المصطلح في الحديث الأمريكي عن اليمن، وهذا له عدة دلالات وأبعاد تعبر عن التوجه الأمريكي في المرحلة القادمة.
في السطور التالية، سنحاولُ طرحَ بعض النقاط التي يمكنُ أن تفسّرَ أهدافَ وأسبابَ الحديث الأمريكي عن خفض التصعيد في اليمن، والذي قالت الخارجية الأمريكية: إن بومبيو اتّفق على ضرورته مع السعوديّين:
أولاً تجدُرُ الإشارةُ إلى أن مصطلحَ “خفض التصعيد” جرى تطبيقُه في سوريا، لكن تطبيقَه في اليمن له تداعياتٌ خطيرةٌ على وحدة واستقلال البلد وفي نفس الوقت يعبّرُ عن إدراك الولايات المتحدة ودول العدوان أن قدرتَهم على الحسم العسكري في اليمن باتت من المستحيلات.
ثانياً نلاحظُ أن الإدارةَ الأمريكية لجأت إلى استخدام مصطلح “خفض التصعيد” بدلاً عن دعواتها خلال الفترة الماضية إلى “وقف الحرب” وإنْ كانت غيرَ صادقة في دعواتها تلك، لكن الخطيرَ أن الأمريكيين يريدون إنهاءَ الدعوات إلى وقف الحرب بالدعوة إلى خلق واقع آخر.
ثالثاً الحديثُ عن خفض التصعيد في اليمن من قبَل الأمريكيين من بين أهدافه وقفُ الزخم الإعلامي الذي تصاعد مؤخراً وألقى الضوءَ على ما يحدث في اليمن وخصوصاً الجرائم التي ارتكبها ويرتكبُها تحالفُ العدوان بحق المدنيين أَو تسبُّبه بالأزمة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة.
رابعاً الأخطرُ في إحلال “خفض التصعيد” مكانَ الدعوات إلى “وقف الحرب” يهدفُ إلى فرض الأمر الواقع في اليمن، بمعنى أن يبقى الوضعُ الميدانيُّ في اليمن على ما هو عليه بعدَما احتلَّ العدوانُ موانئَ ومنافذَ اليمن ومنابعَ النفط والغاز والثروات الطبيعية الأخرى، وكذلك بعدَما قام العدوانُ بتنفيذ الفرز المناطقي في المناطق المحتلّة، وهو ما يهدّدُ وحدةَ واستقلال اليمن، كما إنه يجعلُ من الحلّ السياسي الشامل في اليمن غيرَ ذي أهميّة واستبداله أيضاً بسلطات متعددة على أساس مناطقي وطائفي، وهو ما سبق وأفصح عنه وزيرُ الدفاع الأمريكي المستقيل مؤخّراً، جيمس ماتيس.
خامساً مع تطوُّر قدرات الجيش واللجان الشعبية، وخصوصاً في مجال الصواريخ الباليستية الذكية والطيران المسيّر فإن الأمريكيين يستشعرون خطورةَ هذا السلاح ودقته على عملائهم في اليمن من المرتزِقة وكذلك دول العدوان، وبالتالي فإن الحديثَ عن خفض التصعيد في اليمن بدلاً عن إنهاء الحرب يهدفُ إلى خلق مناطقَ آمنةٍ للغزاة والمرتزِقة باتّفاقات على خفض التصعيد في مناطقَ معينةٍ، كما حدث في سوريا، تجعلُهم في مأمن من هجمات الصواريخ الباليستية الذكية والطيران المسيّر.
أخيراً ورغم أن الحديثَ الأمريكي الجديدَ عن خفض للتصعيد في اليمن يؤكّــدُ بما لا يدعُ مجالاً للشك أن دول العدوان بما فيها أمريكا تدركُ تماماً استحالةَ الحسم العسكري إلا أنه حتى لو تم التوافق على خفض التصعيد فإنه سيظلُّ مرهوناً برغبات دول العدوان ويمكنُها نقضُه في المناطق التي تريدُها، بالإضافة إلى كونه سيؤدي إلى فرض أمر واقع يهدّدُ سيادةَ واستقلال ووحدة اليمن؛ ولذلك على القوى الوطنية التنبُّهُ لخطورة هذا الأمر والتمسّك بخيار إنهاء العدوان ورفع الحصار عبر الحلّ السياسي الشامل، ما لم فالمواجهةُ هي الخيارُ الأفضلُ، وقد أثبت نجاحَه خلال أربع سنوات مضت.