المقالات

الحديدة بين السلام المفروض والسلام المرفوض

الجديد برس : رأي

محمد المحفلي

يمثل اتفاق الهدنة الموقع بين طرفي النزاع في اليمن «بالونة» اختبار لمستقبل عملية السلام التي يفترض أن تقوم على هذا الأساس. وقد جاءت هذه الهدنة نتيجة مباشرة لضغوط قوية من قبل الأمم المتحدة وغيرها من الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي على السعودية والإمارات وعلى حكومة «الإنقاذ» في صنعاء وذلك بفعل عدة عوامل، أهمها التدهور الفظيع في الوضع الإنساني في اليمن من خلال انتشار المجاعة والأوبئة وازدياد حدة الكارثة التي يعيشها البلد بسبب الحرب بصورة عامة، وبسبب إغلاق المنفذ الرئيسي للبضائع والمساعدات الإنسانية في الحديدة. والعامل الآخر، هو مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي أثّر بصورة مباشرة على ردود الفعل الدولية التي تسعى إلى تحجيم السياسات السعودية المتهورة ومنها الحرب المدمرة في اليمن.
غير أن هذا الفرض من قبل الأمم المتحدة واللاعبين الدوليين الآخرين يتم مواجهته برفض من قبل المتصارعين في اليمن، وهذا الرفض مدفوع بعدة عوامل لعل الأساس فيها، أن كل طرف يعتقد أنه الأقوى والأصلح والأحق بالنصر، وأن السلام إن كان فما هو إلا تكتيك مؤقت من أجل السيطرة الكلية، التي ينبغي أن تتحقق إما بالحرب أو بالسلم.
يستسلم طرف سلطة عبدربه منصور هادي، ومن ورائه «التحالف» لضغط المجتمع الدولي والقبول بالسلام الجزئي، وهم يعدون كل الأوراق الخاصة التي ستمكنهم بعد ذلك من السيطرة والتنصل من كل الاتفاقات السابقة، ولدينا فيما يحصل في المناطق المحررة وجه لا لبس فيه لحقيقة النيات المبيتة لهذا الطرف، الذي لا يشكل طرفاً وإنما مجموعة متناقضة من المصالح سوف تستغل أي لحظة هدوء من أجل تحقيق أهدافها الخاصة، وستحول هذا الطرف في حالة السلم من شكل واحد، ليعود إلى وضعه الطبيعي مفرخاً أشكالاً مختلفة تحاول أن ترسم سياساتها الخاصة وتطبق أجنداتها المرسومة.
فيما يبرز «طرف «الإنقاذ» بكل وضوح نياته المبيتة عبر رغبته في استغلال المزيد من الوقت الذي يراه يمر في صالحه، دون وجود أي إرادة حقيقة للمصالحة ذلك أنه يدرك تماما، أنه لن يستطيع أن يعيش إلا باندثار الخصم أو انسحابه من الوجود السياسي بشكل نهائي. ولذلك عمد إلى تطبيق ما اتفق عليه في استوكهولم من طرف واحد وبالطريقة التي يريدها، كما حصل في موضوع انسحاب قوات «لجانه الشعبية» من ميناء الحديدة وتسليمه لقواته المنتمية لخفر السواحل.
هناك مجتمع دولي لا يهمه مسألة المجاعة في اليمن بشكل مباشر، ولكنه يخشى جدياً من أن تتحول هذه المشكلة إلى كارثة عالمية أخرى، فاليمن الواقع تحت أسوأ كارثة في العصر الحديث استقبل العام الماضي فقط ما يزيد على 150 ألف لاجئ من أفريقيا، وللمراقب أن يتخيل كم من الملايين ستغادر من اليمن باتجاه المجهول إضافة لهذه الأرقام القادمة من أفريقيا. وهذا الخوف الدولي تحول إلى محاولة فرض بؤر للسلام في اليمن لعلها تكون أنوية صنع سلام شامل، ولكن هذا الفرض ستم مقابلته برفض من قبل المتصارعين أنفسهم إما بصورة رفض مباشر، أو بواسطة الرفض المبطن الذي يظهر السلام ويخفي الحرب.