برزت، أمس، مؤشرات إلى إمكانية قبول الرياض وأبو ظبي برقابة أممية على ميناء الحديدة، بدلاً من مطلبهما «غير الواقعي» بتسليم المدينة والميناء لما تسمى «الشرعية». لكن تلك المؤشرات تظلّ ترجمتها على الأرض مرهونة بمدى صدقية واشنطن، وبقية العواصم الغربية، في دفع حليفَيها السعودي والإماراتي نحو العودة إلى أرض الواقع بعدما بدا حديثهما عن عملية «سريعة ونظيفة» مجرد تمنيات.
خلافاً للادعاءات التي أطلقها بداية الهجوم على الحديدة، بشأن قدرته على حسم المعركة في المدينة وانتزاع مينائها بـ«عملية سريعة وخاطفة»، لا يزال تحالف العدوان على اليمن عاجزاً عن تثبيت موطئ قدم له في مطار الحديدة، في وقت تتزايد فيه الخسائر البشرية والمادية في صفوف الميليشيات التي تقاتل تحت لوائه، ويشتدّ الحصار المفروض على عناصرها في غير منطقة من الساحل الغربي. وقائع لا شكّ في أن أنباءها وصلت إلى أروقة الرعاة الدوليين لـ«التحالف»، وخصوصاً الولايات المتحدة، بعدما بدا أن هؤلاء منحوا الرياض وأبو ظبي ما يشبه «الفرصة الأخيرة» لتعزيز أوراقهما التفاوضية. لكن الأداء المخيّب للحليفَين قد يحمل واشنطن على كبح جماح هجومهما، وإقناعهما بالركون إلى ما كانت «أنصار الله» قد عرضته من استعداد لرقابة أممية على الميناء، بحسب ما أفادت به بعض التصريحات الصادرة أمس، وإن ظلّ احتمال اندراج هذه الأخيرة في إطار المراوغة والتضليل اللذَين تمارسهما الإدارة الأميركية منذ بدء المعركة قائماً.
ونقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن مسؤول أميركي قوله إن بلاده حثّت السعوديين والإماراتيين على قبول اقتراح أممي بتسليم إدارة ميناء الحديدة إلى المنظمة الدولية، وهو ما يتسق مع البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية ليل الخميس – الجمعة، الذي جاء فيه أن نائب وزير الخارجية، جون سوليفان، أبدى، خلال لقائه ومديرَ «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، مارك جرين، ممثّلي وكالات دولية ومنظمات غير حكومية، تأييده «جهود (المبعوث الأممي، مارتن) غريفيث، لتجنب تصعيد القتال من خلال حل وسط بشأن إدارة الميناء». وأفاد دبلوماسي غربي، بدوره، «رويترز»، بأن «السعوديين أعطوا بعض الإشارات الإيجابية في هذا الصدد»، مضيفاً أنه «صدرت عن الإماراتيين أيضاً همهمات إيجابية». كذلك، نقلت الوكالة عن مصادرها أن «أنصار الله» لمّحت إلى قبولها الاقتراح المشار إليه، والقاضي بإشراف الأمم المتحدة على إيرادات الميناء وعمليات التفتيش فيه، علماً أن الحركة كانت قد أبدت استعدادها هذا بشكل معلن غير مرة، كان آخرها في تصريح للناطق باسمها، محمد عبد السلام، أشار فيه إلى أن «تعاطي صنعاء الإيجابي مع الأمم المتحدة بشأن إيرادات الميناء كان كافياً»، وقبله زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، الذي أكد «(أننا) رحبنا بدور رقابي وفني ولوجستي للأمم المتحدة في الميناء»، و«(أننا) قلنا للأمم المتحدة أن تشرف على الإيرادات رغم قلّتها، لقطع تبرير العدو بأن إيرادات حكومة الإنقاذ تأتي من الميناء».

شهدت مدينة الحديدة تظاهرة حاشدة تأييداً للجيش واللجان الشعبية

لكن عبد السلام استدرك تصريحه المتقدم بأن «العدوان أصرّ على حماقته»، وكذلك فعل الحوثي بإشارته إلى «(أنهم) كاذبون ومتعلّلون بالأباطيل». تعلّل لا يُستبعد استمراره في ظل حديث المصادر الغربية المذكورة آنفاً عن أن «هناك تساؤلات عن انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة نفسها مثلما تطالب الإمارات وحلفاؤها اليمنيون»، وأن التوصل إلى اتفاق على مغادرة «أنصار الله» المدينة قد يكون إحدى «النقاط الشائكة الكبيرة». وهي نقطة لا يمكن لـ«أنصار الله» البتة القبول بها، لكونها «تعني منح الغزاة سلمياً ما عجزوا عن تحقيقه عسكرياً وسيطالبون بالمزيد»، ولأنه «لم يسبق لأي دولة أن سلّمت جزءاً من أرضها طوعاً للغزاة»، على حد تعبير القيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي. ومن هنا، يبدو مفهوماً قول المصادر الغربية إن «الطريق لا تزال طويلة أمام التوصل إلى اتفاق»، وإن «الخطة لن تؤدي في مراحلها الأولية على الأقل إلى وقف فوري لإطلاق النار». ولعلّ هذه التقديرات، معطوفةً على تحاشي المبعوث الأممي إطلاق موعد محدد لاستئناف مفاوضات السلام (باستثناء حديث عام عن نيته إعادة وضعها على السكة في شهر تموز/ يوليو المقبل)، تشي بأن تحالف العدوان قد يُمنح وقتاً إضافياً لـ«تجريب حظه» في الحديدة مرات إضافية، وإن يكن مآل المعارك إلى الآن قد حمل حلفاءه على التفكير جدياً بقبول مقترح غريفيث.
لكن حتى لو مُدِّدَت المهلة المعطاة لأبو ظبي والرياض، إلا أن ذلك لا يعني أنهما ستكونان قادرتين على انتزاع إنجاز، في ظلّ تحوّل جبهة الساحل إلى مصيدة لجنودهما وآلياتهما والمعارك لم تلِج بعد قلب المدينة. وفي آخر تجليات هذه المصيدة أفيد، أمس، عن تنفيذ سلاح الجو المسير التابع للجيش واللجان الشعبية عدداً من الغارات على تجمعات الغزاة والمرتزقة في جبهة الساحل، ما أدى إلى «تدمير رتل من المدرعات والآليات» بحسب ما نقلت وكالة «سبأ» التابعة لسلطات صنعاء عن مصدر عسكري. وتُعدّ هذه العملية الثالثة من نوعها في غضون أيام، بعد اثنتين مماثلتين نُفّذتا في الـ16 والـ18 من الشهر الجاري. وعلى مستوى العمليات البرية، أدت عدة هجمات لوحدة الهندسة العسكرية في القوات المشتركة في المجيليس والدريهمي والجبيلة وقطابة والحيمة وحيس إلى «تدمير 11 آلية عسكرية ومدرعة» تابعة لتحالف العدوان، وفق ما أفاد به مصدر عسكري وكالة «سبأ».
بالتوازي مع ذلك، وفي ردّ على محاولات «التحالف» تأليب أهالي الحديدة على «أنصار الله»، شهدت المدينة، أمس، تظاهرة حاشدة أكد المشاركون فيها رفضهم قوى الغزو والاحتلال، ووقوفهم صفاً واحداً خلف الجيش واللجان. وحمّل بيان صادر عن المسيرة قوى العدوان المسؤولية الكاملة عن تبعات الهجوم على الحديدة، داعياً الأمم المتحدة إلى تحمّل مسؤولياتها في حماية المدنيين وإيصال المساعدات إليهم، ومعتبراً «تجاهلها الوضع الإنساني في الحديدة»، وإصرارها على استخدام عبارة «دعوة جميع الأطراف» دليلاً على أنها «تقوم بدور خلفي داعم للعدوان».


البيضاء: كمين يقتل قائداً في قوات هادي
اعترفت القوات الموالية للرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، أمس، بمقتل القيادي فيها، أحمد صالح العقيلي، في مواجهات مع «أنصار الله» على جبهة البيضاء. وكان قائد «اللواء 153 مدرع» قد قُتل، مساء أول من أمس، مع عدد من مرافقيه، في «كمين محكم» نصبه له الجيش واللجان، «بعد استدراج وعملية استخباراتية» بحسب ما نقلت وكالة «سبأ» التابعة لسلطات صنعاء عن مصدر عسكري. وفي محافظة لحج، تصدّت القوات المشتركة لمحاولات تقدم، استمرت لأكثر من 6 ساعات تحت غطاء جوي كثيف، نحو جبهة كرش، ما أدى إلى «تكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد» وفق ما أفاد به مصدر عسكري. شمالاً، أفشل الجيش واللجان محاولة تقدم للقوات الموالية لـ«التحالف» في غرب مجازة بمنطقة عسير، توازياً مع استهدافهما بصلية من الصواريخ الموقع نفسه و«تحقيقهما إصابات مباشرة» فيه. وفي منطقة نجران، جرى التصدي لمحاولة مماثلة قبالة صحراء الأجاشر، ما أدى «إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وتدمير آلية محملة بالمرتزقة».