المقالات

كيف نفهم ترامب؟ جنون رئيس ام أزمة نظام؟!!

الجديد برس : رأي

عبدالملك العجري

صعود تاجر العقارات ترامب كان افضل تعبير عن ازمة النظام العالم بنسخته الامريكية المعولمة و تصرفاته تعري مفاسق وتناقضات العولمة الاجتياحية وتكشف طبيعتها المتوحشة وتدفع بأزمتها الى الحافة .

في القرن الماضي كان المال والايدولوجيا والقيم الانسانية الكبرى السياسية والاجتماعية تتداخل في توجيه النظام العالمي .ومنذ العشرية التاسعة من القرن الماضي فقدت الايدولوجيا تأثيرها وصار دور القيم الانسانية شكليا ،ليتفرد المال بإحكام قبضته على العالم .

حول نظام العولمة المؤمرك العالم الى سوق يفتقد العدالة ،والإنسان الى سلعة بدون قيمة ،والسياسة ما هي إلا ادارة العالم بصفته شركة والإنسان باعتباره ترس في الة عملاقة.

وخلال العشريات الماضية كانت الطبيعة الاجتياحية والمتوحشة لهذا النظام تتكشف على شكل سلسلة من الازمات ادت لتوسع رقعة الاضطرابات الاجتماعية ،تزايد اتساع الهوة بين الدولة الفقيرة والغنية ،الارتفاع الدراماتيكي لديون البلدان،وانتهاك سيادة وتهديدها بالتفكيك ،وصعود لظاهرة الإرهاب المعولم ،وتهميش دور الامم المتحدة ومؤسساتها ،تحول دور القيم الانسان الى مجرد اعلانات تجارية لتسوية الصفقات السياسية. وغياب العدالة والتكافؤ ،تراجع الاستقرار ر العالمي و فقدان الثقة بالمؤسسات التقليدية والميل للخطاب الشعبوي و صعود القيادات الشعبوية .

صعد ترامب بشخصيته المتمردة التي لا تؤمن إلا بالقوة ولا تلقي بالا للأعراف والتقاليد المؤسسية والأحلاف والالتزامات الدولية في سياق عالمي تكتنفه الفوضى تتوجد امامه منظومة عمل تحكمها يد السوق الخفية وقوانين العرض والطلب مغطاة بستار رقيق من النفاق السياسي .

ونظرا لشخصية ترامب الجريئة، يحب ان يسمي الاشياء بمسمياتها بدون رتوش ولا نفاق، قام برفع الستار عن نظام السوق وعرض السياسية للمساومة والمقايضة في مزاد علني ،من يريد الحماية عليه ان يدفع ، من يريد التأييد عليه ان يدفع .كل الاتفاقيات هي صفقات قابلة للمراجعة والإلغاء مثلها مثل اسهم السوق . السلاح ،الخبرة ،الاعلام ،المواقف القرارات كلها سلع تمنح لمن يدفع ،لا علاقة لها بالأخلاق والمشاعر الانسانية .

ولأن عقليته عقلية تاجر لا يجيد إلا صفقات البيع والشراء فقد منح فرصة اكبر لدول صغيرة ومتخلفة لا تملك من عوامل القوة والتفوق (العلمي ،الصناعي ،التكنولوجي، الحضاري …الخ) غير المال ،كالإمارات والسعودية منحها دورا اكبر في التأثير على قرارات الدول الكبرى والمجتمع الدولي .

وعلى هذا الأساس نستطيع ان نفهم سلوك ترامب وقراراته الأخيرة سواء برفع بعض القيود التي كانت مفروضة على مبيعات السلاح للسعودية وتوسيع حجم المشاركة الامريكية في العدوان على اليمن ،او بانسحابه من الاتفاقية النووية مع ايران ،ثم قراره بنقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة ،وما سبقها من قرارات كانت مثار جدل داخل أمريكا وخارجها ،وهي كلها من شأنها ان تنسف ما تبقي من دعائم مؤسسية وقيمة للاستقرار وتزيد من توتر علاقة أمريكا بحلفائها الاوربيين والتصعيد مع خصومها تدفع بأزمة النظام العالمي الى حافة الانهيار .

سلوك ترامب، بقدر ما يعري ازمة العولمة المفرطة، يدفع بأزمة النظام العالمي الى حافة الانهيار بالعالم الى أجواء مكهربة تشبه تلك التي ترافق عصور الحروب الكبرى او التحولات الثورية الكبرى ما لم تجري مراجعات سياسية وأيديولوجية وقيمية ومؤسسية. والعالم بين خيارين السماح بتراكم عوامل الازمة وجنون ترامب كفيل بتفجير كل تناقضات نظام العولمة والوصول بها الى مرحلة الانفجار او المراجعة والضغط لإدخال إصلاحات جوهرية على مؤسسات النظام العالمي وإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية الكبرى وعلى رأسها العدالة الاجتماعية.